منذ عدة سنوات ظهرت مساعي لإيجاد رابط بين الحجاب وبين عالم الأزياء الحديثة، من خلال إدماج الاحتشام في صيحات الموضة، وتحويل الزي المحتشم إلى خيار عصري للمرأة المسلمة، تُقام له العروض، والمجلات، ويختص بعلامات تجارية، تتنافس للاستحواذ على سوقه المتوسعة عالميا.

يثير هذا التوجه المتصاعد لتحويل الحجاب إلى موضة وصناعة، تساؤلات عن العلاقة بين متطلبات الحكم الشرعي في زي المرأة المسلمة، الهادف لصرف النظر عن الجسد منعا للفتنة، وبين اشتراطات عالم الموضة، التي تميل إلى الإبهار والبهرجة وإبراز المفاتن، ومن ناحية أخرى  يُطرح السؤال الاقتصادي، الذي لا يتغيا إلا الربح، واستثمار التوجه الاستهلاكي المتصاعد للأزياء المحتشمة، لمخاطبة طبقات محددة من المسلمات.

أزمة الحجاب

فرض تمسك المرأة المسمة بالحجاب، خاصة في المجتمع الغربي، البحث عن ملابس تحقق المطلب الشرعي والاحتشام، وتتمتع بالأناقة والذوق والعصرية، غير أن غالبية المسلمات لم يجدن من التصميمات ما يلبي احتياجهن، لذا سعين لتحقيق هدفن من خلال استدعاء الأزياء التي كن ترتدينها في مجتمعاتهن، مع إدخال تعديلات لتوائم الواقع الجديد، لكن الأجيال الجديدة من المسلمات اللاتي نشئن في الغرب، وجدن أن الأمر غير كاف، وغير مشجع لهن، في ظل تصاعد حملات الكراهية ضد المسلمين في الغرب، والتي تتعرض فيه المحجبات لاعتداءات عنصرية، وكذلك تزايد أزمات الحجاب وصولا لحظره مثل قرار حظر ااتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا”  للجحاب في كرة القدم النسائية عام 2007، تحت دعوى أنه يزيد من مخاطر إصابة الرقبة، أو أزماته المتكررة في فرنسا، أضف إلى ذلك تمتع تلك الأجيال المسلمة بإمكانات اقتصادية وتعليمية عالية، وهو ما دفعهن للتفكير يفكرن بمنطق، يسعى لعصرية الثياب، مع التزام الاحتشام.

ويبدو أن محاولة الادماج بين الحجاب والموضة حققت قدرا من القبول، ففي العام 2012 ألغت “الفيفا” الحظر المفروض على الحجاب، وأكدت أنه لا يوجد شيء في المؤلفات الطبية بشأن الإصابات نتيجة ارتداء الحجاب، ومن ثم ظهرت بعض الرياضيات المسلمات وهن يرتدين الحجاب في أولمبياد لندن الصيفية 2012.

موضة الاحتشام

من الضروري النظر إلى قضية العلاقة بين الحجاب والموضة من جانب ثقافي وفكري، ومن زاوية العلاقة بين الاعتقاد الديني وتأثير ذلك على المستهلك والسوق، كذلك تأثير العولمة والثورة الرقمية على تذويب أفكار ورؤى معينة، وإنتاج قيم تعبر عن نفسها في مسلكيات متنوعة منها الأزياء.

والحقيقة أن هناك تغيرات في مجال التدين الإسلامي، ومن تلك المجالات: المرأة، والزي، والعلاقة مع الآخر، والاستهلاك، ونمط التدين وأشكاله، وتفاعل هذه الأشياء أوجد أذوقا وأفكارا جديدة، فنمت نزعة استهلاكية تسعى للتمتع بالحياة، مع التمسك بالقيم التي يفرضها التدين، ورأى هذا النمط أن هذا الحجاب المتوافق مع الموضة، قد يكون وسيلة للتعبير عن الانتماء الديني ورمزا للاندماج الحداثي في ذات الوقت.

في كتابها” التواضع: مفارقة في الموضة ” Modesty: A Fashion Paradox ترى “حفصة لودي” Hafsa Lodi  أن صناعة الأزياء المحتشمة تكتسب سوقا عالمية في السنوات الأخيرة تُقدر بمليارات الدولارات، وأن حركة الموضة في الحجاب ذات صلة وثيقة بأذواق المستهلكين، وهو ما دفع بعض بيوت أزياء عالمية إلى صناعة الأزياء محتشمة، وأشارت إلى وجود مجموعة من الشباب المسلمين، لهم مدونات تهتم بالموضة في الأزياء المحتشمة، كما عرف السوق شركات وعلامات تجارية .

وربما هذا ما دفع بعض الشركات الكبرى في مجال الأزياء ، مثل ” DKNY ” دار الأزياء الشهيرة في نيويورك، للدخول في مجال الأزياء المحتشمة عام 2014، بمناسبة شهر رمضان وبالتزامن مع القرار الفرنسي بمنع الحجاب، لتظهر 2015  أوّل عارضة أزياء محجّبة،  “ماريا إدريسي”، وفي العام 2016 ظهرت مصممة الأزياء الإندونيسية  “أنيسة حيسبوان” Anniesa Hasibuan في عرض أزياء في نيويورك، ثم قدمت دار الأزياء الإيطالية الشهيرة  “دولتشي أند جابانا “Dolce & Gabbana بعضا من موضات الحجاب الراقية.

وقد سبقتهم شركة “نايك” Nike بطرح ملابس رياضية تُلائم الحجاب، في كتابها “إسلام العلامة التجارية” Brand Islam تذهب “فقيه الشيرازي” Faegheh Shirazi الأستاذة بجامعة تكساس الأمريكية، أن المساعي الصغيرة من المسلمات لارتداء أزياء محتشمة في الغرب تحولت إلى صناعة تنافسية ومربحة، شارك فيها مصممون مسلمين وغير مسلمين، نظرا للأرباح الضخمة التي تدرها تلك الصناعة، بعدما أصبحت كلمة “حلال” أحد محفزات التسويق والاستهلاك للمسلمين في الغرب، كما أصبحت كلمة “شرعي وأنيق” Syar’i and Stylish  التي أطلقتها شركة Kivitz  الماليزية تغري بالتسويق الجيد.

تشير تقديرات في بريطانيا أن عمليات البحث عن الملابس المحتشمة ارتفعت عام 2019 بنسبة 500%، وأن محرك البحث الشهير Google أظهر 200 مليون نتيجة عن الملابس المحتشمة، وفقًا لتقرير حالة الاقتصاد الإسلامي العالمي 2020/21 (1)، تُقدر قيمة صناعة الأزياء المحتشمة بنحو 277 مليار دولار أمريكي ويُقدر أن تصل إلى 311 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2024.

في كتابها ” الموضة المحتشمة” modest fashion تذهب “رينا لويس” Reina Lewis أن الاهتمام الاعلامي بالأزياء المحتشمة هو تعبير عن تصاعد الطلب على تلك الأزياء، حيث تنتشر تلك الأزياء في جميع أنحاء العالم، ومن ثم أصبح للحجاب باعتباره رمزا للزي المحتشم مكانا في عالم الموضة وأسواقها وصحافتها المتخصصة، وبالتالي سار الاعتقاد جنبا إلى جنب مع التجارة.

ومن هنا أصبح لعارضات الأزياء المحجبات مكان على ممشى العارضات، لكن هذه السوق لا تتوقف عند الحجاب والأزياء فقط، ولكن تجذب معها أسواقا أخرى من الاكسسورات والمستلزمات المتعلقة بالمرأة، وهي سوق رائجة خاصة في ظل نمو طبقات متعلمة وثرية في المسلمين على امتداد الخريطة العالمية، وتمتع هؤلاء بالتفاعل مع وسائل الاتصال الحديثة والثورة الرقمية، وربما هذا ما دفع بعض المسلمات  للدخول إلى عالم صناعة الأزياء وتصميم الملابس، وظهور عارضات أزياء محجبات مثل” ” شهيرة يوسف” و” إكرام عبدي عمر” و”حليمة عدن” التي ظهرت على غلاف مجلة “فوج” Vogue شهيرة عام 2017، وفي عام 2019 ظهر على غلاف المجلة ثلاث عارضات محجبت سوداء.

ولكن يبقى السؤال هل ستؤثر النزعة الاستهلاكية، والموضة واشتراطاتها، والطبيعة الربحية للسوق على الحجاب كمفهوم يبتغي إبعاد النظر عن الجسد، ومن ثم يُعاد تشكيل المفهوم الديني وفقا لقيم السوق وضغوطها، أم سينجح الحجاب في فرض رؤيته في عالم الموضة؟


(1)– رابط التقرير https://www.salaamgateway.com/specialcoverage/SGIE20-21