قبل التطريق إلى تقنية ” الشات جي بي تي” ChatGPT” كان ظهور الكمبيوتر في القرن الماضي علامة تحول كبيرة في مسار الإنسان، وكانت قبله الاكتشافات العلمية والتكنولوجية بدايات لهذه الظواهر، وتلتها محاولات أخرى متعددة ، كظهور الإنترنت، وتحول مايقرب من 90 بالمئة من نشاطات الإنسان إلى الرقمنة ، وهذا شيء جميل إذا كانت هذه القضايا في خدمة الإنسان، وتسير وفق المنظومة الأخلاقية التي تنهض بالبشر وتعمل على مساعدتهم .

القضية الآن في تحول العالم إلى مجرد آليات فقط، آليات في القطاعات والمجالات كافة .كذلك فإن في ذلك مستخدمين ومستهلكين في عالم التقنية والتكنولوجيا، بحسب دور كل واحد في امتلاك المعرفة وتطويرها.

لا شك أن المستفيد الأول من التقنية هو من يصنعها، أما من يستهلكها فهو يخضع لشروط المنتج ومتطلباته .
في القريب العاجل سوف تختفي عديد من الوظائف، والأعمال التي اعتاد الناس عليها في حياتهم اليومة، فقد قلنا إن إزاحة الإنسان التقليدي قائمة على قدم وساق في العالم الحديث، نحن ننتقل من العالم الحديث الآن إلى العالم الافتراضي في كافة المجالات .

مجالات كالسينما والمسرح قد تختفي قريبا، فلم يعد ذلك حكرًا على فئات معينة، فالكاميرا وهي وسيلة التواصل مع العالم الخارجي، أصبحت في متناول الجميع، والحكم في التقييم والأداء هو الشخص نفسه، فلا سبيل للإقصاء أو تحجيم أي شخص مادام الأمر كذلك .

الجامعات التقليدية سوف تختفي قريبًا، والتعليم بالصورة التقليدية سوف يتلاشى، ولا سبيل لتفادي ذلك إلا بالانتقال المباشر إلى العالم الجديد الذي يخترق كافة الحواجز التقليدية .

كان ظهور محرك البحث جوجل التابع لميكروسوفت – شركة بيل غيتس- طرفة كبيرة في الانتقال من التقليدية وإتاحة المعرفة للجميع، وكشفًا كبيرًا في القرن العشرين .

الآن ظهر ” الشات جي بي تي” ChatGPT” ، وهو تطبيق يمكن استخدمه في كتابة أو بحث ما يريده كل إنسان، وبمعنى أدق أنك بمجرد كتابة كلمة ” جوجل ” أو “اقتصاد” أو غيرها يَخرج لك بحث كامل حول الموضوع بالمراجع والمصادر والتقسيمات .

اقرأ أيضا :

كتاب الرقمنة ثورة ثقافية

وهذا شيء جميل؛ لكن في النهاية فإن التعامل مع العلم بمنطق الآلة قد يصلح في بعض الأحوال ويخفق في أحوال أخرى، فعلى سبيل المثال: جوجل أتاح المعرفة ،وقدم خدمات جليلة للإنسان، لكن لم يستطيع القيام بدور الإنسان في الكون .

” الشات جي بي تي” ChatGPT” للأسف يحاول تقديم حلول لكافة القضايا، كما هو حال الغرب يحاول جعل الإنسان محور الكون ، وأن لديه القدرة على فعل أي شيء، وهذا غير صحيح؛ فالنص الذي سوف يخرج عن أهمية الاقتصاد من خلال ” الشات جي بي تي” ChatGPT” سوف يخرج عند كل من يريد بحث تلك القضية، وهذا تشابه طبق الأصل ، ويؤكد محدودية الاكتشاف ، بخلاف الإنسان الذي يكتب في موضوع مثل هذا بعشرات الطرق المختلفة؛ لكن لكل منهم بصمة أسلوبية خاصة، وهذا لا يمكن تقليده بحال من الأحوال .

الأدب الرقمي والمعرفة الرقمية، وأخير ” الشات جي بي تي” ChatGPT” من الإفرازات التكنولوجية الحديثة، ورقمنة الحياة، لكنها تقف عاجزة أمام تحليل نص مكوَّن من ثلاث إلى أربع كلمات، إنها محدودية العقل البشري في الإبتكار ، وقدرة الخالق في الإبداع والصنع .