اقرأ أيضا:
لا شك أن ثقافة السلام هي ثقافة الحوار والتسامح والوقاية، أما مفهوم ثقافة السلام كمصطلح حسب منظمة “عالم ما بعد الحرب” (حركة عالمية غير عنيفة لإنهاء الحرب وإقامة سلام عادل ومستدام). فهي تعني “مجموعة الأنماط السلوكية الحياتية، والمواقف المختلفة التي تدفع الإنسان إلى احترام إخوانه من بني البشر، ورفض الإساءة إليهم والاعتداء عليهم، وممارسة العنف ضدهم، وقبول الاختلاف بين الناس”.
والحقيقة أن دور الأمم المتحدة لم يبلغ قط في هذا السياق ما بلغه من الأهمية في الوقت الراهن. وتؤكد خطة التنمية المستدامة لعام 2030 أن “لا سبيل إلى تحقيق التنمية المستدامة دون سلام، ولا إلى إرساء السلام دون تنمية مستدامة”. وانطلاقا من هذه الروح ذاتها، اتخذ مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة قراراتهما في عام 2016 بشأن “الحفاظ على السلام”.
وفي هذا المسار الصعب ينبغي اعتماد نهج جديد شامل لمعالجة الأسباب الجذرية للمشكلات، ولتوطيد سيادة القانون، وتعزيز التنمية المستدامة، بالارتكاز على الحوار والاحترام. وتسترشد منظمة “اليونسكو” بهذا النهج في جميع جوانب عملها الرامي إلى بناء السلام من خلال دعم التربية والتعليم، والنهوض بحرية التعبير، وترسيخ الحوار بين الثقافات، واحترام حقوق الإنسان والتنوع الثقافي، وتعزيز التعاون العلمي.
اختارت الأمم المتحدة لليوم الدولي للسلام لهذا العام 2023 شعارا “هو موضوع هذا العام هو “العمل من أجل السلام: طموحنا لتحقيق الأهداف العالمية”، حيث يمثل دعوة للعمل تقر بالمسؤولية الفردية والجماعية عن تعزيز السلام. ويسهم تعزيز السلام في تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي سيؤدي تحقيقها إلى تكوين ثقافة سلام للجميع.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش: “انحن بحاجة إلى السلام اليوم أكثر من أي وقت مضى. تطلق الحرب والصراع العنان للدمار والفقر والجوع، وتشرد عشرات الملايين من الناس عن ديارهم. فوضى المناخ في كل مكان. وحتى الدول المسالمة تعاني من فجوات في عدم المساواة والاستقطاب السياسي “.
ويمثل عام 2023 نقطة الوسط في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة. ويتزامن الاحتفال باليوم الدولي للسلام في عام 2023 مع مؤتمر القمة المعني بأهداف التنمية المستدامة (18-19 أيلول/سبتمبر) للاحتفال بمنتصف فترة الإنجاز.
في عام 2023 أيضا يتم إحياء الذكرى السنوية الخامسة والسبعون لكل من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكذلك اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. يشجع اليوم الدولي للسلام 2023 كافة الشباب على المشاركة بوصفهم عناصر اجتماعية إيجابية وبناءة، وعلى الانضمام إلى الحراك الساعي إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وإلى المساهمة في بناء سلام مستدام. يمكننا معًا المساعدة في قيادة عالمنا نحو مستقبل أكثر إخضرارا وإنصافًا وعدلاً وأمانًا للجميع.
قد يكون من المجحف في حق الإنسانية جمعاء، أن نتحدث عن السلام ولا نتحدث عن الإسلام. وإن كان الحديث عن السلام في الإسلام أكبر من يختصر في مقالة أو دراسة حتى، فالإسلام هو دين السلام.
وقد ربطت الشريعة الإسلامية حياة المسلمين بكل معان وحقائق وأوصاف السلم، ونادى على كل من ينتسب إلى الإسلام بالدخول في السلم في قوله تعالى: “يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً” (البقرة: 208)، وحقيقة السلم تقع على ثلاثه معان من حيث الاشتقاق: فهو أولا من السلامة وهي النجاة من أي مضرة، وكذا على المسالمة وهي ترك المقاومة، يقال أمسالم أنت أم محارب، كما يطلق على الصلح والمساومة، وهذه المعاني الثلاثة تنطبق على دين الإسلام.
وتبعا لاختيار حمل السلم في الآية على الإسلام، يُؤول الدخول في “السلم” المأمور به، أن يكون اتصاف المسلمين فيما بينهم بالمسالمة دائما، ورفع المشادة والعنف والحرب بين أفرادهم كما كان في الجاهلية.
لقد ذاق العرب قبل البعثة من ويلات الحروب ما لم تذقه أية أمة. فقد نشبت حروب استمرت عشرات السنين لأتفه الأسباب وأحيانا بدون أسباب، وقد شاهد النبي صلى الله عليه وسلم بعضا منها في نشأته، حتى جاء الإسلام لينتزع كل هذه الجاهلية ويقر مبدأ السلام والأخلاق وحسن المعاملة، بعيدا عن الحروب والصدامات.
لكن البعض لا يزالون يعتبرون الإسلام دين القتل و الفتح بالسيف والحرب، والحقيقة إن السلام هو الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم وفيما بينهم، وأن الجهاد (الحرب) شرع لأجل الحفاظ على السلام من اعتداء الظالمين على الضعفاء. فلم تكن الحرب أبدا هدفا للمسلمين بقدر ما كانت وسيلة لدفع الضرر ومواجهة الظام ونشر الحق والعدل وتحقيق غاية أسمى هي السلم.
أما ما يقال عن الغزوات والحروب التي خاضها النبي صلى الله عليه وسلم فقد كانت لنفس الغاية، والدليل أنه عليه الصلاة والسلام مكث ما يقرب من نصف دعوته صابرا محتسبا لم يحارب أحد، بل كان يحث أصحابه على التحمل والصبر، رغم كل ذلك الظلم والتشريد والتعذيب والقتل الذي كانوا يتعرضون له.
ورد لفظ “السلم” ومشتقاته في القرآن الكريم 144 مرة، فيما وردت كلمة “الحرب” وما اشتق منها 6 مرات فقط. وكانت نظرة الرسول صلى الله عليه وسلم للسلام نظرة عميقة وداعمة ودافعة للرحمة والأمن والسلم، عكس نظرته للحرب التي كانت رافضة تماما لكل أشكال العنف والظلم والعداوة والتصادم، حتى أنه عليه الصلاة والسلام كان يكره اسم “حرب” الذي كانت العرب تتداوله في الجاهلية، فكان صلى الله عليه وسلم يختار الأسماء اللطيفة الجميلة ويغير اسم مَن اسمه حرب إلى اسم آخر، فعَنْ هَانِئِ بْنِ هَانِئٍ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَالَ: “لَمَّا وُلِدَ الْحَسَنُ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: حَرْبًا، قَالَ: “بَلْ هُو حَسَنٌ”، فَلَمَّا وُلِدَ الْحُسَيْنُ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: “أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: حَرْبًا، قَالَ: “بَلْ هُوَ حُسَيْنٌ”، فَلَمَّا وُلِدَ الثَّالِثُ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا، فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: “أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟” قُلْتُ: حَرْبًا، قَالَ: “بَلْ هُوَ مُحَسِّنٌ”، ثُمَّ قَالَ: “سَمَّيْتُهُمْ بِأَسْمَاءِ وَلَدِ هَارُونَ: شَبَّرُ وَشَبِيرُ وَمُشَبِّرٌ. (رواه أحمد).
الإسلام هو دين السلم والسلام، وقد استعملت كلمة السلم والسلام في الإسلام كتابا وسنة في موارد كثيرة منها:
المواد المنشورة في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي إسلام أون لاين