في هذا الحوار مع صحيفة “إلباييس” الإسبانية المنشور بتاريخ 20 مارس الماضي، ترى الصحفية أماندا فيجراس في كتابها الجديد الذي يحمل عنوان :  Porqué el islam  Ed. Península “لِمَ اخترتِ الإسلام؟” أن هذا الدين يحمل رسالة المساواة بين الرجل والمرأة.

وبغض النظر عن الاتفاق والاختلاف مع وجهة نظر هذه السيدة المسلمة الإسبانية في بعض القضايا الشرعية، فلا شك أن المؤلف (والذي يراجع هذا الحوار أهم محاوره) يعد وثيقة مهمة للاطلاع على القضايا التي تهم وجود المسلمين في الغرب عموما، وفي الجارة الإيبيرية خصوصا، مع التركيز على قضايا النساء المسلمات من وجهة نظر نضالية انطلاقا من خبرتها في وسائل الإعلام الجماهيرية، وناشطة في الدفاع عن حقوق النساء المسلمات وقضايا الأقليات المسلمة في الغرب عموما.

ترجمة وتقديم د. بوعزي عسام، أستاذ الترجمة والدراسات الإسبانية، كلية الآداب بالمحمدية- المغرب.

وهذا نص الحوار :

 

– لم (اخترتِ) الإسلام؟

أعتقد، قبل كل شيء، بفضل أمور غير مرئية، فأهم شيء في الإسلام ليس الحجاب أو اللحى، أو تفاصيل سطحية أخرى، بل مبادئ مبنية على الإحسان والعفو والسلام والتسامح ومعرفة الناس بعضهم البعض وتزكية النفس. إنه طريق حياة أكثر سلامة وعدالة سواء جسديا وروحيا، ونحن المسلمين نطمح إلى العدالة الاجتماعية  وأعتقد أن هذا هو ما جذبني إلى الإسلام.

هل يمكن فهم هذا السعي إلى العدالة الاجتماعية على أنه نقد للرأسمالية النيوليبرالية؟

نعم، بالطبع. فمن بين الأشياء التي جذبتني إلى الإسلام هو السعي إلى حياة أكثر روحانية وأبعد عن المادية والعيش أكثر على التجربة من التملك.

–  تصرين على كونك لم تتحولي من دين لآخر، لأنك لم تكوني مسيحية، فكيف كان وصولك إلى الإسلام؟

بعد الهجمات الفظيعة ل 11 مارس في مدريد ، عندما كنت أعمل صحفية في جريدة “إلموندو”، بدأت المطالعة حول الإسلام، فقد كنت مهتمة بالجمعيات الإسلامية في إسبانيا وكيف عاشت الأشهر التالية للهجمات والأعمال الانتقامية المحتملة. ومنذ ذلك الوقت، بدأت بالتعرف أكثر على المسلمين، وأدركت أنني لم أكن أعرف شيئًا عن الإسلام، وهو ما شجعني ذلك على الاستمرار في هذه الصيرورة. لم يكن أمرًا آليًا، بل كانت عملية أخذ ورد، وفي نهاية المطاف، دخلت الإسلام.

– كيف كان إخبار عائلتك وأصدقائك؟

لم يجر حديث خاص بهذا الموضوع، وقد تقبلا الأمر ببساطة، وفي النهاية أخبرتهم أنني مسلمة. كان رد الفعل  الأول هو الخوف، لأن هناك الكثير من الجهل.

– متى قررت ارتداء الحجاب؟

لم نخصص حوارا خاصا لهذا الموضوع أيضا، وإلى اليوم يتقبلون ذلك بشكل طبيعي جدا. وفي المحصلة، ليس عليهما أن يشاطراني الرأي، بل أن يحترما قراري، كما يجب احترام قرار أي شخص بالغ أو امرأة حرة. أما بالنسبة للعمل، فلست أدري كيف ستكون، لأنني قررت ارتداء الحجاب بعد ترك عملي في صحيفة “إلموندو”. وأعترف أنني كنت متوجسة من التفكير في ارتدائه عندما كنت في الجريدة، لأنني كنت أظن أن من شأن ذلك أن يكون قيدا  يحد من إمكانياتي عند إيفادي لتغطية بعض الفعاليات. لا أعرف ما  كان سيحدث، وربما لن أعلم ذلك أبداً، لكنني أجول ببصري و لا أرى نساء يرتدين الحجاب في وسائل الإعلام الكبيرة ، لذلك أظن أنه كان من شأن هذا أن يتضمن بعض القيود.

– هل يؤثر ارتداء الحجاب على فرص العثور على عمل في إسبانيا؟

نعم.  كل النساء اللواتي ترتدين الحجاب تتحدثن عن ذلك. من الواضح أنه يشكل عائقا، على غرار ما يحدث لما تحمل اسما عائليا أجنبيا. فنحن أقلية ونعاني من كراهية الإسلام، وهو مرض آخذ في الانتشار. ثمة أشياء غير ملموسة ويصعب قياسها، فعندما أرسل سيرتي الذاتية مع صورتي ولا يكلفون أنفسهم حتى عناء قراءتها، لا أدري إن كان ذلك بسبب عدم اهتمامهم أو لأنني في الصورة أظهر مرتدية الحجاب. على أي حال، ما زلت أبحث عن عمل، ولكن هذا الأمر صعب.

– تخصصين في كتابك فصلا للنساء، فما الفرق بين النسوية والنسوية الإسلامية بالنسبة لك، إن وجد؟

– لا أعتقد أن هناك حركة نسوية أو نسوية إسلامية ، فهناك تيارات نسوية. ونحن نعيش أزمنة مثيرة جدًّا على مستوى النقاش الدائر وتطوير النظريات وتأسيس التيارات … لا توجد اختلافات، يجب أن تحارب الحركات النسوية جميعًا ضد الأعداء المشتركين: النزعات الأبوية والذكورية والميز، والسعي إلى تحقيق تساوي الحقوق والفرص. أتمنى أن يتم أخذ المرأة المسلمة بعين الاعتبار أكثر من قبل الحركة النسائية المهيمنة والتي تمثل الغالبية في إسبانيا، والتي تتناسى وجودنا. بالنسبة لكثير من النساء والرجال، من الصعب التطلع إلى المطالبة بالمساواة من وجهة نظر دينية، لكن ذلك ممكن. نحن بحاجة إلى مزيد من الأخوة النسائية وتجنب المواجهات والتطاحن حول من يوزع بطاقات الانتماء للحركة النسوية.

 

كتاب : لِمَ اخترتِ الإسلام؟

 

– هل يعني ذلك أنه يمكن القول إن رؤيتك باعتبارك أوروبية لن تكون أبداً مثل رؤية امرأة سعودية أو مصرية؟

من الواضح أن موقفي مختلف عن موقف المرأة المصرية، لكن علينا أيضا أن نتوجه إليها ونصغي لرأيها. على أي حال، فإن المجتمع يستند إلى أساس نزعة أبوية في إسبانيا أيضا كما أظهر إضراب 8 مارس. تشدد الحركات النسوية الإسلامية أنه لا يمكن إجبار النساء على ارتداء أي شكل من اللباس بأي شكل من الأشكال، ولا يمكن السماح بذلك لأنه منافٍ للإسلام.

أدعو إلى عدم جعل ارتداء الحجاب مفروضاً أو محظوراً، فكلا الأمرين سيان بالنسبة لي. إن المشكلة  تكمن في سن قوانين حول حرية المرأة. من وجهة نظرنا، يتم إضفاء طابع صوفي على موضوع الحجاب، بخلاف بلدان أخرى تتعامل بشكل طبيعي مع هذا الأمر، ونحن نضيع الكثير من الوقت في الحديث عن الحجاب بدل أن نتحدث عن أشياء أهم.

– ما سبب الحضور الباهت للمسلمات في وسائل الإعلام؟

إنها بلا شك مشكلة وسائل الإعلام والأشخاص الذين تتم المناداة عليهم، فالعديد من الزملاء حكوا لي أن وسيلة إعلامية حاولت العثور على امرأة مسلمة لإعداد تقرير صحفي، ولكن إذا لم تكن ترتدي الحجاب فإنها لا تفي بالغرض، أي أنهم بحاجة لأن تتوافق مع الصورة النمطية، ويجب أن نتصدى لذلك أيضا. النساء المسلمات مختلفات، فثمة المتحجبات والسافرات والاسبانيات والمهاجرات، وذوات البشرة البيضاء والسمراء، ولدينا جميعا أشياء نقولها. يجب على وسائل الإعلام القيام بنقد ذاتي: هل تعمل لإعطائنا صوتًا أو لتعزيز الصور النمطية؟ هناك الكثير من الحديث عنا، لكن في غيابنا.

– وفقا لسيرين أدلبي السباعي، “الحديث عن حركة نسوية إسلامية مجرد اجترار، فالإسلام دين المساواة”، فما رأيك في ذلك؟

أنا موافقة تماما، وكنت دوما ألفت النظر إلى اللغة المدمجة للجنسين في الخطاب القرآني، فثمة آيات تتحدث عن المؤمنين والمؤمنات، والصائمين والصائمات … إنه يستخدم لغة شاملة للجنسين. والأمر لا ينحصر في المفردات فقط، بل يمتد إلى المفاهيم أيضاً: من أصل خَلق الكائن البشري حيث يتحدث عن أننا خلقنا متساوين، الرجل والمرأة، وبالتالي فإن سن قوانين ضد المساواة مناف للإسلام. وفي بعض الأحيان يصعب التدليل على ذلك، لأنه في الدول الإسلامية يوجد ظلم وميز أيضا، ولكن الإسلام شيء وما يفعله المسلمون شيء آخر.

– وماذا على الإرهاب ذي الطابع الإسلاموي؟

من المؤلم جداً أن يرتبط إسلامنا بشيء فظيع مثل هذه الهمجية الإرهابية، ولا يجب أن نضع  يافطات لتسمية الإرهاب. أنا لا أعرف ما هو الإرهاب الإسلامي والتطرف الإسلامي. بالنسبة لي، فالمسلم المتطرف سيكون شخصا يزرع الخير في طريقه، ويساعد الآخرين، وليس إرهابيا، لأن الإسلام لا يقودك إلى العنف، بل على العكس، فإن محمدا (صلى الله عليه وسلم) نهج دائما طريق العفو وهذا ما يطلب من المسلمين.

– تنادين في كتابك  بإعادة النظر في تفسير الآيات الأكثر إثارة للجدل من القرآن الكريم، مثل الآية التي تتحدث عن ضرب النساء أو أن الرجال قوامون عليهن.

بالفعل، لقد قرأت للعديد من الكاتبات مثل آمنة ودود أو أسماء بارلاس، واللاتي تعمقن في قراءة القرآن بمنهج غير أبوي. العديد من ترجمات هذا الكتاب تعتبر ذكورية، ولذا فإننا ندينها. ترجمة الفعل “ضرب” بمعنى العقاب الجسدي تتعارض مع رسالة القرآن، وأيضا النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، والذي هو إسوتنا نحن المسلمين، ما ضرب امرأة قط، كما أوصى مرات عديدة بحسن معاملة النساء. في رأيي أن كلمة “ضرب” قد تمت ترجمتها ترجمة سيئة، لأنها ترد في مناسبات أخرى كثيرة في القرآن، ولا تترجم بهذا المعنى. ومن حيث المبدأ، فإن بني الإنسان خلقوا متساوين، وأن المساواة مقدسة لأنها منحة من الله، أما القيام بأي شيء ضد المساواة فهو مناف للإسلام.

– ولكن هذا التفسير معتمد أيضا في بعض الدول العربية.

لا يجب التغاضي على أن ثمة الكثير من النزعات الذكورية والأبوية في المجتمعات المسلمة ، نعم ، في إسبانيا وفي البلدان العربية. وثمة العديد من الرجال الذين يشعرون بالراحة لكونهم عثروا في القرآن على المبرر المزعوم لإساءة معاملة زوجاتهم، ولكن لا يمكن تبرير هذا من وجهة نظر الإسلام.

– وماذا عن مبررات تعدد الزوجات للرجال فقط؟

تعدد الزوجات كان ظاهرة سابقة لظهور الإسلام، وعند ظهور هذا الأخير قام بتنظيمها ومنح إطارًا قانونيًا للنساء اللواتي لم يكن لديهن أي حق أو حماية من قبل. والقرآن لا يشجع هذه الممارسة ولا يروج لها. على أية حال، فهي ليست ممارسة غالبة بين المسلمين. وبالإضافة إلى ذلك، فثمة رجال ونساء يعيشون سعداء في ظل نظام تعدد الزوجات، فهي طرق مختلفة للعيش، ونحن نتحدث اليوم عن “الحب المتعدد” أي العلاقات المفتوحة. لا أعتقد أننا يجب أن نحكم على دين معين انطلاقا من ممارسة يقيدها الإسلام  وليست شائعة.

– هل تعتقد أن الحركة النسائية في إسبانيا أدمجت النساء المسلمات؟

إحدى المشاكل التي نواجهها تكمن في نظرة الحركة النسوية المهيمنة لنا، فثمة  أناس يعتبرون الجمع بين الدين و الحركة النسوية مفارقة، لكننا في قلب المعركة. فبدلاً من التركيز على عدونا المشترك، أي النظام الأبوي والذكوري، نفرغ جهدنا في هذه النقاشات. وكما أشرت سابقا، يبدو أن ثمة صراعا حول من سيوزع بطاقات الانتماء للحركة النسوية، ونحن بحاجة أكثر إلى الأخوة نسائية والحديث أقل عن أنواع الحجاب. نحن بحاجة إلى التحالفات للكفاح سوية. على سبيل المثال، في بيان إضراب في 8 مارس لم يتم ذكرنا (ولا أقليات أخرى) وهو ما سبب بعض الاستياء.

– وكيف تؤثر عليكم الإسلاموفوبيا، أو كراهية المسلمين؟

باعتبارنا مسلمات، وعلاوة على كفاحنا ضد النزعات الذكورية، علينا أن نتصدى أيضا للإسلاموفوبيا، وهنا نجد دعما محدودا. فلما نندد بكوننا نتعرض للتمييز، وأننا لا نجد عملا أو نطرد منه  لارتداء الحجاب، وأننا نتعرض لهجمات عنيفة في الشبكات الاجتماعية، فيبدو أن هذا لا يسبب الكثير من الانزعاج كما لو أنه يحدث في إيران أو المملكة العربية السعودية. إذا كنتم تريدون مساعدة النساء المسلمات، اصغوا إلى ما  نتعرض له الآن وهنا. بدلا من ذلك، يتم استخدام المظالم التي تعاني منها النساء المسلمات في بعض البلدان لمهاجمة الإسلام.

– ما الذي يحتاجه المسلمون للتعبير عن أنفسهم في المجتمع؟

أولاً  أن يفسحوا لنا المجال للحديث، و أن يتصلوا بنا، ومن ثم يتعين علينا القيام بمجهود  للانفتاح، وفتح أبواب مساجدنا، فعلى سبيل المثال، يقيم مسجد “م- 30” (وهي التسمية الشعبية للمسجد الجامع لمدريد نسبة إلى الطريق السيار الالتفافي الذي يمر بمحاذاته) يوما مفتوحا مرة واحدة في الشهر، كما توجد جمعيات شبابية مسلمة تنظم أنشطة متنوعة، والشباب المسلم في إسبانيا  في نشاط متزايد ويحاول أن يجد موطئ قدم له على الساحة،  والمساجد سائرة في الانفتاح. من المهم أن يتم الحديث عنا باعتبارنا جزءا فاعلا في المجتمع.