يجسد العمل التطوعي مثالا حيا على تطور المجتمعات وتمسكها بالقيم والمثل الإنسانية الراقية التي تقوم على البذل والعطاء و المساعدة في نهوض المجتمع ونشر ثقافة العمل من أجل الآخر وهي فلسفة إنسانية قمة في الروعة لما تتميز به من تضحية و وفاء. كما يعتبر العمل التطوعي مؤشرا على الحيوية والنشاط التي يتمتع بها أفراد المجتمع ومقياسا لمستوى الوعي لدى الفرد وما يجوده به من عطاء لمجتمعه في مجالات شتى. ويعطي العمل التطوعي أيضا صورة عن مدى انتماء الأفراد لمجتمعاتهم وبلدانهم ومدى إحساسهم ببعدهم الإنساني، الذي يتجاوز الحدود الضيقة من قبلية ، وجوهوية ، ويسمو إلى آفاق الإنسانية، وتختلف أشكال التطوع ودوافعه وتوجهاته باختلاف المجتمعات وتنوع الثقافات.
في المجتمعات التي شهدت تطور في العلوم الإنسانية والإجتماعية تعرف ظاهرة التطوع تطورا كبيرا حيث أضحت هذه الظاهرة جزء من ثقافة هذه المجتمعات ، ففي الجامعات يتم منح فرص للطلاب بتأدية بعض الأعمال التطوعية الإلزامية التى يتم تدريبهم عليها من ضمن هذه الأعمال التدخل لمساعدة المناطق المنكوبة أو مساعدة القرى النائية من خلال دورات تعليمية أو مهرجانات تثقيفية، وحملات صحية ، أو غير ذالك مما ينفع الناس ويمكث في الأرض.
الولايات المتحدة وعراقة التجربة
في الولايات المتحدة الأمريكية تأسست إحدى أعرق المنظمات الخيرية التطوعية سنة 1896 وتدعى (Volunteers of America) ، منذ 121 عاما تعمل هذه المنظمة من أجل مساعدة المحتاحين والتدخل في المناطق المنكوبة ومساعدة السكان، ونشر الوعي الثقافي والصحي بينهم. تقدم هذه المنظمة الخيرية مئات البرامج التعليمية والصحية والتثقيفية للسكان و توظف حوالي 16 ألف شخص في إداراتها. توسع عمل هذه المنظمة ليشمل التدخل في 46 ولاية و يستفيد من خدماتها مليون وأربعمائة ألف شخص.
و يبلغ عدد المتطوعين فيها 64000 ألف شخص من ضمنهم أطباء، مهندسون، أستاذ جامعات ، طلاب ، ضباط متقاعدين. وفي أغلب الجامعات الأمريكية يحرص الطلاب والأساتذة على الدخول في النشاطات التطوعية خلال العطل الصيفية كما تقوم هذه الجامعات بتشكيل مجموعات تطوعية تشمل نشاطات مختلفة ويتم إرسالها إلى المناطق المستهدفة، وفي نهاية الفترة يتم منح أوسمة شرفية للمشاركين عرفانا لهم بالجميل والمساهمة في الأعمال التطوعية.
تجذرت ثقافة العمل التطوعي في المجتمع الأمريكي، حتى أصبحت جزء من عقليات الناس وجزء من سياسات المؤسسات التعليمية وحتى الشركات التجارية أصبحت تهتم بهذا العمل وتسهم فيه من خلال الدعم والتشجيع.
اندفاع شباب ألمانيا
في ألمانيا 43.6 % من السكان ممن تزيد أعمارهم عن 14 سنة يعملون في برامج تطوعية بمعدل 6 ساعات تطوع أسبوعيا ، وترتفع نسبة التطوع بين المجموعات العمرية من 14 _ 29 سنة و من 30 _ 49 سنة. ويرجع هذا الإقبال على العمل التطوعي إلى ارتفاع نسبة التعليم والوعي بين فئات المجتمع ، وقد لاحظ المهتمون والمختصون بهذا المجال أن المستوى التعليمي يلعب دورا مهما في العمل التطوعي ، حيث لاحظوا بأنه كلما ازداد المستوى التعليمي كلما ازدادت قابلية الفرد للإندماج في الأعمال التطوعية. تنقسم الأعمال التطوعية في ألمانيا إلى نوعين ، عمليات تستهدف الشعب بشكل عام و من خلالها يتم التطوع في العمل الحزبي و النشاطات السياسية المرتبطة به ، والنوع الثاني التطوع ضمن الجمعيات الأهلية التى تستهدف فئات معينة من المجتمع.
مرونة ماليزيا
في ماليزيا جمعيات ومنظمات تطوعية بالمئات تشكل جزء من وعي المجتمع و سبل تطويره وتنميته تعمل هذه المنظمات في مختلف مجالات الحياة من التعليم ، الصحة ، النظافة ، مرورا بالبيئة.. و تسهل هذه المنظمات الإجراءات للراغبين في العمل التطوعي حيث تقدم للمتطوعين فرصة التسجيل حسب عدد الساعات التى يتطوعون بها ، المجال الذي يرغب المتطوع العمل فيه ، المدينة التى يسكن. من المنظمات الرائدة في مجال العمل التطوعي في ماليزيا منظمة Teach For Malaysia تهدف هذه المنظمة إلى القضاء على التمييز في مجال التعليم من خلال التدخل في المناطق التى تعاني نقص في المعلمين و الفصول الدراسية حيث تقوم هذه المنظمة بتوفير معلمين وفصول دراسية ومساعدة الأطفال في الحصول على تعليم جيد ، تضم هذه المنظمة 200 متطوع ويستفيد من خدماتها 33 ألف طفل في 70 مدرسة تنتشر في 8 ولايات ماليزية. جامعات ماليزية عديدة تقوم بتنظيم حملات تضم الطلاب الراغبين في العمل التطوعي وتقوم بتكوينهم وتأطيرهم ثم إرسالهم إلى مختلف المناطق الماليزية كل فريق حسب تخصصه ، ترسل فرق الاسعافات الأولية إلى المناطق الماليزية التى تشهد فياضات ، وترسل مجموعات التوعية الصحية والتعليمية إلى المناطق النائية والقرى الريفية.
مسؤوليتنا تجاه العمل التطوعي بشكل عام هي مسؤولية مقدسة تحتم علينا دعمه بكل الطرق و شتى الوسائل و نشره كثقافة بين صفوف الناس ، فهو ثورة في الفكر والعقل و طريق من سبل تطوير وتنمية المجتمعات ، فبقدر تطور ونهوض العمل التطوعي في مجتمع ما بقدر ما يكون هذا المجتمع قويا متماسكا وقادرا على مواجهة التحديات.