اقرأ أيضا:
ويبدو أن الدولة الإسلامية قد أبقت على بعض النظم الإدارية التي وجدها المسلمون في الشام ومصر من تقسيمات إدارية لأقاليم كل قطر ، وكذلك أبقت على نظام الدواوين ، كما أبقت في المراحل الأولى من الفتوح على هيئة العمال التي خدمت في العهد الروماني ، وذلك لكي يقوموا بمصالح المسلمين ، كما قاموا بمصالح الرومانيين من قبل .وإلى جانب ذلك كانت هناك عوامل أخري كانت سببا في إبقاء المسلمين على النظم والتقسيمات الإدارية الرومانية ، منها أن متولي أمور الدولة الإسلامية هم بنو أمية الذين اتصلوا كما مر بنا بروم العرب والرومانيين بعلاقات مختلفة ما بين تجارة وصداقة وحلف ، وقد حرصوا هم منذ أيام الخليفة أبي بكر الصديق على توجيه نظر الدولة الإسلامية نحو الشام ، وكانوا به أعرف. وعندما نتتبع أعمال معاوية منذ أصبح والياً على الشام ندهش من اهتمامه بأمر السواحل والثغور البحرية كأنما تسيره في نشاطه هذا فكرة معينة ، فبينما نجد ثغور الشام البرية ، أي المفضية إلى آسيا الصغرى من فتوح رجال كأبي عبيدة بن الجراح ، وميسرة بن مسروق العبسي ، وعياض بن غنم ، وغيرهم من الفاتحيننجد سواحل الشام كلها عدا أنطاكية من فتوح معاوية بل يبلغ اهتمامه بأمر البحر مبلغ المخاطرة بغزو جزره .
وإصرار معاوية على فتح جزيرة قبرص وإلحاحه على الخليفة عمر ثم الخليفة عثمان حتى وفق إليه لا يخلو من الدلالة على اهتمامه بالبحر وشئونه ، ونضيف إلى ذلك أن المسلمين ” لم يركبوا بحر الروم قبلها” وأن معاوية بن أبي سفيان أرسل معاوية بن حديج الكندي فقام بأول محاولة لفتح صقلية ، وأرسل جنادة بن أبي أميه الأزدي إلى رودس ففتحها سنة 52هـ / 672م ، وفتح جنادة أرواد سنة 54هـ/ 673م ، وفتح جنادة إقريطش .
والحق أقول: أن بني أمية ارتبطوا بعلاقات صداقة مع “روم العرب ” البيزنطيين في الشام ، وبفضل خبرتهم بهذا البلد وملكاتهم الحربية والسياسية ثم فتح هذا القطر في سرعة لم يكن يتوقعها أحد ، وعندما انفرد معاوية بن أبي سفيان بحكم الشام كله وصل الاتجاه الشامي للبيت الأموي ذروته وفي أعماله تتجلى كل الخصائص السياسية العملية التجارية التي امتاز بها رجال هذا البيت ، فعمل من أول الأمر علي أن يصبح الشام قطراً أموياً ، ثم اجتهد في أن يجعل الدولة الإسلامية كلها دولة أموية ، ولم يكن ذلك ميسورًا إلا بنقلها إلى الشام وجعلها دولة شامية بحرية.
المصادر:
ابن الأثير: الكامل في التاريخ، 12 جزءًا، دار صادر، بيروت، 1402هـ/1982م.
البلاذري : فتوح البلدان، مراجعة وتعليق رضوان محمد رضوان،دار الكتب العلمية، بيروت 1403 هـ/1983م.
الطبري : تاريخ الرسل والملوك، 10 أجزاء، تحقيق محمد ابو الفضل إبراهيم، سلسلة ذخائر العرب، العدد (30)، الطبعة الرابعة، دار المعارف، القاهرة، 1979م.
ابن عبد الحكم : فتوح مصر وأخبارها، جزآن في مجلد واحد، نشر هندري ماسيه، مطبعة مجلس المعارف الفرنساوي الخاص بالعادات الشرقية 1914م.
ابن عساكر : تاريخ مدينة دمشق، المجلد الأول، تحقيق صلاح الدين المنجد، 1951.
ابن كثير : البداية والنهاية 14 جزءا، الطبعة السادسة، مكتبة المعارف، بيروت، 1405هـ/1985م.
المقريزي :النزاع والتخاصم بين بني أمية وبني هاشم، ليدن، 1880م.
المواد المنشورة في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي إسلام أون لاين