تضمن التراث العلمي العربي والإسلامي العديد من المخطوطات عن اتجاه القبلة كالدراسة التي أجراها ابن فضل الله العمري (المتوفى 749 هـ) والذي تضمنها كتابه المسمى “مسالك الأمصار” ففي الخريطة التي في صفحة 243 قام ابن فضل الله العمري بتقسيم الدائرة التي تحيط بالكعبة الشريفة إلى اثني عشر جزءًا، كل جزء يقابل ثلاثين درجة قوسية، وحدد على هذه الدائرة الاتجاهات الأصلية الأربعة، والبلاد التي تقع وراء كل جزء، بحيث يصبح هذا الجزء هو قبلة البلاد التي تقع وراءه.

لاتجاه القبلة في التراث ففي الخريطة التي في صفحة 243 قام ابن فضل الله العمري بتقسيم الدائرة التي تحيط بالكعبة الشريفة إلى اثني عشر جزءًا، كل جزء يقابل ثلاثين درجة قوسية، وحدد على هذه الدائرة الاتجاهات الأصلية الأربعة، والبلاد التي تقع وراء كل جزء، بحيث يصبح هذا الجزء هو قبلة البلاد التي تقع وراءه.

وأما قبلة أهل كل أرض من جهات الكعبة الشريفة فقد حددها عن طريق علم مواقع النجوم. ففي الصفحات من 244 حتى 249 وصف لاتجاه القبلة عند كل أرض في أراضي المسلمين باستعمال مواقع النجوم والأبراج الفلكية، ومعظم النجوم والتجمعات النجمية والأبراج الفلكية التي وردت أسماؤها بالدراسة ما زالت بنفس التسمية حتى الآن، بل إن كثيرا منها نقل إلى اللغات الأوروبية بنفس التسمية العربية وحتى الآن.

كذلك قام العالم العربي الإسلامي الصفاقسي (نسبة إلى صفاقس ) والمتوفى في 958 هـ (1551م) بعمل خريطة أسماها “صورة البلاد الإسلامية بالنسبة إلى مكة المكرمة” وقد وجدت هذه الخريطة ضمن المجموعة الخامسة بين صفحتي 154 و 155 بكتاب “الخارطات العربية” التي جمعها ونشرها العالم الجغرافي الألماني ميللر.

دائرة دلائل القبلة لابن فضل العمري

وقام الصفاقسي بتقسيم الدائرة التي تحيط بالكعبة المشرفة إلى أربعين جزءا، وكل جزء يقابل تسع درجات قوسية، وحدد على هذه الدائرة الاتجاهات الأربعة الأصلية بحيث إن ركن الكعبة ناحية الحجر الأسود يأخذ اتجاه الشرق تماماً، والركن اليماني يأخذ اتجاه الجنوب تماماً، والركن الشامي يأخذ اتجاه الشمال تماماً، والركن الغربي يأخذ اتجاه الغرب تماماً، ثم قام بتحديد البلاد التي تقع وراء كل جزء، بحيث يصبح هذا الجزء هو قبلة البلاد التي تقع وراءه.

ولقد رغبنا في التحقق مما جاء في دائرة دلائل القبلة لابن فضل الله العمري وصورة البلاد الإسلامية بالنسبة لمكة المكرمة للصفاقسي باستخدام علم الفلك الحديث وحساب قبلة الكعبة المشرفة عند جميع عواصم العالم الحديث، وكذلك حساب اتجاه كل عاصمة بالنسبة إلى مكة المكرمة وذلك بحل المثلثات الكروية بواسطة الحاسب الآلي بعد معرفة فروق خطوط الطول والعرض بين مكة المكرمة وكل عاصمة.

وللمقارنة فإن الجدول المرفق يتضمن اتجاه أربع عشرة عاصمة وبلدا من الأقطار الإسلامية بالنسبة إلى مكة المكرمة آخذين في الاعتبار أن اتجاه الشمال الجغرافي يمثل القيمة “صفر” والشرق 590 والجنوب 5180 والغرب 5270 حيث إن الزاوية التي تبين انحراف أي مكان عن الشمال الجغرافي تُسمى الزاوية الأفقية وتقاس من صفر إلى 5360 بداية من الشمال الجغرافي وفي اتجاه الشرق كما هو معمول به في جهاز التيوليت المساحي.

ولقد قمنا بتحويل  الأجزاء الاثنا عشر في دائرة دلائل القبلة لابن فضل الله العمري والأجزاء الأربعين في صورة البلاد الإسلامية بالنسبة إلى مكة المكرمة للصفاقسي إلى درجات قوسية حتى تسهل المقارنة كما هو موضح بالجدول.

ومن الجدول يتضح أن طريقة ابن فضل الله العمري تتفق مع طريقتنا الحديثة في ست بلاد وهي بغداد وأصفهان وأكرا والرباط والقاهرة ودمشق، بينما تقل حساباته عن الطريقة الحديثة بمقدار 2% في المتوسط لأربعة بلاد هي طرابلس والجزائر وتونس وبيت المقدس، وتزيد حساباته عن الطريقة الحديثة بمقدار 30% في المتوسط لأربعة بلاد هي كابول وإسلام آباد وظفار وصنعاء.

ويتضح من الجدول أيضاً أن طريقة الصفاقسي تتفق مع طريقتنا الحديثة في ثلاثة بلاد هي بغداد وصنعاء وبيت المقدس، وحساباته تقل عن حساباتنا بمقدار 10% في المتوسط لسبعة بلاد هي إسلام آباد وأكرا والرباط وطرابلس والجزائر وتونس ودمشق، بينما حساباته تزيد عن حساباتنا بمقدار 25% في المتوسط لأربعة بلاد هي أصفهان وكابول وظفار والقاهرة.

وقد يكون الاختلاف بيننا وبين طريقة الصفاقسي أكثر من الاختلاف الذي بيننا وبين طريقة ابن فضل الله العمري بسبب أن الصفاقسي قسم دائرة دلائل القبلة لأربعين جزءا كل جزء يقابل 9 درجات، بينما قسمها ابن فضل الله العمري إلى اثني عشر جزءا كل جزء يقابل ثلاثين درجة، ومن المفترض أن دائرة القبلة للصفاقسي تكون أكثر دقة عن دائرة ابن فضل الله العمري لكثرة أجزائها، كما أنها أجريت بعد حوالي قرنين بعد دائرة ابن فضل الله العمري.

المستخلص

تعتبر دائرة دلائل القبلة عند الكعبة المشرفة لابن فضل الله العمري (المتوفى 749هـ) وصورة البلاد الإسلامية بالنسبة إلى مكة المكرمة للصفاقسي (المتوفى 958 هـ) هي أقرب للاتفاق مع الحسابات الفلكية، والحقائق الجغرافية الحديثة عن الاختلاف، وهما عملان علميان بالقياس للخرائط الأوربية في ذلك الوقت، لا سيما أن أجهزة الرصد الفلكي الحديثة (المناظير الفلكية) وكذلك الإبرة المغناطيسية لتحديد الشمال لم تكن متوافرة لهذين العالمين الجليلين في عصر كل منهما.

د.مسلم شلتوت أستاذ علوم الفلك