وصلني من أحد الأحباب سؤال عن منشور يدّعي فيه صاحبه أن للسعادة زمانا واحدا هو يوم القيامة، وأن لها مكانا واحدا هو الجنّة، وعليه: (فلا جدوى من البحث عن شيء في غير مكانه ولا جدوى من انتظاره في غير أوانه) هذا نص المنشور!

 

ربما أستطيع أن أفهم القصد التربوي من هذا الكلام والنية الحسنة لصاحبه، لكنه كلام له آثاره السلبية في حياة المسلمين وفي نظرة الآخرين لهم..

إن الإسلام ما جاء ليحقق السعادة الأخروية بالشقاء الدنيوي، بل رحمة الله واسعة (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) والإشارة إلى السعادة الدنيوية وردت في آيات كثيرة منها قوله تعالى على سبيل المنة (فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)، وتشريعات الإسلام العملية كلها تسعى لتحقيق السعادة في الدنيا قبل الآخرة مثل؛ التكافل والتراحم والتزاور والسلام والابتسامة والتطيّب والنظافة وصلاة الجماعة وصلاة العيدين ووجوب الزكاة والإحسان إلى الجار ..الخ وقد حثنا رسولنا الحبيب -صلى الله عليه وسلم- على العمل لتحقيق السعادة الدنيوية في مثل قوله: (أربع من السعادة؛ المرأة الصالحة والمسكن الواسع والجار الصالح والمركب الهنيء) .

إن جعل الدين في كفّة والسعادة الدنيوية في كفة أخرى له آثاره الخطيرة في بناء نفسية المتدينين، كما أنه يحمل التنفير لغير المتدينين عن التوبة والدخول في التدين، وربما بعض ما نسمعه من الآخرين عن اقتران التديّن بالكآبة والعقد النفسية له نصيب من هذا الخطاب (الدعوي) المغلوط.