يوافق 27 أكتوبر من كل عام اليوم العالمي للتراث السمعي البصري، والذى يتم الاحتفال به لرفع الوعي العام بضرورة الحفاظ على الموروث الشعبي والثقافي من المواد السمعية البصرية المهمة والحفاظ عليها للأجيال القادمة. حيث يتعرض التراث السمعي البصري للتسجيلات الصوتية والصور المتحركة في العالم لخطر كبير نتيجة لعوامل شتى تتمثل في الإهمال والتحلل الطبيعي والتقادم التكنولوجي، فضلا عن التدمير المتعمد.

تبعاً لذلك، فإن إحدى مهام منظمة الأمم المتحدة للتربية و الثقافة والعلوم (يونسكو) الرئيسية تتمثل في رفع مستوى التوعية لدى الجمهور بأهمية صون هذه التسجيلات، وذلك في إطار الاحتفالات باليوم العالمي للتراث السمعي البصري.

وإذ اختارت اليونسكو يوم 27 أكتوبر للاحتفال بالتراث السمعي البصري، فإن المنظمة، بالتعاون مع مجلس التنسيق بين رابطات المحفوظات السمعية البصرية ومع مؤسسات أخرى، ساهمت في إبراز أهمية القضايا المطروحة في هذا الشأن وركزت الاهتمام العالمي على هشاشة هذا التراث.

ليست “مقابر ضخمة”

يقول خايمي توريس بوديت، وهو شاعر مكسيكي ومدير عام سابق لليونسكو، إن المحفوظات ليست “مقابر ضخمة” وإنما هي أماكن أساسية “لاستمرار الوعي البشري”. ولذلك فهما يمثلان تراثا شديد التميز واستثنائيا، يجمع بين الهشاشة والقيود التقنية الشديدة، ويستلزم اهتماما خاصا، ومن واجبنا أن ننقله إلى الأجيال المقبلة.

من هنا تبرز أهمية التراث السمعي والبصري في العالم، وتبرز أهمية تخصيص يوم هو “اليوم العالمى للتراث السمعى والبصرى” من أجل الاحتفال والتحسيس بضرورة الحفاظ على ذاكرة الإنسانية.

يمثل اليوم العالمى للتراث السمعي البصري أيضا مناسبة لإذكاء الوعى العام بالحاجة إلى اتخاذ تدابير عاجلة وإدارك أهمية الوثائق السمعية والبصرية، بالإضافة إلى أنه بمثابة فرصة للمجتمع الدولي لتقييم أداء الدول فيما يتعلق بتنفيذ توصية 2015 المتعلقة بصون التراث الوثائقى، بما فى ذلك التراث الرقمى وإتاحة الانتفاع به.

كما أنه يعزز التدفق الحر للأفكار بالكلمة والصورة باعتبارهما أداتى تمثيل التراث الإنساني المشترك والذاكرة الجمعية، وبذلك يسلط هذا اليوم الضوء على دور التراث فى بناء دفاعات السلام فى أذهان أفراد المجتمع، ولا يتوقف الأمر على ذلك بل يتجاوز أهمية الحفاظ على هذا التراث المهم.

من أجل رقمنة التاريخ

وقد أطلقت المؤسسات الدولية الكثير من المبادرات حفاظا على هذا التراث المهم، من بينها مبادرات برنامج “ذاكرة العالم”، ومشروع “أرشيف اليونسكو” و”رقمنة تاريخنا المشترك”، وغيرذلك من المشاريع.

وتقول الأمم المتحدة على موقعها: “تروي المحفوظات السمعية والبصرية قصصا عن معايشة الناس وثقافاتهم، فهم يمثلون تراثا لا يقدر بثمن يؤكد ذاكرتنا الجمعية، فضلا عن أنه مصدر قيِّمًا للمعرفة لما لها من دور فى إبراز التنوع الثقافى والاجتماعى واللغوى لمجتمعاتنا، والمحفوظات تساعدنا فى النمو الإدراكي وتعميق الفهم بالعالم الذى نتشاركه جميعًا، ولذا، فإن صون هذا التراث وضمان إتاحته للجمهور والأجيال القادمة يُعد هدفًا حيويًا لجميع مؤسسات المعنية بالذاكرة المجتمعية”.

كما يسلط هذا اليوم الضوء على دور التراث فى بناء دفاعات السلام فى أذهان أفراد المجتمع.

تهديد التراث الإنساني

مثلما يتم تهديد الآثار والمواقع الثقافية بفعل العديد من الأسباب التي تتعرض لها دول العالم، أسباب طبيعية وأسباب من فعل البشر، فإن التراث السمعي البصري هو الآخر عرضة للتلف والضياع والسرقة، سواء بفعل الإهمال أو بفعل مؤثرات أخرى.

لذلك فقد اعتمدت دورات اليونسكو ومؤتمرات الأمم الماحدة، العديد من التوصيات للحفاظ على هذا الإرث الإنساني. وفي حين أن هذه التوصيات ساعدت على زيادة الوعي بأهمية تراثنا السمعي البصري وكانت مفيدة في ضمان الحفاظ على هذه الشهادة الفريدة في كثير من الأحيان للتنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للأجيال المقبلة، يتطلب الأمر مزيدا من الجهود لأن التسجيلات السمعية البصرية مهددة بشكل خاص، وتتطلب اهتماما خاصا لأمنها على المدى الطويل.

التسجيلات الصوتية والصور المتحركة (الفيديو)هي عرضة للعديد من الأخطار، ويمكن أن يتم تدميرها عمدا. إن تراثنا السمعي البصري، الذي يعتبر رمزا أساسيا في القرن العشرين، يمكن أن يفقد بشكل لا رجعة فيه نتيجة للإهمال والتدهور الطبيعي والتقادم التكنولوجي. وبالتالي يجب إشراك الوعي العام بأهمية الحفاظ على هذه التسجيلات، وفي هذا الشأن، يهدف اليوم العالمي للتراث السمعي البصري ليكون منصة لبناء الوعي العالمي.

لماذا نحتفل باليوم العالمي للتراث السمعي البصري؟

وفق محضر الدورة 175، في باريس بتاريخ 1 سبتمبر 2006، فقد أعدت أمانة اليونسكو نتائج محتملة للاحتفال بيوم عالمي للتراث السمعي البصري، ليكون الاحتفال به يوم 27 أكتوبر من كل عام، اعتماداً على ما أقره المؤتمر العام في دورته 33، احتفالاً باعتماد المؤتمر العام في دورته الـ21 عام 1980 التوصية بالخاصة بحماية الصور المتحركة.
ويحتفل العالم باليوم العالمي للتراث السمعي البصري، من أجل الحفاظ على حكايات الأشخاص وحياتهم وثقافاتهم في جميع أنحاء العالم، الذي يعد يوماً هاماً بشأن المساعدة على النضوج وفهم العالم الذي نعيش فيه.
وتقول الأمم المتحدة أن هناك فريق من أمناء المحفوظات في مقر الأمم المتحدة في نيويورك على مدار الساعة لصون ما يقرب من 40 ألف سجل، كما لدى مكتبة الأمم المتحدة ما يزيد عن 6330 ساعة من المحتوى التاريخي في أفلام 35 ملم و 16 ملم و 8 ملم، بالإضافة إلى 49400 ساعة من الفيديوهات المسجلة في مواقع المحفوظات البعيدة عن المقر.

ماهي أهداف اليوم العالمي للتراث السمعي البصري؟

يتم الاحتفال باليوم العالمي للتراث السمعي البصري وفق 6 أهداف رئيسية، اعتمدتها المنظمة من أجل الحفاظ على التراث الثمين للذاكرة البشرية، حيث يعد هذا التراث مصدراً قيماً لتجسيد التنوع الثقافي والاجتماعي واللغوي في مجتمعاتنا، وتأتي الأهداف الـ 6 على النحو التالي:
1- زيادة وعي الجمهور بضرورة صون التراث ونقله إلى الأجيال القادمة.
2- إتاحة الفرصة للاحتفال بجوانب محددة محلية ووطنية ودولية يتسم بها التراث السمعي البصري.
3- التأكيد على تأمين فرص الانتفاع بالمحفوظات.
4- لفت انتباه وسائل الإعلام إلى قضايا التراث.
5- إعلاء المكانة الثقافية للتراث السمعي البصري.
6- تسليط الضوء على التراث السمعي البصري المهدد بالخطر لاسيما في البلدان النامية.

 من أجل الأجيال القادمة

إن أول هدف وراء الاحتفال باليوم العالمي للتراث السمعي البصري هو إنقاذ تراثنا من أجل الجيل القادم. فتراث العالم السمعي البصري من تسجيلات صوتية وصور متحركة شديد التأثر نتيجة عوامل تتراوح بين الإهمال والإضمحلال الطبيعي والتقادم التكنولوجي، فضلا عن التدمير المقصود.

وبناء على ذلك، يضطلع المجتمع الدولي مؤسسات ودول شعوب وحكومات بمهمة العمل لزيادة وعي الجمهور بأهمية الحفاظ على هذا التراث الإنساني الذي يعتبر ملكا لكل الأجيال. ويمثل هذا اليوم فرصة سانحة للتفكير والعمل، لتوريث الأجيال القادمة الوسائل التي تتيح لهم فهم أصولها، وحتى يتسنى للأجيال الحالية والمستقبلية التمتع بالكنز الذي يشكّله تراثنا السمعي البصري المشترك.

بفضل هذا الاهتمام، تمككنا هذه المواد السمعية والبصرية، بوصفها مواد تراثية وثائقية نافذة إلى العالم، من مشاهدة فعاليات لا يمكننا حضورها، ونسمع أصواتًا من الماضي لم تعد قادرة على الكلام، ونستخلص قصصًا للنشر والترفيه. وللمحتوى السمعي والبصري دور حيوي متزايد في حياتنا اليومية حيث يساعدنا في فهم العالم والتفاعل مع الآخرين.