الحاصل اليوم في العالم من تطور سريع لوسائل الاتصال، يدعونا إلى مواكبته ومسايرته وإلا فاتنا الكثير الكثير، وأبرز تلك الوسائل.. الكمبيوتر.. اليوم تسعى الدول وكذلك الشركات والمؤسسات نحو تكوين جيل رقمي يتوافق مع الحاصل في عالم الأجهزة من هواتف وكمبيوترات على وجه التحديد، وبالتالي صار التطلع الاستراتيجي إلى أن يكون هناك جيل من الموظفين الرقميين يقودهم بالطبع مدير رقمي، يعملون مع أجهزة رقمية لتكون حصائد أعمالهم رقمية أيضا.

 العمل الورقي يبدأ تدريجيا في التلاشي رغم تمسك البعض به وإظهار مزاياه ومحاسنه مقارنة بالعمل الرقمي. ولو افترضنا جدلا صحة ما يذهب الورقيون إليه، فإن الوضع الحالي أو التطور الحاصل لن يدع المجال للورق أن يتنفس بعد حين من الوقت، طال أم قصر.

 إظهار محاسن العمل الورقي من قبل الورقيين ليس لأن محاسنها أكثر من العمل الرقمي، بقدر ما هي خشية منهم الدخول في عالم الأرقام أو العمل الرقمي إن صح وجاز لنا التعبير. وأبرز مظاهر العمل الرقمي هو الكمبيوتر. هذا الجهاز العجيب الذي ما زال يظهر العجائب من الأعمال لم يكن البشر ليقوموا بها بدونه لمئات من السنين القادمة.

 ديننا العظيم يدعو إلى التبحر في العلم واكتشاف المزيد من باب أن الله العليم سيفيض على المتعلمين المتبحرين الكثير من أسراره، انطلاقا من قوله تعالى: «علم الإنسان ما لم يعلم».. هذا العلم هو الذي لم يكن يعلمه الإنسان قبل عقود مضت، وبدأ يتعلمه ويتعمق فيه الآن..

 كنا ونحن صغاراً نتساءل عن كيفية قيام الملكين الموكلين بكل إنسان تسجيل كل صغيرة وكبيرة. وكنا نتصور أن كل ملك عنده قلم ودفتر ويسجل ما نقوم به من خير وشر.. هذا التصور لم لا يتطور أيضا مع الحاصل اليوم في عالم البشر؟ إنه دون شك يمكن القول بأن العالم الخفي عنا أكثر تطوراً وعلماً، وربما يوجد في عالم الملائكة ما لا يمكن تصوره من تقنيات تسجيل الأعمال لم يهتد إليه عقل بشر إلى اليوم.. لم لا ؟ لا شيء يمنع من تصور هذا الأمر.

 مشهد من مشاهد القيامة يمكن أن يكون مثالاً آخر يدعم هذا الحديث، فحين يرفع كل إنسان كتابه، ويقول الذي أوتي كتابه بيمينه «هاؤم اقرؤوا كتابيه» ويقول الآخر: «يا ليتني لم أوت كتابيه».. هل يمكننا أن نتصور حجم هذا الكتاب، الذي يحوي شر أعمال الإنسان وخيره؟ لا بد أنه كتاب عظيم يتكون من آلاف الصفحات، أليس كذلك؟

 اليوم يمكنك حفظ مئات الألوف من صفحات الكتب على شريحة رقيقة لا يتعدى حجمها واحد سنتيمتر مربع! فهل سيكون غريباً لو قلنا إن الكتب التي يرفعها البشر يوم القيامة، ربما تكون هي هذه الشرائح أو ربما أصغر وأعقد؟

 الشاهد من الحديث أن كل هذا التطور يدعونا إلى المزيد من البحث العلمي والتعمق في العلم ومظاهره المتنوعة، وعدم التهرب منها بحجج غير منطقية وأعذار واهية، حتى نعلم يقيناً أن الله ما خلق هذا باطلاً سبحانه..