الصورة الذهنية المرتبطة بالإنسان العربي عند كثيرين، سواء في الشرق أو الغرب، أنه ذاك الشخص المترف الذي لا يهتم إلا بنفسه ونزواته وشهواته، تدعمه في ذلك ثروة طائلة لا يدري كيف يستثمرها ومستمر في تبديدها ليلاً ونهاراً، يعيش حياة كلها رفاهية ويديرها بكل سذاجة، يسرق منه من شاء، ويستهبله من أراد، وهكذا!

 هل الإنسان العربي بهذه الصورة فعلاً؟ وإن كانت الإجابة بالنفي، فكيف إذن نشأت تلك الصورة الذهنية عند كثيرين، وخاصة أن الصور الذهنية عادة تنشأ، كما يقول المشتغلون بعلم النفس، بسبب تجارب واقعية أو بناء على معلومات مقروءة أو مسموعة أو مرئية، أو اشاعات أو غيرها من مصادر المعلومات، فتكون النتيجة بعد كل ذاك الكم من المعلومات صورة ذهنية معينة عن شخص أو مؤسسة أو شركة أو منتج أو ما شابه ذلك، بغض النظر عن إيجابية أو سلبية الصورة الذهنية التي تكونت.

 لا شك أن وسائل الإعلام لعبت دوراً مهماً في صناعة صورة ذهنية للإنسان العربي، سواء الإعلام العربي نفسه أو غيره في العالم. وصورة الإنسان العربي لا تختلف أيضاً عن تلك الصورة الذهنية المرتبطة بالمسلمين في أنحاء العالم. فقد لعبت وسائل إعلام كثيرة غير عربية ولفترات طويلة على تشويه صورة الإنسان العربي أو المسلم لأهداف سياسية معروفة، وربما ساعدها على ذلك سلوكيات غير حضارية من بعض العرب أو المسلمين، أعطت المجال لأولئك المشتغلين بانتاج صور ذهنية معينة عن العربي أو المسلم، تعزز أهدافهم وما يرومون إليه، وهو ما نراه ونستشعره في عالم اليوم.

 المشكلة في الصورة الذهنية هي صعوبة تغييرها أو محوها وإزالتها من الذهن ما إن تثبت وتترسخ. ومن هنا تحرص كثير من الجهات، سواء مؤسسات أو شركات أو حتى أفراد، أن تكون الصور الذهنية التي تبدأ تنشأ في الأذهان عنهم، إيجابية منذ البداية، وإن تعزيزها أسهل من حدوث العكس وهو نشوء صورة سلبية، حيث إزالتها وتغييرها أو تعديلها غاية في الصعوبة والأمثلة حولنا أكثر من أن نحصيها..

 الإنسان العربي أو المسلم بداية ليس من الملائكة أو من الأنبياء كي لا يخطئ أو لا تغلبه أمراض النفوس المعنوية المتعددة، شأنه شأن أي أحد يعيش على هذه الأرض. ومثلما أن هناك العربي أو المسلم المترف المسرف غير العابئ بما حوله، فكذلك هناك الحكيم الواعي، المدرك لما يجري حوله ويتفاعل بكل إيجابية. لكن حين يتم تسليط الأضواء على السلبيات عبر وسائل الإعلام المختلفة، وفي المجالس والمنتديات وغيرها، فلا شك أنها ستغلب على الجوانب الإيجابية وتعطي انطباعات سلبية تبعاً لنوعية الرسائل الإعلامية المرسلة إلى اللاوعي عند مستقبلي تلك الرسائل. وهذا هو ما حدث وما زال، سواء للإنسان العربي أو المسلم.

 حين تقوم وسائل الإعلام وخاصة العربية، بتغييب النماذج الواعية الحكيمة في المجتمع العربي من مشرقه إلى مغربه، عن عمد وتجاهل في كثير من الأحيان، وتسلط الأَضواء على آخرين أقل حكمة وعلماً وثقافة وإدراكاً، مع احترامنا للجميع، وتبرز الجوانب السلبية من حياة الإنسان العربي أو المجتمع العربي بشكل عام، فإنه من المؤكد أنها تقوم بترسيخ صورة ذهنية غاية في السوء والتشويه عن العرب، تحتاج إلى سنوات طوال، وجهود إعلامية مستمرة وكبيرة ومتنوعة لتغيير تلك الصورة.

 هناك نوابغ من العرب والمسلمين في مجالات عديدة. هناك مفكرون واستراتيجيون ومثقفون وأدباء وكتّاب وأطباء وعلماء في تخصصات علمية وأدبية.. لماذا لا يظهرون في وسائل الإعلام العربية من المشرق إلى المغرب؟ إن هناك عدم عدالة بيننا كإعلاميين عرب في إبراز الإيجابيين في مجتمعاتنا، فلماذا نلوم إذن، والحالة هكذا، وننتقد الغريب الأجنبي، ونحن كعادتنا في أغلب المجالات، مؤسسات وحكومات ونسبة من الشعوب، متناحرون متحاسدون ومتباغضون؟ سؤال يحتاج إلى إجابة.. فماذا ترون؟