قال المهندس ربيع عبد الرؤوف الزواوي، استشاري نظم الإدارة وتكنولوجيا المعلومات، إن “الذكاء الاصطناعي” يمكن أن يحدث ثورة في العديد من المجالات، ويؤثر على طريقة عيشنا وعملنا. مشيرًا إلى أن أبرز هذه التأثيرات تشمل مجالات الطب، التعليم، التصنيع، التمويل، الانتقالات والمواصلات.
وأوضح أنه رغم التقدم الكبير في “الذكاء الاصطناعي” فإن القدرة على محاكاة العقل البشري بشكل كامل لا تزال بعيدة المنال؛ لأن العقول البشرية تعتمد على الوعي والتفكير المجرد، بينما “الذكاء الاصطناعي” يعتمد على خوارزميات وتدريب على البيانات.
وذكر الزواوي أن “الذكاء الاصطناعي” يمكن توظيفه في مجال الدراسات الإسلامية، من خلال تحليل النصوص القديمة أو التراثية، والتحقق من صحة الأحاديث النبوية، إضافة إلى التعلم الشخصي حيث إن تصميم برامج تعليمية ذكية لتعليم الإسلام حسب مستوى المتعلم واهتماماته الخاصة، يجعل التعليم أكثر تفاعلية وفعالية.
والمهندس ربيع عبد الرؤوف الزواوي هو عضو الجمعية المصرية لنظم المعلومات وتكنولوجيا الحاسبات، حاصل على بكالوريوس هندسة القوى الميكانيكية من كلية الهندسة جامعة الإسكندرية عام 1991م، وله العديد من الإنجازات في إدارة المشروعات ونظم الجودة، والتخطيط، ويتمتع بخبرة واسعة في مجالي النشر المكتبي والإلكتروني، وفي الاتجاهات الحديثة في إدارة مراكز الأبحاث، ومراكز المعلومات والمكتبات. وبجانب ذلك، له اهتمام واطلاع واسع على العلوم الشرعية، وحصل على درجة العالِمية (الدكتوراه) بتقدير ممتاز في تفسير القرآن الكريم وعلومه من الجامعة الإسلامية بمنيسوتا في يناير عام 2024م، وقد أصدر عدة كتب؛ منها: أشهر مواطن الخلاف في الفقه الإسلامي، إتحاف الأنام بمهمات في الإسلام، فقه الحج والعمرة وآدابهما، معجم الأسماء التي وردت في القرآن، معجم ألفاظ القرآن الكريم، الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وصف الرسول كأنك تراه.. فإلى الحوار:
ما السياق الذي ظهر فيه مفهوم “الذكاء الاصطناعي” وتطبيقاته؟
الذكاء الاصطناعي (AI) قديم، ولكن الذي أبرزه للناس في الفترة الأخيرة نوعٌ خاص منه هو الذكاء الاصطناعي التوليدي (generation AI) والذي يعرفه الناس بـ (Chat GPT)؛ فقد ظهر الذكاء الاصطناعي (AI) في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية عندما بدأت الحوسبة تتطور وتكتسب أهمية كبيرة. وقد كان العلماء والمفكرون يحاولون فهم كيف يمكن للحواسيب تنفيذ المهام التي تتطلب ذكاءً بشريًّا، مثل حل المشكلات واتخاذ القرارات. وقد اقترح آلان تورينج أحد العلماء البارزين في هذا المجال اختبار تورينج، وهو معيار لقياس قدرة الآلات على إظهار سلوك ذكي مشابه للبشر.
ومنذ منتصف القرن العشرين، تحولت الفكرة من مجرد نظريات إلى تطبيقات عملية، حيث بدأ استخدام الذكاء الاصطناعي في الروبوتات، وتطوير أنظمة خبيرة (Expert Systems) وتعليم الآلات كيفية التعرف على الأنماط، مثل التعرف على الوجوه والأصوات.
القدرة على محاكاة العقل البشري بشكل كامل لا تزال بعيدة المنال
وقد توسّعت تطبيقات الذكاء الاصطناعي بشكل كبير في العقود الأخيرة بفضل التطور الهائل في الحوسبة السحابية والبيانات الضخمة (Big Data) حيث أصبحت الخوارزميات الذكية قادرة على معالجة كميات هائلة من البيانات بسرعة وتحليلها لاستخراج معلومات مفيدة.
وماذا يمكن أن نرصد من تأثيرات “الذكاء الاصطناعي” على مجالات الحياة؟
“الذكاء الاصطناعي” يمكن أن يحدث ثورة في العديد من المجالات، ويؤثر على طريقة عيشنا وعملنا. ومن بين هذه التأثيرات:
- ففي مجال الطب: حيث يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في التشخيص الطبي الذي أصبح أداة قوية، مثل تحليل الصور الشعاعية واكتشاف الأمراض مبكرًا. بل يمكنه تقديم توصيات علاجية بناءً على تحليل البيانات الطبية التاريخية.
- وفي مجال التعليم: حيث يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي تخصيص المناهج التعليمية حسب احتياجات الطلاب وقدراتهم، مما يوفر تجارب تعليمية أكثر فاعلية.
- وفي مجال التصنيع: حيث تتيح الروبوتات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي فرصة تحسين العمليات الصناعية من خلال زيادة الكفاءة وتقليل التكاليف، مثل خطوط الإنتاج الآلية.
- وفي مجال التمويل: حيث يساعد التحليل التنبؤي باستخدام الذكاء الاصطناعي الشركات في اتخاذ قرارات مالية مدروسة وتجنب المخاطر الاقتصادية.
- وفي مجال الانتقالات والمواصلات: حيث يقلل تطوير السيارات ذاتية القيادة وأنظمة المرور الذكية من الحوادث، ويوفر حلولاً لمشاكل الازدحام المروري.
بالنسبة لمحاكاة فكر الإنسان وطريقة عمل المخ أو الدماغ.. إلى أي مدى تحقق ذلك في “الذكاء الاصطناعي”؟
رغم التقدم الكبير في الذكاء الاصطناعي، فإن القدرة على محاكاة العقل البشري بشكل كامل لا تزال بعيدة المنال؛ فالعقول البشرية تعتمد على الوعي والتفكير المجرد، بينما الذكاء الاصطناعي يعتمد على خوارزميات وتدريب على البيانات، صحيح يمكن للآلات تنفيذ مهام معينة بكفاءة عالية، مثل التعرف على الصور أو التفاعل مع اللغة الطبيعية، لكنها تفتقر إلى الصفات الإنسانية مثل الفهم العاطفي والإبداع الذاتي.
ومع ذلك، فإن بعض النماذج العصبية المتقدمة، مثل الشبكات العصبية الاصطناعية (Neural Networks) والشبكات العصبية التلافيفية (Convolutional Neural Networks) أصبحت قادرة على محاكاة بعض الجوانب المتعلقة بالتفكير البشري، مثل التعرف على الأنماط واتخاذ القرارات بناءً على معطيات معقدة.
هل بيئتنا العربية، فنيًّا وفكريًّا، لديها الاستعداد لمجاراة هذا التغير والاستفادة منه؟
في الحقيقة، إن البيئة العربية تواجه تحديات فيما يتعلق بمواكبة التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي، إلا أن هناك بعض المؤشرات الإيجابية؛ فدُوَل مثل قطر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بدأت تستثمر بشكل كبير في تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث أطلقت خططًا قومية لتعزيز البحث والتطوير في هذا المجال. ومع ذلك، لا تزال هناك عقبات تتعلق بالبنية التحتية، التمويل، وتأهيل القوى العاملة.
نحتاج إلى تحديث المناهج التعليمية لتشمل مواد “الذكاء الاصطناعي” بشكل أعمق
وهناك حاجة أيضًا إلى تحديث المناهج التعليمية في الجامعات لتشمل مواد الذكاء الاصطناعي بشكل أعمق، وتوفير بيئة مناسبة للبحث والتطوير داخل المنطقة، كما أن تطوير الشراكات مع الجامعات الدولية والشركات التقنية العالمية يمكن أن يساعد في سد هذه الفجوة.
وماذا عن توظيف “الذكاء الاصطناعي” في مجال الدراسات الإسلامية؟
بشكل عام، فإن الذكاء الاصطناعي يتجنب بشكل كبير الأنظمة العربية ذات اللغة العربية، لا سيما ذات المادة الشرعية منها، لدرجة أنها شبه غير موجودة.
صحيح يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُستخدم في تحليل النصوص الدينية وجمع وتحليل المصادر الإسلامية بشكل أكثر فعالية. على سبيل المثال:
تحليل النصوص القديمة أو التراثية: حيث يمكن استخدام تقنيات معالجة اللغة الطبيعية لفهم النصوص الدينية القديمة وترجمتها بدقة.
التحقق من صحة الأحاديث النبوية: حيث يمكن تحليل الأحاديث النبوية وتصنيفها وفقًا للمتون والأسانيد المختلفة باستخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي.
التعلم الشخصي: حيث إن تصميم برامج تعليمية ذكية لتعليم الإسلام والشريعة حسب مستوى المتعلم واهتماماته الخاصة، يجعل التعليم أكثر تفاعلية وفعالية.
الذكاء الاصطناعي” سيؤثر على طريقة عيشنا وعملنا
هل يمكن أن يسهم “الذكاء الاصطناعي” في نشر الثقافة الإسلامية والتعريف بالإسلام خاصة في الغرب؟
يتصور المتخصصون أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون وسيلة قوية لنشر الثقافة الإسلامية والتعريف بالإسلام في الغرب من خلال:
أنظمة الترجمة المتقدمة: باستخدام تقنيات مثل “ترجمة جوجل” المدعومة بالذكاء الاصطناعي، لتحسين جودة ترجمة النصوص الإسلامية إلى اللغات الأخرى.
التعليم الذكي: بتطوير تطبيقات تفاعلية تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتقديم دروس ومعلومات عن الإسلام للمستخدمين، مما يتيح لهم التعلم بطريقتهم الخاصة وفي أوقاتهم المناسبة.
الواقع المعزز والافتراضي: حيث يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في تطوير تطبيقات تعزز التفاعل مع التراث الإسلامي باستخدام تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز لتعريف المستخدمين بمواقع وشخصيات إسلامية تاريخية.
وهنا، لي بشكل شخصي تحفّظ سأذكره في آخر هذا الحوار.
من واقع تجربتكم في البرمجيات وتشبيكها مع خدمة التراث الإسلامي جمعًا وتحقيقًا وتعريفًا.. ما الشروط اللازمة للاستفادة مما يتيحه “الذكاء الاصطناعي” من إمكانات؟
للاستفادة الكاملة من تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال خدمة التراث الإسلامي، يجب توافر عدة عوامل:
- البيانات: وجود بيانات رقمية ضخمة وموثوقة هو الأساس لأي تطبيق يعتمد على الذكاء الاصطناعي، ويجب تحويل المخطوطات والنصوص الإسلامية إلى صيغة رقمية، وإتاحتها بشكل مفتوح للباحثين والمطورين.
- البنية التحتية التقنية: يجب أن تكون هناك بنية تحتية قوية تدعم التخزين والتحليل السريع للبيانات. وإنشاء مراكز بيانات ومعامل بحثية تعتمد على الذكاء الاصطناعي سيكون ضروريًّا.
- التخصصات المشتركة: يجب التعاون بين علماء الشريعة والمطورين التقنيين، حيث يجب أن يكون هناك فهم عميق للنصوص والمصادر الإسلامية حتى يمكن توظيف الذكاء الاصطناعي بشكل سليم.
- دعم البحث العلمي: حيث يساعد الاستثمار في البحث والتطوير في مجالات مثل معالجة اللغة الطبيعية وتحليل البيانات، في تحقيق تقدم حقيقي في هذا المجال.
- التنظيم والتشريعات: حيث يجب تطوير سياسات وتشريعات محلية تعزز استخدام الذكاء الاصطناعي في المجالات الأكاديمية والدينية، وتحديد معايير لضمان الاستخدام الأخلاقي للتكنولوجيا.
يجب تحويل المخطوطات والنصوص الإسلامية إلى صيغة رقمية وإتاحتها للباحثين والمطورين
ويبقى تحفّظي الذي أشرت إليه فيما تقدم من الحوار؛ والذي يتمثّل في عدم اليقين أو عدم الموثوقية في المعلومات التي ينتجها الذكاء الاصطناعي التوليدي Chat GPT لاستخدامه الأنماط والاحتمالية، فلا يمكن أبدًا اعتباره شيخًا يسمع السؤال ثم يجيب السائل بما يناسبه تمامًا وبما يتفق مع الشريعة الإسلامية؛ ولذلك فإنهم في الذكاء الاصطناعي يتجنبون بقدر الإمكان التعامل مع نصوص التراث والمواد الشرعية على وجه الخصوص.
ولهذا، فبعض المعلومات والنصوص المولدة من الذكاء الاصطناعي التوليدي تكون في ظاهرها أحيانًا كأنها صواب وسليمة، في حين أنها خطأ ولا علاقة لها بالمضمون الصحيح الذي يجب أن يكون، وهي التي يعتبرها المتخصصون مجرد (Hallucination) أو هلوسة. فلا يمكن بحال من الأحوال الاعتماد على المعلومات التي يولدها الذكاء الاصطناعي التوليدي في مجال الإجابات الشرعية على الأسئلة أو الفتاوى التي يمكن أن يعتمد عليها في كثير من الحالات.
وفي الحقيقة، إن المحاولات العربية في هذا الصدد متواضعة، ولا يزال منتجها لا يحمل قيمة حقيقية، لا سيما التراثي منها؛ ولعل المستقبل يحمل في طياته ما يمكن أن يكون منتجًا يناسب التحديات التي يواجهها العرب والمسلمون.