مما اعتاد عليه المسلمون تهنئة بعضهم بعضا بقدوم شهر رمضان الكريم، فيقول أحدهم لأخيه: شهر مبارك، أو: مبارك عليكم الشهر، أو كل رمضان وأنتم بخير ونحوه، ويرد عليه الآخر بنحو من هذا الكلام.

وقد ساق الثعالبي بعضا من الأدعية التي تحمل معنى التهئنة في  «سحر البلاغة وسر البراعة» (ص101)، منها:

1- «ساق الله إليك سعادة هلاله، وعرفك بركة كماله.

2- أسهم الله لك في فضله، ووفقك لفرضه ونفله.

3 – لقاك الله فيه ما ترجوه، ورقاك إلى ما تحب فيما يتلوه.

4 – جعل الله ما أظلك من هذا الصوم مقروناً بأفضل القبول. مؤذناً بدرك البغية ونجح المأمول، ولا أخلاك من بر مرفوع، ودعاء مسموع.

5 – قابل الله بالقبول صيامك، وبعظيم المثوبة تهجدك وقيامك.

6 – عرفك الله من بركاته ما يربي على عدد الصائمين والقائمين، ووفقك لتحصيل أجر المتهجدين المجتهدين.

7 – أسأل الله أن يضاعف يمنه لك، ويجعله وسيلة مقبولة إلى مرضاته عنك.

8 – أعاد الله إلى مولاي أمثاله، وتقبل فيه أعماله، وأصلح في الدين والدنيا أحواله، وبلغه منها آماله.

9 – أسعده الله بهذا الشهر، ووفاه فيه أجزل المثوبة والأجر، ووفر حظه من كل ما يرتفع من دعاء الداعين، وينزل من ثواب العاملين، وتقبل مساعيه وزكاها، ورفع درجاته وأعلاها، وبلغه من الآمال منتهاها، وأظفره بأبعدها وأقصاها»ا.هـ

وفي  «صبح الأعشى في صناعة الإنشاء» (9/ 42-44):

من كلام المتقدّمين: لأبي الحسين بن سعد: جمع الله لمولاي في هذا الشهر الشريف شروط آماله وأحكام أماليه، في حاضر أمره وعاقبته، وعاجل دنياه وآخرته، وأبقاه لأمثاله بقاء لا يتناهى أمده، في ظلّ عيش يرضاه ويحمده.

وله في مثله: عرّف الله سيدي بركة هذا الشهر الشريف وأعاشه لأمثاله، ما كرّ الجديدان «2» ، واختلف العصران، ممتّعا بسوابغ النّعم، محروسا من حوادث الغير، وموفّقا في شهره، وأزمان دهره، لأزكى الأعمال، وأرضى الأحوال، ومقبولا منه ما يؤدّيه من فرضه، ويتنفّل به قربة إلى ربّه.

وله في مثله: عرّفه الله بركة إهلاله، وأبقاه طويلا لأمثاله، موفّقا فيه من عمل الخير، ومراعاة الحقّ، وتأدية الفرض، والتنفّل بالبرّ، لما يرضيه، ويستحقّ جزيل المثوبة عليه، ممتّعا بعده بسنّي المواهب، وجسيم الفوائد، مع اتصال مدّة العمر، واجتماع أمنيّات الأمل.

وله في مثله: عرّف الله مولانا بركة هذا الشهر الشريف وأيّامه، وأعانك على صيامه وقيامه، ووصل لك ما يزيد من فضله وإنعامه، وتابع لك المزيد من منائحه وأنعامه، وختم لك بالسعادة العظمى بعد الانتقال [في الجاه والرياسة إلى] أبعد المدى، وفي العزّ والثّروة إلى أقصى المنى.

(وقال) أبو الفرج  الببغاء: جعل الله ما أظلّه من هذا الصيام مقرونا بأفضل قبول، مؤذنا بإدراك البغية ونجح المأمول، ووفّقه فيه وفي سائر أيّامه، ومستأنف شهوره وأعوامه، لأشرف الأعمال وأفضلها، وأزكى الأفعال وأكملها، ولا أخلاه من برّ مرفوع، ودعاء مسموع، وسعي مشكور، وأمر مبرور، إلى أن يقطع في أجمل غبطة وأتمّ مسرّة أمثاله.

وله في مثله: عرّفك الله بركة هذا الشهر المعظّم قدره، المشرّف ذكره، ووفّقك فيه لصالح الأعمال، وزكّي الأفعال، وقابل بالقبول صيامك، وبتعظيم المثوبة تهجّدك وقيامك، ولا أخلاك في سائر ما يتبعه من الشّهور، ويليه من الأزمنة والدّهور، من أجر تذخره، وأثر تشكره».

والتهنئة بشهر رمضان من الأمور المشروعة، ويشهد لها ما يلي:

أولا دليل السنة النبوية: ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أتاكم رمضان شهر مبارك ، فرض الله عز وجلّ عليكم صيامه ، تُفتح فيه أبواب السماء ، وتُغلّق فيه أبواب الجحيم ، وتغلّ فيه مردة الشياطين ، فيه ليلة هي خير من ألف شهر ، من حُرم خيرها فقد حُرم ” رواه النسائي 4/129 ، وهو في صحيح الترغيب 1/490 .

وجاء في بعض روايات الحديث، كما في «التمهيد – ابن عبد البر» (16/ 154 ط المغربية):

«!– /wp:paragraph –>

قال السيوطي في «الحاوي للفتاوي» (1/ 93): «قال ابن رجب: هذا الحديث أصل في ‌التهنئة بشهر ‌رمضان».

وقال علي القاري في «مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» (4/ 1365):

«وهو أصل في ‌التهنئة المتعارفة في أول الشهور بالمباركة».

ويقول ابن رجب الحنبلي رحمه الله في [لطائف المعارف ص/148]: “قال بعض العلماء: هذا الحديث: (قد جاءكم رمضان…) أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضاً بشهر رمضان، كيف لا يبشر المؤمن بفتح أبواب الجنان، كيف لا يبشر المذنب بغلق أبواب النيران، كيف لا يبشر العاقل بوقت يغل فيه الشياطين، من أين يشبه هذا الزمان زمان؟.

ثانيا دليل العادة: فالتهنئة من العادات الجارية بين الناس، والأصل في العادات الإباحة؛ حتى يرد دليل بالمنع. يقول العلامة السعدي ـ رحمه الله ـ مبيناً هذا الأصل في جواب له عن حكم التهاني في المناسبات؟ ـ كما في “الفتاوى” في المجموعة الكاملة لمؤلفاته (348) ـ:

هذه المسائل وما أشبهها مبنية على أصل عظيم نافع، وهو أن الأصل في جميع العادات القولية والفعلية الإباحة والجواز، فلا يحرم منها ولا يكره إلا ما نهى عنه الشارع، أو تضمن مفسدة شرعية، وهذا الأصل الكبير قد دل عليه الكتاب والسنة في مواضع، وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره.

تهنئة رمضان

فهذه الصور المسؤول عنها وما أشبهها من هذا القبيل، فإن الناس لم يقصدوا التعبد بها، وإنما هي عوائد وخطابات وجوابات جرت بينهم في مناسبات لا محذور فيها، بل فيها مصلحة دعاء المؤمنين بعضهم لبعض بدعاء مناسب، وتآلف القلوب كما هو مشاهد»

ثالثا فتاوى هيئات الفتوى  والعلماء: وغالب الفقهاء المعاصرين على جواز التهنئة بشهر رمضان، من ذلك:

فتوى دار الإفتاء المصرية ونصها: ” نظرًا لفضل هذا الشهر العظيم، وعموم الرحمة فيه، وكثرة المنن التي يمنها الله تعالى فيه على عباده، كان حقيقًا بأن يهنِّئ الناسُ بعضُهم بعضًا بقدومه، والتهنئة بالأعياد والشهور والأعوام مشروعةٌ ومندوبٌ إليها؛ قال تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 58]، والتهنئة مَظْهَرٌ من مظاهر الفرح، وجاء في القرآن الكريم تهنئة المؤمنين على ما ينالون من نعيم، وذلك في قوله تعالى: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الطور: 19]، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يهنِّئ أصحابه بقدوم شهر رمضان؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ؛ يَقُول: «جَاءَكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ» أخرجه أحمد في “مسنده. ا.هـ

فتوى اللجنة الدائمة بالمملكة: وسئلت اللجنة الدائمة (9/7)، الفتوى رقم (20638)، عن حكم التهنئة بدخول شهر رمضان، فكان الجواب: بعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بأنه لا بأس بالتهنئة بدخول شهر رمضان، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدومه ويقول: «قد أظلكم شهر عظيم مبارك  » ، ويذكر لهم من فضائله ويحثهم على اغتنامه، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

فتوى دار الإفتاء الأردنيةونصها: ” لا حرج في إظهار المسلم فرحته بالمناسبات الدينية، وبقدوم مواسم الخير والبركة، كشهر رمضان المبارك، بل في ذلك ما يدل على انتمائه لهذا الدين الحنيف والاعتزاز به، قال الله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} يونس/ 58.

فتوى الشيخ ابن باز – رحمه الله- «س: الأخ: أ. ب. من الرياض، يقول: في أول يوم من شهر رمضان، وبعد صلاة الظهر قام جماعة المسجد بالسلام فيما بينهم، والتهنئة بدخول «الشهر الكريم، وقد أنكر عليهم أحد الإخوان، وقال بأن السلام والتهاني في الأعياد فقط، فهل كلامه صحيح؟ وهل التهنئة بدخول رمضان جائزة؟ وهل توجد عبارات في التهنئة ؟

الجواب: لا أعلم فيها بأسًا؛ لأنه شهر كريم فيه خير عظيم، فالتهنئة به لا بأس بها، والحمد لله، مثل ما يُهنَّأ بالولد، والمنزل الطيب، والقدوم من السفر، والسلامة، كل هذه أمور بين المسلمين لا بأس بها، مثل ما قال الله في حق المرأة إذا سمحت لزوجها: {فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا}. أما صيغ أو عبارات في التهنئة فهي: بارك الله لكم في الشهر. أو: أهنئكم بقدوم الشهر. أو: أهنئكم ببلوغ الشهر. أو: مبارك هذا الشهر. أو ما أشبه ذلك، وكله طيب» («فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر» (16/ 7- 8)

وفي فتوى له أخرى يقول: ” رمضان شهر، عظيم شهر مبارك يفرح به المسلمون، وكان النبي وأصحابه يفرحون به، وكان النبي يبشر أصحابه بذلك، فإذا فرح به المسلمون واستبشروا به وهنأ بعضهم بعضاً في ذلك فلا حرج في ذلك، كما فعله السلف الصالح؛ لأنه شهر عظيم ومبارك، يفرح به لما فيه من تكفير السيئات وحط الخطايا والمسابقة إلى الخيرات في أعمال صالحات أخرى”|

فتوى الشيخ صالح الفوزان يقول: ” التهنئة بدخول شهر رمضان لا بأس بها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبشر أصحابه بقدوم شهر رمضان، ويحثهم على الاجتهاد فيه
بالأعمال الصالحة، وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏( ‏قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)‏[‏ يونس ‏:‏ 58‏]‏.
فالتهنئة بهذا الشهر والفرح بقدومه يدلان على الرغبة في الخير، وقد كان السلف يبشر بعضهم بعضًا بقدوم شهر رمضان؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم”.

فتوى الشيخ ابن عثيمين يقول الشيخ ابن عثيمين: ” ورد عن السلف أنهم كانوا يهنئون بعضهم بعضاً في دخول رمضان ولا حرج في هذا، فيقول مثلاً: شهر مبارك، أو بارك الله لك في شهرك، أو ما أشبه ذلك، ويرد عليه المهنأ بمثل ما هنأه به، فيقول مثلاً: ولك بمثل هذا، أو يقول: وهو مبارك عليه، أو ما يحصل به تطييب خاطر المهنئين”.

القرضاوي وغيره من العلماء: وممن قال بجواز تهنئة المسلمين بعضهم بعضا سماحة الشيخ يوسف القرضاوي، والشيخ الدكتور علي القره داغي، والدكتور أحمد الريسوني، وغيرهم من العلماء المعاصرين، بل لم أقف على فقيه معاصر من الفقهاء المعتبرين إلا وقد قال بالجواز.

وأضيف على ذلك: أن المسلمين اليوم بحاجة ماسة إلى تعظيم شعائر الله أكثر مما مضى، وأن التهنئة بقدوم رمضان من تعظيم تلك الشعيرة، وأنها تبحث في روح المسلمين حب رمضان والإقبال على الطاعة فيه، والاجتهاد في العبادة فيه، وهو من التعاون على البر والتقوى الوارد في قوله تعالى: ﴿‌وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: 2]، والتهنئة من الوسائل التي تعين المسلمين على الاجتهاد والطاعة في هذا الشهر الفضيل.

كما أن التهنئة تعد من العادات الموروثة التي تورث حب الدين والطاعة، وتغرس في نفوس الشباب والأجيال احترام الشهر وصون حرمته؛ مما يجعل التهنئة مشروعة.