لقد حدد رسول الله ﷺ الغاية الأولى من بعثته في قوله: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” (مالك). الإسلام هو الدين الوسط؛ الذي يجمع بين المقومات المادية والمعنوية، ويعترف بالعناصر الأخلاقية والمصلحية في آن واحد، ويوازن بين هذه النواحي في بناء نظمه الاجتماعية والاقتصادية. وتفرض الشريعة الإسلامية الضوابط الخُلقية لأهداف دينية، وتُلزِم النشاط الاقتصادي باحترام هذه القيود، وبالتالي تسود الاعتبارات الاجتماعية والدينية على الاعتبارات الاقتصادية.
إذا كان الإسلام قد أوجب المحافظة على الضرورات الخمس، وهي حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل، فإن ثلاثاً من هذه الضرورات تتصل بوجوب المحافظة على صحة الإنسان، وهي كالآتي:
أولاً: حفظ النفس: إن حفظ النفس لا يكون بالقصاص وحده، بل إن القصاص -كما قال بعض الفقهاء- أضعف أنواع حفظ النفس، لأنه تدارك بعد فوات الوقت لمن قُتِل. أما حفظ النفس؛ فيكون بحفظها من التلف، وحفظ الصحة البدنية والنفسية، وبمقاومة الأمراض السارية؛ عن طريق العلاج والأدوية، فهي من حفظ النفس.
ثانياً: حفظ النسل: أي حفظ النوع الإنساني بالتناسل، وحفظ الأسرة والأولاد.
ثالثاً: حفظ العقل: ويكون بتطبيق حد الخمر، وقبل حفظه بالحد من السُكر، يلزم المحافظة عليه بالعلم والمعرفة والتحرر من الخرافات وأيضاً بمقاومة الأمراض.
وكما أن حد القصاص أضعف أنواع حفظ النفس، فإن حد السُكر أضعف أنواع حفظ العقل، لأن الحد في الحالتين تدارك بعد الفوات. من هنا كان الاهتمام بالدواء والعلاج.
وتلعب أنشطة التسويق الدوائي المبنية على المبادئ الخلقية دوراً هاماً في اشباع حاجات المستهلكين، ولابد من التعرف على حاجاته ودوافعه. وتعتبر منفعة المستهلك النهائي (المريض) هي الهدف، فالدواء سلعة هامة لأنها تعني بحفظ صحة الإنسان البدنية والنفسية، والمنفعة التي يحصل عليها المستهلك النهائي أو المريض هي الشفاء والراحة من الألم.
وأهم مجالات تحقيق المنفعة للمستهلك أو المريض في مجال التسويق الآتي :
1- مستويات كافية من الأمان في الدواء.
2- مستويات كافية من الجودة.
3- التسعير المناسب.
4- توفير مخزون من الأدوية يكفي طلب المستهلكين.
5- ذكر الآثار الجانبية للدواء ويجب أن تكون مقبولة، وعدم المبالغة في المنافع.
6-الصدق في التبيين وفي النشرة الداخلية.
7- الأمانة العلمية، وتدريب مندوبي المبيعات في الشركات على الجوانب الخلقية.
وانطلاقا من الاهتمام المتزايد بتقديم الأنشطة التسويقية والترويجية في ضوء الاعتبارات المعنوية والخلقية، وخاصة التسويق الدوائي، فلابد من التعامل مع القيم والمبادئ التي تحكم العميل (طبيب أو صيدلي أو مستهلك نهائي)، ويكون الشُغل الشاغل إعداد منهج للتسويق يتعامل مع القيم الخلقية.
والخصوصية الرئيسة في مجال تسويق الدواء أن العميل الجوهري لأنشطة شركات الدواء ليس المستهلك النهائي أو المريض، وإنما هو صاحب قرار الشراء وهو عادة الطبيب. وإذا كان الطبيب هو العميل الجوهري لشركات أدوية؛ في حالة الأمراض المزمنة أو الأمراض الحادة، فإن بعض الدراسات توضح أن قيادة سوق الأدوية سيكون بزيادة شريحة الأدوية التي تعالج الأمراض المزمنة. كما أن النجاح لأي استراتيجية سيكون على أساس ميزة التكاليف وخفض الأسعار، أو أي ميزة لزيادة القيمة، أو الخلط بينهم في تصميم استراتيجية التسويق. وتلعب القيم الخلقية دوراً أساسياً في استراتيجية الترويج.
ويبدأ تصميم الاستراتيجية الشاملة للترويج بتحديد المستهلكين والمؤثرين على قرار الشراء، وهم الأطباء، يليهم في الأهمية الصيادلة والمستشفيات والممرضات والمستهلكين أو المرضى.
وأهم الصفات الخلقية التي يجب أن يتصف بها أطراف النشاط التسويقي الدوائي؛ خاصة الطبيب؛ الأمانة العلمية. والأمانة في نظر الشارع واسعة الدلالة، فهي ترمز إلى معان كثيرة، ومناطها جميعاً شعور المرء بمسؤوليته في كل أمر يوكل إليه؛ وأنه مسؤول أمام الله سبحانه وتعالى على النحو الذي ذكره الحديث الكريم: “كلكم راع ومسؤول عن رعيته..” (رواه البخاري) .
وللأمانة العلمية للطبيب لها دور في إشباع حاجة المستهلك (المريض)، وهي كالآتي: إحالة المريض لطبيب مختص وأكثر كفاءة. وأن يكون علاج المريض عن طريق إجراء الفحوص، وأن يبني تشخيصه على بيانات مؤكدة، وأن يوصف أفضل الأدوية لحالة المريض، ولا يجعل المريض حقلاً للتجارب، فإن هذه خيانة. وعن أنس قال: ما خطبنا رسول الله ﷺ إلا قال: “لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له” (رواه أحمد).
ومن واجبات الطبيب وصفاته أيضاً التي يجب أن يتخلق بها؛ الآتي: الإخلاص والصدق والوفاء والحلم وسلامة الصدر من الأحقاد والتواضع. كما يعتبر الصبر من أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها الطبيب؛ ويكون الصبر على قلة المال خاصة في بداية حياته المهنية تحت وطأة مصاريف مهنية وحياتية مرهقة، هنا تبرز قوة التقوى لديه بحيث لا يغش مريضه ولا يجور على الفقير يقول الله تعالى: “وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ” (آل عمرن: 186)، ويقول الرسول ﷺ ” الصبر ضياء” (رواه مسلم).
وهناك مردود إيجابي للترويج؛ إذا ما تمت ممارسته بالطرق العلمية السليمة. والبيع الشخصي أهم وسيلة في ترويج الأدوية، لأن الإعلان مباشرة عن الدواء له شروط في كثير من دول العالم. وهنا يتجلى دور المندوب الطبي، الذي يجب أن يقتصر على الصيدلي فقط، خاصة أن غياب المعلومات الصحيحة عن الدواء تمثل مشكلة، حيث يعتمد الأطباء على الإنترنت أساساً في الحصول على المعلومات، رغم أنها قد تكون غير صحيحة. ويرى الكثير من الصيادلة والأطباء أن الأنشطة التسويقية الحالية لا تتماشى مع قواعد المهنة في مجال الترويج؛ ولابد من ميثاق شرف لممارسة المهنة؛ خاصة في مجال الترويج. وأهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها مندوب المبيعات الطبي؛ الآتي: الإخلاص – الحلم – الدقة في العمل – الصبر وقوة التحمل – التفاعل الاجتماعي – القدرة على إقامة علاقات طيبة – الأمانة العلمية…إلخ
إن إدماج استراتيجية الترويج الدوائي في الخطة التسويقية الشاملة للمنتج الدوائي تستلزم الإجابة على سؤال هام: هل هناك فرصة ترويجية؟ وتوجد خمسة شروط لتوافر الفرصة التسويقية كالآتي:
1- أن يكون هناك اتجاه تصاعدي في الطلب.
2- أن يكون هناك تميز للمنتج عند مقارنته بالمنتجات المنافسة.
3- أن تكون المواصفات غير الظاهرة للمنتج هامة بالنسبة للعميل بالمقارنة بالمواصفات الظاهرة.
4- تكون الفرصة الترويجية أكبر عندما تلعب العوامل العاطفية والروحية والمعنوية دوراً هاماً للتأثير على الجوانب النفسية.
5- لابد من توافر الأموال اللازمة.
ووسيلة ذلك لمعرفة هل هناك فرصة تسويقية أم لا هي بحوث التسويق.
إن المبادئ الخُلقية في التسويق الدوائي؛ نجدها موجودة في فقرة أو صفحة واحدة (إذا وجدت) في كتب التسويق الدوائي، رغم أنها جوهر العمل التسويقي وخاصة تسويق الأدوية. وهي تضيف للشركة سمعة طيبة، وتساعدها في تسويق مستحضراتها دون التقليل من الأرباح على المدى الطويل. ويحتاج ذلك إلى أن تكون مناهج الأخلاق أساسية في جميع مراحل التعليم، وفي كليات القطاع الطبي. فالمستهلك النهائي أو المريض يجب أن يكون هو العميل الجوهري بالنسبة لجهود التسويق.. سواء من قبل شركة الدواء أو من قبل الطبيب. حيث أن القضية الأساسية هي الجشع وقلة الضمير، وما يحدث في منتجات ضرورية كثيرة يحدث في الأخطر وهو الدواء، وتحولت إلى أزمة أخلاقية أثرت على حق المستهلك في الدواء الآمن وبسعر مناسب، امام اقلية لا ترضى إلا بالأرباح الفلكية.
منذ سنوات قليلة ظهر كتاب لعميد التسويق (فيليب كوتلر Philip Kotler) بعنوان (3.0 Marketing) أبرز فيه ما حدث من تطور في التسويق، حيث كان الإصدار الأول في التسويق: التركيز على المنتج Product، والثاني: كان التركيز على العميل Customer، وهذا الإصدار الثالث: ينظر للمستهلك بطبيعته المركبة وإلى النواحي الروحية Human Spirits. وقد دعا هذا التطور إلى القول بأننا على أبواب عصر جديد تعود فيه القيم والمبادئ الخُلقية إلى ممارسة الدور الأكبر في التسويق.
إننا نعيش عصر الشركات متعددة الجنسية، إن شركة واحدة من هذه الشركات تملك مئات المليارات من الدولارات وتحتكر إنتاج أدوية لأمراض مزمنة على مستوى العالم في ظل اتفاقية حماية حقوق الملكية الفكرية ذات الصلة بالتجارة (TRIPs)، مما يفرض على الدول المتخلفة اقتصادياً أوضاعاً لم تُعهد من قبل وتحتاج إلى استراتيجيات تسويقية تتناسب مع ذلك . ويجب أن تكون المنافسة بين شركات الدواء؛ ضمن تشريعات تحكمها.
يقول فضيلة الشيخ محمد الغزالي (1917م – 1996م) رحمه الله تعالى؛ في خاتمة كتابه (خُلق المسلم): “والتدرج إلى بحوث الخلق عند معالجة أي موضوع إسلامي ليس استطراداً فإن الأخلاق لحمة الإسلام وسداه، وليست إطاراً يصون حدوده ومنتهاه”.