قال المنذري : باب : الدعاء في الصلاة . والحديث أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء ( 4/2078 ) وبوب عليه النووي : باب استحباب خفض الصوت بالذكر . عن أبي بكر رضي الله عنه : أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : علمني دعاء أدعو به في صلاتي ، وفي بيتي ، قال : ” قل : اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كبيرا ( وفي رواية : كثيرا ) ولا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني ، إنك أنت الغفور الرحيم .

قوله ” علمني دعاء أدعو به في صلاتي ، وفي بيتي  ” وفيه : حرص الصحابة على الخير ، وسؤالهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كيفية الدعاء عن أسباب المغفرة والتوبة والرحمة ، وطرق دخول الجنة والنجاة من النار ونحو ذلك  ، وفيه : أدبهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في السؤال .

قوله : ” قل : اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ” وفي رواية ” كبيرا ” اشتمل هذا الدعاء على الاعتراف بالذنب ، ومع فضل أبي بكر رضي الله عنه وارتفاع رتبته ، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه هذا الدعاء ، ليكون قدوة لغيره من هذه الأمة .

والاعتراف بالذنب من سمات الأنبياء والرسل ، وقد تكرر في دعواتهم ، مع عصمتهم من الكبائر ، فآدم عليه الصلاة والسلام لما عصى ربه ، تاب وأناب ، واعترف بالذنب ، فقال هو وزوجه : { ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين } الأعراف : 23.

فتاب الله عليهما كما قال : { ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى } طه : 122.

ونوح عليه السلام قال :{ رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس به علم وإلا تغفر وترحمني أكن من الخاسرين} هود : 47 .

وموسى عليه السلام قال : { رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي  فغفر له إنه هو الغفور الرحيم } القصص : 16.

قال عليه الصلاة والسلام : ” دعوة ذي النون ، إذ دعا وهو في بطن الحوت : ” لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط ، إلا استجاب الله له ” . رواه الإمام أحمد وغيره ، وهو حديث صحيح .

وكان من دعائه عليه الصلاة والسلام إذا قام يتهجد من الليل أن يقول : ” اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت ، وما أسرفت وما أنت أعلم به مني ، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت ” . رواه البخاري ومسلم .

وأيضا كان عليه الصلاة والسلام يقول : ” اللهم اغفر لي جدي وهزلي ، وخطئي وعمدي ، وكل ذلك عندي ” . رواه البخاري ومسلم .

وكان صلى الله عليه وسلم يقول في سجوده : ” اللهم اغفر لي ذنبي كله ، دقه وجله ، وأوله وآخره ، وعلانيته وسره ” . رواه مسلم .

واستقصاء دعاؤه صلى الله عليه وسلم وأحوال الأنبياء في ذلك يطول ذكره .

وقد أثنى الله على عباده الذين يسألونه المغفرة ، معترفين بالذنب فقال سبحانه : { والله بصير بالعباد * الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار * الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار} آل عمران: 15-17 .

ماهو دعاء سيد الاستغفار ؟

دعاء سيد الاستغفار يتضمن الإقرار بالذنب ، والاعتراف بالخطيئة ، مع العلم يقينا بأنه لا يغفر الذنوب إلا الله تعالى ، وهو قوله عليه الصلاة والسلام : ” سيد الاستغفار أن تقول : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت ، خلقتني وأنا عبدك ، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك علي ، وأبوء لك بذنبي فاغفر لي ، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت . قال : من قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي ، فهو من أهل الجنة ، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح ، فهو من أهل الجنة ” . رواه البخاري .

فالعبد لا يرى نفسه إلا مقصرا في حق ربه وسيده ومولاه جل جلاله ، ولو قدم ما قدم من الأعمال الصالحة .

وأيضا : فإن اعتراف العبد بذنبه ، واعترافه بأنه لا يغفر الذنوب إلا الله تعالى ، من أسباب المغفرة .

 ففي الصحيحين : من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” أذنب عبد ذنبا ، فقال : اللهم اغفر لي ذنبي ، فقال تبارك وتعالى : أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ، ثم عاد فأذنب ، فقال : أي رب اغفر لي ذنبي ، فقال تبارك وتعالى : عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا ، يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ، ثم عاد فأذنب ، فقال : أي رب اغفر لي ذنبي ، فقال تبارك وتعالى : أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا ، يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ، اعمل ما شئت فقد غفرت لك ” .

فقوله : ” اعمل ما شئت فقد غفرت لك ” يدل على أن الله تعالى لا يزال يغفر لعبده كلما استغفره ، طالما أنه موقن أن له ربا يأخذ بالذنب ويعاقب به ، ويغفره إذا استغفره العبد منه ، ما لم يصر على معصيته فيترك التوبة ، أو يموت على الشرك .

وكما في قوله عليه الصلاة والسلام : ” إن الشيطان قال : وعزتك يا رب ، لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم ، فقال الرب تبارك وتعالى : وعزتي وجلالي ، لا أزال أغفر لهم ما استغفروني ” . رواه الحاكم وغيره وهو حديث صحيح .

 قوله : ” فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني ” من عندك ، دليل على أن المغفرة لا تكون إلا من الله تعالى ، لا من أحد غيره مهما كان قدره ومنزلته ، كما في قوله تعالى { ومن يغفر الذنوب إلا الله } آل عمران .

والمغفرة ستر الذنوب وتغطيتها ، وعدم الفضيحة لأصحابها .

قال السعدي : ( العفو – الغفور – الغفار ) الذي لم يزل ولا يزال بالعفو معروفا ، وبالغفران والصفح موصوفا ، كل أحد مضطر إلى عفوه ومغفرته ، كما هو مضطر إلى رحمته وكرمه ، وقد وعد بالمغفرة والعفو لمن أتى بأسبابها ، قال تعالى { وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى } طه : 82 .( انظر النهج الأسمى 1/175 -180 ).

ما الفرق بين المغفرة والرحمة ؟

قلنا : إن المغفرة هي ستر الذنوب ، وأما الرحمة فهي أعم من ذلك ، فتشمل المغفرة وزيادة ، من إفاضة الإحسان إليه ، ودخول الجنة ، والنجاة من النار .

وقد عطف الله الرحمة على المغفرة  في قوله تعالى : (ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون ) آل عمران : 157 . فعطف ، وكذلك في هذا الحديث ، والعطف يقتضي المغايرة .

 قوله : ” إنك أنت الغفور الرحيم ” ختم الدعاء بما يناسب الحال من طلب المغفرة والرحمة ، كما هي عادة القرآن الكريم ، وعليه جرت الأدعية النبوية ، ففي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم المتقدم : ” اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني ” قال في خاتمته : ” أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت “.

فلما ذكر الذنب المتقدم والمتأخر قال : أنت المقدم وأنت المؤخر .

والحديث يدل على استحباب قول هذا الدعاء في الصلاة وخارجها .

أما موضع هذا الدعاء في الصلاة : فلم يرد بيان لموضع قول هذا الدعاء ، وإنما قال : ” في صلاتي ” أي : في عموم صلاتي ، وهو يدل على أنه في مواطن الدعاء في الصلاة ، ومواطن الدعاء في السجود ، وبعد التشهد قبل السلام ، كما سبق بيانه ، وفي دعاء الوتر  .

وفي قوله ” وفي بيتي ” ما يدل على جواز قول هذا الدعاء في غير الصلاة.