تواجه المنظومة المصرفية العالمية تحديات كبيرة خاصة في فترة الأزمات المالية، حيث تعاني هذه المصارف من مشاكل بنيوية عميقة تهدد وجودها وتورثها الضعف والإفلاس في بعض الأحيان، فخلال أزمة الرهن العقاري 2008 تسببت الأزمة المفاجئة في إفلاس العديد من المصارف والمؤسسات المالية في الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا والشرق الأوسط، حيث أدت القروض عالية المخاطر التى تقدمها المصارف بهدف تحقيق الأرباح المضاعفة إلى أزمة خانقة في السيولة أربكت المنظومة المالية وتسببت في خسائر بلغت قيمتها 300 مليار دولار، كانت ضربة صادمة للمنظومة المصرفية التقليدية واعتبرت هذه الأزمة هي الأسوأ بعد أزمة الكساد سنة 1929.

مع بداية الأزمة المالية 2008 كانت المالية الإسلامية تحقق نجاحات كبيرة على صعيد السوق العالمية حيث قدر حجم سوق المالية الإسلامية في تلك الفترة بـ820 مليار دولار وارتفعت هذه الحصة وتوسعت مع زيادة الإقبال على المالية الإسلامية ليصل في الوقت الحالي 1.35 تريليون دولار، وتشير التقارير الجديدة إلى وجود 430 مؤسسة ومصرف إسلامي بينما يوجد 191 مصرف غير إسلامي لديهم نوافذ إسلامية وتنتشر هذه المنظومة في 75 دولة حول العالم.  يطرح الكثير من الخبراء والمهتمين بتطوير المالية الإسلامية أسئلة جوهرية عن مدى قدرة المصارف الإسلامية على مواجهة الأزمات المالية ومقارنة أدائها مع المصارف التقليدية خلال فترة الأزمات. فهل المصارف الإسلامية أكثر صلابة وقوة في مواجهة الأزمات من المصارف التقليدية ؟

دراسة من صندوق النقد الدولي

 دراسة لصندوق النقد الدولي أظهرت نتائجها أن المصارف الإسلامية أكثرة قوة وصلابة في مواجهة الأزمات المالية من المصارف التقليدية في عدة نواحي من أهمها القدرة على الايفاء بالمستحقات على المصرف في فترة الأزمة، شملت هذه الدراسة 120 مصرفا إسلاميا وتقليديا في ثماني دول هي: ماليزيا، الكويت، قطر، تركيا، باكستان، السعودية، الإمارات والبحرين، حيث توجد بهذه الدول أكبر المصارف الإسلامية على مستوى العالم و تشكل قيمة سوق المالية الإسلامية في هذه الدول 80% من مجموع السوق.

تشير نتائج الدراسة إلى أن المصارف الإسلامية تصمد في فترة ما قبل الأزمة وبدايتها، لكنها تعاني من ضعف في تسيير حجم المخاطر مع تطور الأزمة وتجذرها ويؤدي هذا الضعف في الغالب إلى نقص في ربحية هذه المصارف مقارنة مع المصارف التقليدية حسب نتائج الدراسة، على الرغم من مستوى الربحية التى تحققها المصارف الإسلامية في فترة ما قبل الأزمة إلا أن هذه الربحية غير ناتجة عن ارتفاع حجم المخاطر كما هو الحال في المصارف التقليدية، وهذا ما يفسر قدرة المصارف الإسلامية على الوفاء بالتزاماتها في فترة الأزمات.

ومما أشارت إليه نتائج الدراسة أيضا مساهمة المصارف الإسلامية في تحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي في فترة الأزمات حيث يتضاعف نمو الأصول والرصيد لهذه البنوك مرتين على الأقل مقارنة بالمصارف التقليدية، تلجأ المصارف الإسلامية كذلك إلى قرض الجزء الأكبر من استثماراتها إلى قطاع المستهلكين وهو أقل القطاعات تأثرا بالأزمة في الدول التى شملتها الدراسة.

قدمت الورقة البحثية مجموعة من المقترحات من أهمها ضرورة تطوير الكادر البشري المتخصص في عمل المصارف الإسلامية حيث لا تزال هناك فجوة كبيرة بين تطور المصارف الإسلامية و توفير الكادر البشري اللازم لنهوض وتطوير هذا القطاع. (Published in The Express Tribune, December 17th ,2012 ).

دراسة من جامعة تونس المنار

دراسة من جامعة تونس المنار حول كفاءة المصارف الإسلامية مقارنة بالمصارف التقليدية في فترة الأزمات المالية، ركزت الدراسة على  تحليل أداء هذه المصارف خلال فترة الأزمة المالية (2007 – 2008) وبعد الأزمة (2009 – 2010) وشملت الدراسة المتغيرات التالية: الربحية، السيولة، كفاءة رأس المال . استخدمت الدراسة أدوات إحصائية دقيقة منهاEquality Mean Test  و Z-score .  وأظهرت النتائج:

ـ الربحية (ROA):  أظهرت نتئج التحليل انخفاض مستوى الربحية في المصارف الإسلامية والتقليدية خلال فترة الدراسة بشكل عام، خلال الأزمة (2007 – 2008) ارتفعت نسبة الربحية في المصارف الإسلامية مقارنة بالمصارف التقليدية، النتائج أوضحت أن المصارف الإسلامية أكثر ربحية من المصارف التقليدية في الفترة ما بعد الأزمة (Post period).

ـ كفاءة رأس المال (CA):  أظهرت نتائج تقييم كفاءة رأس المال قدرة المصارف الإسلامية على الإيفاء بالديون المستحقة عليها خلال الأزمة المالية وهو مؤشر يزيد من ثقة المستثمرين والمتعاملين مع المصارف الإسلامية ويزيد من قوتها التنافسية.

ـ مؤشر السيولة (Liquidity Ratio): فيما يتعلق بمؤشر السيولة أظهرت النتائج ارتفاع هذه النسبة خلال فترة الأزمة للمصارف الإسلامية والتقليدية إلا أن هذه النسبة أكبر في المصارف الإسلامية نتيجة لتحويل جزء كبير من أصولها إلى قروض.

ـ مؤشر الكفاءة (Efficiency Ratio): بناء على نتائج الدراسة فإن المصارف الإسلامية أكثر كفاءة من المصارف التقليدية خلال فترة الأزمة المالية، وقد استخدمت الدراسة أدوات إحصائية دقيقة لقياس مؤشر الكفاءة.

من خلال الدراسات والبحوث التى تطرقت لقياس أداء المصارف الإسلامية خلال فترة الأزمات المالية اتضح أن هذه المصارف تمتلك قوة وصلابة ضد الهزات الاقتصادية والأزمات المالية المفاجئة، وقد أشارت نتائج هذه الدراسات إلى ذلك من خلال التحليل الإحصائي الدقيق. ما تحتاجه المصارف الإسلامية اليوم هو العمل على تحسين وتقوية نقاط الضعف التى تعاني منها في فترة الأزمات وذلك ما سيمكنها من كسب المزيد من الأسواق والثقة لتواصل ازدهارها وتطلعاتها نحو مستقبل مشرق.