اقرأ أيضا:
فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه، وقال: «استقِدْ». قال: فاعتنقه، فقبل بطنه، فقال: «ما حملك على هذا يا سواد؟!» قال: يا رسول الله، حضر ما ترى، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمسَّ جلدي جلدك! فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير).(ابن هشام، 1955، ج1،ص626)
وجاء يهوديٌّ يشتكي إليه أحد أصحابه قائلاً: يا محمد! إنَّ لي على هذا أربعة دراهم؛ وقد غلبني عليها. قال: «أعطه حقَّه»، قال: والذي نفسي بيده، ما أقدر عليها، قد أخبرته: أنك تبعثنا إلى خيبر، فأرجو أن تغنمنا شيئاً، فأرجع فأقضيه! قال: «أعطه حقه». وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال ثلاثاً لم يراجع….
وكان صلى الله عليه وسلم يقيم حدود الله على من وجب عليه ذلك في عدلٍ، وإنصافٍ، لا تأخذه في ذلك لومة لائم، ولا قرابة قريب، ولا مكانة شريف، فها هو صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق البار في قسمه يقول: لو أن ابنته سرقت؛ لأقام عليها الحدّ، لا يدفعه عنها كونها ابنة محمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج الإمام البخاري عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ: أنَّ قريشاً أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلِّم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يجترأى عليه إلا أسامة حبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أتشفع في حدٍّ من حدود الله؟» ثم قام: فخطب، فقال: «يا أيها الناس إنما ضلَّ من كان قبلكم: أنهم كانوا إذا سرق الشريف؛ تركوه، وإذا سرق الضعيف فيهم؛ أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت؛ لقطع محمدٌ يدها!».
فإن قيل: هذا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس غريباً منه هذا العدل، ومن يعدل؛ إن لم يعدل هو؟
قلنا: وهذا رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يهتدي بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقيم العدل، والقسط بين الناس، يحكم بالحق لرجل يهودي على مسلم، ولم يحمله كفر اليهودي على ظلمه، والحيف عليه. أخرج الإمام مالك ـ رحمه الله ـ من طريق سعيد بن المسيب: (أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه اختصم إليه مسلم، ويهودي، فرأى عمر: أن الحق لليهودي، فقضى له، فقال له اليهودي: والله لقد قضيت بالحق!…).
وكان رضي الله عنه يأمر عماله أن يوافوه بالمواسم، فإذا اجتمعوا؛ قال: أيها الناس إني لم أبعث عمالي عليكم ليصيبوا من أبشاركم، ولا من أموالكم، إنما بعثتهم؛ ليحجزوا بينكم، وليقسموا فيئكم بينكم، فمن فعل به غير ذلك فليقم، فما قام أحد إلا رجل واحد قام، فقال: يا أمير المؤمنين! إن عاملك فلاناً ضربني مئة سوط! قال: فيم ضربته؟ قم فاقتصَّ منه! فقام عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ فقال: يا أمير المؤمنين إنك إن فعلت هذا يكثر عليك، ويكون سنة يأخذ بها من بعدك، فقال: أنالا أَقِيْدُ؛ وقد رأيت رسول الله يُقِيْدُ من نفسه! قال: فدعنا فلْنُرْضِه، قال: دونكم فأرضوه، فافتدى منه بمئتي دينار كل سوط بدينارين. وإن لم يرضوه؛ لأقاده، رضي الله عنه.(ابن سعد، 1990، ج3، ص294)
مراجع البحث:
علي محمد الصلابي، الوسطية في القرآن الكريم، مكتبة الصحابة،1422ه-2001م صص90-93
ابن هشام أبو محمد عبد الملك، السيرة النبوية، ، تحقيق مصطفى السقا وزملائه، الطبعة الثانية، 1375 هـ.-1955م
شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، سير أعلام النبلاء، ، تحقيق شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية، 1402 هـ/ 1982م..
ابن سعد، الطبقات الكبرى ، دار الكتب العلمية، بيروت.1410ه-1990م
محمد باكريم محمد عبد الله، وسطيَّـة أهل السنة بين الفرق، دار الراية، الرياض، السعودية، الطبعة الأولى، 1415 هـ/ 1994م.
المواد المنشورة في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي إسلام أون لاين