يعتبر الشيخ محمد نور بن سيف المهيري شيخا مهيبا وعالما جليلا، فهو رائد التعليم في دولة الإمارات العربية المتحدة، معروف بسيرته العطرة وصفاته وتقاه وعلمه وطرفه ومساهماته في مجالات التربية والتعليم والوعظ والإرشاد. وهو مناط اعتزاز وفخر خاصة ممن تعلموا لديه، لما قدمه من خدمات تعليمية وتربوية وأعمال اجتماعية وإنسانية وأفضال في المجتمع، في وقت أحوج ما كان المجتمع لأمثاله ودوره المتميز.

سيرة عالم فذ مثل الشيخ محمد نور رائد التعليم في الإمارات تحتاج إلى كثير من البحث والتنقيب عن مجريات أحداث حياته التي شهدت كثيرا من التقلبات الإقليمية وعرفت كثيراً من جوانب الحياة.

الحديث عن المعلم والمربي العالم الفقيه الزاهد الشيخ محمد نور سيف بن هلال حديث فيه من الإثارة والمتعة والوقوف على كثير من أخبار وحوادث الحياة في ذلك العهد من التعليم في مكة المكرمة وفي الخليج عموما، خصوصاً في مدرستها الرائدة مدرسة الفلاح، وكذلك في المدرسة الجامع والجامعة بيت الله الحرام، حيث حلقته المميزة في حصوة باب العمرة، بما يستغرق وجدان الكاتب وعقله ويشد السامع والقارئ ويجذبه باهتمام وعناية لما يقدم له.

من هو الشيخ محمد نور؟

هو الشيخ محمد نور بن سيف بن هلال المهيري، من أسرة محافظة اشتهرت بالتدين وحب العلم، فكان أبوه الشيخ سيف عالماً ورعاً تقياً محباً للعلم وأهله، يعمل في الغوص في دبي كعادة أهل زمانه.

ولد الشيخ محمد نور سيف عام 1323هـ الموافق 1905 م تقريباً في إمارة دبي بمنطقة الراس من ديرة بالإمارات المتحدة العربية، وعاش طفولته فيها، وكان أمراً طبيعياً أن يحمله أبوه على طلب العلم ويوجهه للدراسة وهو صغير، ففي طفولة مبكرة من حياته أُرسل إلى الكتاتيب التي كانت تحفّظ القرآن الكريم، إذ كانت منتشرة في المنطقة آنذاك، ويكاد يقتصر التعليم عليها. ويُروى أن الشيخ سيف بن هلال كان يدرس العلم في الإحساء على يد شيخ جليل واسع العلم تركي الأصل اسمه الشيخ أبو بكر، فسأل الشيخ سيف بم سمى ولده؟ فأجابه بأنه سماه محمد نور، فأنشد قائلاً:

محمد نور نوّر الله قلبه

بآيات عرفانٍ لها القلب ينشرح

فإن وافق الاسم المسمّى فحبّذا

وإلا فباقي الاسم لا شك ينطرح

وهكذا، فقد وافق الاسم المسمى ووافقت دعوة الشيخ الإجابة، هذا وقد رحل كذلك الشيخ سيف إلى مكة ودرس على أيدي علمائها الكبار حتى نهل من العلم وعاد إلى أرضه ليفيد الناس بعلمه.

مولده ونشأته  

تربى الشيخ محمد نور في كنف والديه حيث كان والده من العلماء ويعمل في الغوص، ثم أدخله كُتاب لحفظ القرآن الكريم ومبادئ العلوم، وفي عام 1335هـ قدم مكة المكرمة للحج والمجاورة وتلقي العلم الشريف فألحقه والده بمدرسة الفلاح وكان الأول عند تخرجه عام 1347هـ . وفي هذا العام أسس الحاج محمد علي زينل علي رضا المدرسة الرابعة (الفلاح) بدبي وهي أول مدرسة نظامية بدبي. فتولى الشيخ محمد نور إدارتها مع التعليم بها لمدة اثنين وعشرين عاماً مع إدارة مدرسة الأحمدية وفي عام 1369هـ عاد للاستقرار بمكة المكرمة ودرس بالفلاح إلى عام 1389هـ .

نشأ الشيخ في بيت علم وتقى فصار يراقب أباه وهو منشغل في القراءة والعلم وتعرف على العلماء الذين كانوا يجتمع معهم والده فأحبهم وأنس بهم.

لم يرزق والده إلا بولدين أحدهما مات وهو صغير ولذلك أولاه كل اهتمامه فأرسله ليتعلم عند المطاوعة (الكتاتيب) ثم التحق بالمدرسة الأحمدية التي أسسها المحسن أحمد بن دلموك وقام ابنه محمد بتوسعتها بعد ذلك وكان بها نخبة من العلماء الكبار من أمثال الشيخ عبدالعزيز بن حمد آل المبارك التميمي ولما بلغ الثانية عشرة من عمره رحل أبوه مع أسرته إلى مكة المكرمة سنة 1916م تقريباً فحفظ القرآن الكريم سنة 1920م وتخرج من الابتدائية سنة 1922م وبقي يحصل العلم في مدرسة الفلاح التي أسسها المحسن محمد زينل رحمه الله إلى أن حصل الشيخ محمد نور على شهادة العالمية سنة 1928م.

شيوخه وتلامذته

درس الشيخ محمد نور على أيدي علماء أجلاء أمثال الشيخ محمد العربي التباني، والشيخ عمر حمدان المحرسي الذي درس عليه صحيح البخاري وموطأ مالك وصحيح مسلم وأبي داود وتفسير ابن كثير والخازن ومختصر خليل وألفية ابن مالك وغيرها من الكتب العلمية، ودرس كذلك على الشيخ أحمد ناظرين، والشيخ سالم شفي، الشيخ يحيى أمان، والشيخ عيسى رواس، والمقرئ الشيخ حامد التيجي وغيرهم.

وكان في أثناء دراسته مثالاً لطلبة العلم الأذكياء المجدين فنال عناية مشايخه وأعجبوا به وكان حفظه وفهمه من النوادر التي يتندر بها فلا ينال إلا المراكز الأولى في كل سنوات دراسته حتى نال شهادة العالمية بترتيب الأول على دفعة تضم السيد علوي المالكي والسيد حسن حسنين والشيخ سعيد كعكي والشيخ محمد صالح كاشف والشيخ إسحاق عزوز والأديب محمد حسن فقي.

وللشيخ محمد نور رحمه الله طلاب من شتى المعمورة وأغلبهم أصبحوا علماء نذكر منهم:

  • الشيخ محمد ياسين الفاداني
  • الشيخ عبدالله اللحجي
  • الشيخ اسماعيل الزين
  • الشيخ أحمد جابر
  • السيد محمد علوي المالكي
  • د.عمر كامل
  • السيد حامد الكاف
  • السيد أحمد الرقيمي

وغيرهم نفع الله بهم وبعلومهم في الدارين.

وقد شارك العلماء بالتدريس في المسجد الحرام بحصوة ورواق باب العمرة ورواق باب الزيادة وبداره العامرة كعادة علماء البلد الكرام.

أخلاقه وزهده

يقول السيد محمد عبد المحسن رضوان مدير مدرسة الفلاح:”كان بين زملائه أخاً وموجهاً محبوباً بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى فهو إنسان محترم له أسلوب خاص في الأداء وكان مواظباً على مواعيده متمكناً من المادة التي يدرسها، وكان أسلوبه يتميز بالتحري والبحث، يحب الألفة بين أعضاء هيئة التدريس ويحب الإرشاد والتوجيه ولا يجامل أحداً في أمور الدين ومع ذلك فهو محب للمرح والمزاح وكان كثيراً ما ينزل مع زملائه للنزهات.”

كان الشيخ رحمه الله على جانب كبير من حسن الخلق على شدته في قول الحق فيصفه من يخالطه بأنه يظهر حرارة الترحاب والبشاشة في وجوههم وكثرة السؤال والاستفسار عن أحوالهم وأخبارهم وله معهم مداعبات لطيفة ومزاح.

واشتهر عنه الزهد والتقوى وقد بلغ الغاية فيه فكم رفض عروضاً كثيرة طيلة حياته لتولي مناصب في القضاء واكتفى بالتعليم والوعظ ومع رفضه للقضاء كانت تعرض عليه بعض الأحكام فيقول فيها رأيه كما يفعل قاضي الاستئناف اليوم.

ولم يكن رحمه الله يتعصب لرأيه فهدفه الأسمى الوصول إلى الحق فإذا تبين له انقاد له وأذعن بكل طيب نفس، وقد أورد الأستاذ إبراهيم عن والده الشيخ محمد بو ملحه أن الشيخ محمد نور عارض الشيخ أحمد بن حسن في قضية ثم تبين له أنه مخطئ فذهب الشيخ محمد نور بنفسه إلى الشيخ أحمد مقراً بصحة حكمه.

مدرسة الفلاح

تعتبر مدرسة الفلاح من كبريات مدارس مكة المكرمة يؤمها الطلبة من معظم بقاع العالم الإسلامي، وقد بلغ عدد طلبتها آنذاك ما يقارب 1800 طالب، منهم الشيخ محمد نور سيف ورفيقه العالم السيد علوي بن عباس مالكي رحمهما الله. وتخرج من هذه المدارس عديد من العلماء والفقهاء البارزين الذين كان لهم في الحياة شأن كبير في بلادنا المملكة العربية السعودية، بلاد الدولة والدعوة، فممن تخرجوا من هذه المدارس الدكتور محمد عبده يماني والسيد أمين عقيل عطاس وشقيقه الفاضل السيد عبد الله عطاس وكلاهما من تلاميذ الشيخ محمد نور سيف رحم الله من قضى نحبه وأطال الله عمر من بقي.

وبعد أن أنهى الشيخ محمد نور سيف دراسته بمدرسة الفلاح عُيّن فيها مدرساً حتى أصبح مديراً لها، ثم ترك العمل الإداري ليتفرغ للتعليم فحسب. وكان واعظاً وخطيباً ومفتياً وناصحاً ومصلحاً اجتماعياً، وله مواقف قضائية يذعن فيها للحق.

قام المحسن محمد على زينل رحمه الله بتأسيس المدرسة الرابعة من سلسلة مدارسه الخيرية في منطقة بر دبي وتقع في أرض تعود ملكيتها للشيخ المر بن حريز سنة 1928م بعد فلاح جده ومكة وبمباي بالهند واحتاج إلى مدير لهذه المدرسة فأرسل زينل إلى مدرسة الفلاح بمكة يطلب منهم اختيار أنجب الطلاب للتدريس في فلاح دبي فوقع الاختيار على الشيخ محمد نور فعقد له اختباراً خاصاً فاز به بدرجة النجاح الأولى ثم توجه إلى دبي لتنفيذ رغبة المؤسس فبقي في المدرسة برهة من الزمن مديراً ومدرساً ثم ضمت إليه إدارة مدرسة الأحمدية بعد أن آلت إلى حكومة دبي فضاعف من جهده وجهد المدرسين .

ولكن الشيخ كان يراوده الحنين إلى مكة فعاد إليها سنة 1941م وبقي مدرساً فيها خمسة أشهر ثم رجع إلى دبي وبقي عشر سنين فيها معلماً وواعظاً ومربياً ثم عاد بعد ذلك إلى مكة واختار التدريس في الحرم ومدرسة الفلاح إلى سنة تقاعده عن التدريس سنة 1968م وقد عاتبه أحد محبيه على تركه لدبي فقال: لو تركت دبي إلى غير مكة لندمت أشد الندم.

وظائفه

تقلد الشيخ محمد نور العديد من الوظائف اقتصرت على مجال الدعوة والتربية والتعليم ومن هذه الوظائف أنه عمل:

  • مدرساً بالمسجد الحرام
  • مدرساً ومشرفاً ومديراً لمدرسة الفلاح بدبي 22سنة ومدرسة الاحمدية .
  • –        مدرساً بمدرسة الفلاح لمدة خمسة شهور عام 1359هـ . ومن عام 1369هـ إلى1389هـ .
  • مدرساً في المدرسة الفخرية العثمانية إحتساباً .
  • انشأ مسجداً بريع الرسام (بدحلة الموارعة) لتحفيظ القرآن الكريم .

مؤلفاتهوأشعاره

للشيخ محمد نور بعض التقيدات و التقريرات على الكتب التي درسها إضافة إلى قصائد متنوعة في الدعوة والإرشاد والمواعظ. كما ترك مكتبة نفيسة موجودة حالياً لدى ابنه أ.د. أحمد بمنزله بالعوالي بمكة المكرمة.

للشيخ مجموعة من الأشعار، حيث يمتاز شعره بأنه من شعر العلماء وأغلب قصائده في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو الدعوة إلى الأخلاق وله أناشيد كان يكتبها للطلبة محفوظة إلى اليوم في صدور طلبته ومن شعره قوله في فلسطين:

إلى فلسطينَ سيروا وارفعوا العَلَما

إنّ الجهادَ علينا اليوم قد لزما

جدوا بحزمٍ إلى العليا ولا تهنوا

واحدوا العزائمَ نحو القدس والهمَمَا

إلى آخر ما قال, وهناك قصيدة مشهورة يرثي بها الشيخة حصة بنت المر والدة الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم يقول في مطلعها:

عزاءً بني مكتوم واحتسبوا الأجْرا

ورجّوا لها من ربها الفوزَ والبشرى

ولا تجزعوا واستسلموا لقضائهِ

فما أحسن التفويضَ ما أجملَ الصبرا

ومن أناشيده قوله:

أيها الشعْبُ الجليلُ

أيها العرب الكرامْ

أيها الآباء شكراً

وسلاما باحترامْ

وفاته

توفي الشيخ محمد نور بمكة المكرمة عن عمر ناهز ثمانين عاماً في غرة جمادى الآخرة عام 1403هـ الموافق 1982م ودفن بمقابر المعلاة، بشعبة النور بجوار قبر شيخه السيد محمد العربي التباني الحسني رحمهم الله تعالى وترك ذرية مباركة (عبد الرحمن وأحمد وإبراهيم وسيف الإسلام وعبد الجليل) وبنات حفظهم الله.