الرؤية النسوية هي رؤية تحمل في طيَّاتها الكثير من التناقضات . رؤية “النوع” التي تلغي الفوارق بين الذكورة والأنوثة وتردها فقط للموروث الثقافي، ثم تنطلق لتجعل المرجعية هي التمركز حول الأنثى، وتزعم أن الأنثى تَمْلِك “قيم الرعاية” في حين يُزَكِّي الرجل قيم الصراع، وتَعِدُ بأن يصبح العالم أكثر سلامًا إذا تولت النساء مقاليد القيادة.
ضد الأسرة
الذي يهمنا في هذا المقام هو معاداة هذه النسوية “النوعية” للأسرة؛ لأنها تريد بأي ثمن -ونكرر: بأي ثمن- سيطرة وهيمنة النساء في المجال العام، وبالتالي تراكمت على يديها الكتابات والدراسات التي تحتقر الأمومة وتهاجم الأسرة ولا ترى الرجل إلا باطشًا ومستبدًّا.. فالخارج وليس الداخل هو ما يهمها، وكل ما هو أسري فهو أبوي سلطوي ظالم يقهر المرأة.
والميزة التي يتمتع بها تاريخيًّا مجتمعنا العربي والإسلامي هي أن هذه البضاعة أخذت دُفَعَها التاريخية عبر ثلاثة عقود مضت وجنى منها الغرب العلقم المُرّ، وبدأت أصوات رشيدة تنادي باحترام قيمة الأمومة والأبوة، والتوازن بين الخاص والعام، ودعم الأسرة دون صراعية أو قتال.. وتمكين المرأة بالعدل في أي مجال دون هدم أو تدمير للبناء الاجتماعي.
لكن النسوية العربية -التي تلْقَى الآن دعمًا مطلقًا من الأنظمة- لا تتعلم، وتكرر مقولات النسوية الغربية البالية من الستينيات والسبعينيات والتي تم تجاوزها إلى أفكار أكثر تبلورًا ورصانة على أيدي الكثيرين.. ولعل أبرز مثالين هما: “بيتي فريدان” و”جيرمين جرير”.. الأولى رائدة تحرير المرأة في أمريكا في الستينيات، والثانية نظيرتها في إنجلترا، وبعد ثلاثة عقود من السعي والكتابة أصدرت كل منهما كتابًا في عام 1999م يعيد هيكلة الأفكار.
فترى “بيتي فريدان”: أن ضرب الأسرة كان الخطيئة الكبرى، وأن النظام الاقتصادي يجب أن يتيح خيارات مثل العمل نصف الوقت؛ كي تتمكن المرأة من رعاية بيتها والمشاركة في المجال الاقتصادي والعام في آنٍ واحد.
وأما “جيرمين جرير” التي لم تَفْقِد جرأتها رغم تقدم العمر فلم تملك إلا الاعتراف بأن وسائل منع الحمل لم تكن سبيل حق المرأة وحريتها الجنسية الكاملة خارج الأسرة، لكنها مثلت أيضًا في الوقت ذاته أداة للرجل للاستمتاع بالنساء دون تحمل أي مسئولية تجاهها.
تلك البضاعة التي تجاوزت فترة صلاحيتها، وألقى بها العقلاء في مزبلة التاريخ؛ ليبحثوا عن حلول تنقذ المجتمعات المنهارة الآن قبل فوات الأوان، يتم تصديرها إلينا بالضبط كما يتم دفن النفايات النووية في العالم الثالث، فإذا قلنا إن هذا لا يصلح حال المرأة ولا الأمة قالوا: لم يقرءوا.. ومتطرفون.. وغوغائيون.. بل قرأنا.. قرأنا ديننا وقرأنا تاريخ الغرب جيدًا، ونتابع بأكثر مما يتابعون.. ونرى بأعيننا ونسير وننظر ونتعلم بعيدًا عن هوس الجندرة النسوية المتطرفة.
نعم: المجتمع بحاجة لإصلاح.. والذي يزعم أن أوضاع المرأة مثالية يدفن رأسه في الرمال، لكن البديل النسوي هو بديل المستجير من الرمضاء بالنار.
بضاعة النسوية بضاعة فاسدة.. لا نريدها لنا ولا لأولادنا وبناتنا!