كثيرا ما دارت التساؤلات حول معنى التفاهم.. وكثيرا ما يعزى الفشل فى العلاقات الأسرية إلى عدم القدرة على التفاهم.. فالزوجان ليس بينهما تفاهم، والآباء والأبناء لا يفهم بعضهم بعضا.
ويبدو التساؤل هل مجرد اكتساب القدرة على التفاهم يعمل على رأب الصدع و يحافظ على تماسك الأسرة ؟
معنى التفاهم
وبداية لابد أن نفهم معنى التفاهم، وهى قدرة كل طرف على أن يفهم الطرف الآخر، ان يفهم أفكاره ومعتقداته، أن يفهم مبادئه وأولوياته، أن يفهم مشاعره و أحاسيسه، أن يفهم طبيعة شخصيته، أن يفهم دوافعه و ميوله.
ويختلف البشر فى قدرتهم على فهم الآخرين، فمن الناس من لديه القدرة على فهم أغوار النفس، ومن لديه فراسة كبيرة فى التعرف على الطبائع الإنسانية و فهم دوافعها و مشاعرها، وبالتالى سلوكها ومواقفها، ومنهم من لا يملك هذه القدرة و هى تعزى إلى نوع من الذكاء.. هو الذكاء الوجداني و الذي يمكن تنميته و تطويره بشكل مستمر.
وأهم ما يساعد على تنمية هذه القدرة هو التدريب المستمر على فهم النفس و تنمية الوعى الذاتى، والتعبير الواضح و الصريح عن النفس كى يفهمها الآخرون، فالاشخاص الذين يتسمون بقلة التعبير عن ذواتهم يشعر المحيطين بهم بغموضهم و صعوبة فهمهم.
فهل مجرد وجود التفاهم يحد من وجود المشكلات ؟
عندما يحدث التفاهم ثم يحاول كل فرد أن يغير فى مفاهيم أو طباع الطرف الآخر حتى تتلاءهم مع طباعه و مفاهيمه.. هنا أيضا تحدث المشكلة.
فالتفاهم لابد أن يتبعه التقبل، وهو قبول الآخر كما هو بمحاسنه وسيئاته وعدم الاستماته فى محاولة تغييره، فالتغيير لن يحدث إلا برغبة أكيدة من ذات الإنسان، وما نفعله من النقد واللوم والنصح والمقارنة بالآخرين هى أسلحة نفسية فتاكة تهدم أكثر مما تبنى و تعطى الطرف الآخر رسالة مفادها أنك لست على ما يرام كما أنت، أو أنك لست أهلا للحب طالما أنت كذلك.
و يتساءل الكثيرون: هل معنى ذلك أن يعيش كل فرد فى جزيرة معزولة عن الآخر، وهل معناه أنه طالما نحن مختلفون ونحترم ونتقبل هذا الاختلاف فليعش كل منا حياته التى يريدها؟
لنجاح العلاقات الإنسانية نحتاج بعد التقبل إلى التعاون والتوافق، أن نتعاون فيما نحن متفقان عليه ونتوافق فيما نحن مختلفان فيه، فلنبحث عن نقاط الاتفاق ونحاول إظهارها وتنميتها وإبرازها على السطح، والتعاون بشأن تفعيلها وتنميتها، ففيها يبرز جمال العلاقة.
كيف نصل لاتفاق؟
أما التعامل مع نقاط الاختلاف فتحتاج إلى الحكمة و الى الصبر والهدوء، بالرغم من اختلافاتنا واختلاف نظرتنا إلى الأمور فنحن بحاجة إلى التعرف على الآليات التى من الممكن استخدامها للوصول إلى الاتفاق حول الأمور المختلف فيها، وأن نكون من المرونة بحيث نختار الآلية المناسبة فى الموقف المناسب.
والآلية تكون إما بالاقناع الحقيقي -وهو مناقض للاقناع القهري – و يكون بفرض الرأي على الآخر وسكوت الطرف الأضعف تجنبا للصدام، وهذا إن كان يحل المشكلة بشكل وقتي ولكن مع تكراره يجرح الطرف الأضعف ويشعره بالقهر والظلم والتى تؤدى تدريجيا إلى البلادة واللامبالاة.
والوصول إلى اتفاق قد يكون بتقديم تنازل عن طواعية وحب، على أن يكون هناك تبادلا للتنازلات لا أن تكون دوما من طرف لحساب الآخر، لأنه مع الوقت يشعر الطرف المتنازل دائما بعدم القدرة على الاستمرا ر.
كما يمكن التفاوض بتقريب وجهات النظر وتقديم بعض التنازلات من كلا الطرفين للوصول إلى نقطة اتفاق ، وقد يكون بالبحث عن حلول إبداعية غير تقليدية بعيدة عن آراء الأطراف المختلفة.
و كلها طرق للتعامل مع نقاط الاختلاف، والاختيار بينها يعتمد على موضوع الاختلاف و مدى حساسيته و مدى تقارب أو تباعد وجهات النظر، فالتفاهم والتقبل و التعاون ثم التوافق.. كلها مهارات لازمة لنجاح العلاقات الإنسانية على اختلاف أنواعها وأشكالها.
د. دعاء راجح