عبر القرون تنتقل لنا خبرة مهمة نحتاج لها في زمننا وفي كل زمن تلك هي تعويد أبنائنا على الصيام وعادات الخير ، عن ‌الربيع بنت معوذ قالت: «أرسل النبي صلى الله عليه وسلم ‌غداة ‌عاشوراء ‌إلى ‌قرى ‌الأنصار: (مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَليَصُمْ، قَالَتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإفْطَارِ) [الصحيحين]

لماذا نريد أن نعود أبناءنا على الصيام؟

لماذا كانت الرُّبَيِّعِ رضي الله عنها وغيرها من الصحابة يصومون ويجعلون ابنائهم يصومون كذلك، مع أن الله تعالى لم يفرض الصيام على الصغار لكن غرس عادات الخير يحتاج إلى وقت، ويبدأ من الصغر، وقد كان هذا منهج النبي صلى الله عليه وسلم في تربيته لأصحابه وأبنائهم.
عن عبدِ الله بن عامرٍ، أنه قال: دعتْني أُمي يوماً ورسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- قاعِدٌ في بيتنا، فقالت: ها تَعالَ أُعطِيكَ، فقال لها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-«وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ؟» قالت: أُعطِيهِ تمراً، فقال لها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: “أما إنَّك لو لم تُعْطِيه شيئاً كُتِبَت عليك كِذْبةٌ” [سنن أبي داود]
فكانت أولى خطوات التعويد على الصدق أن نكون صادقين في وعودنا مع أبنائنا، فالأبناء ينظرون إلى الوالدين كمصدر للإلهام والقدوة، فإذا سمحت الأم لنفسها بالكذب سيكذب الأولاد عليها وعلى غيرها مستقبلا، ويكون الكذب مسموحا به حينا، وضرورة أحيانا كثيرة، لكن إن غرسنا في نفوسهم الصدق منذ البداية وعودناهم على ذلك نفروا من الكذب والكذابين.
وقد كانت هذه طريقة النبي صلى الله عليه وسلم في تعويد الصغار على عادات الخير ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن الحسن بن علي ‌أخذ ‌تمرة ‌من ‌تمر ‌الصدقة، فجعلها في فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم بالفارسية: «كِخْ كِخْ، أَمَا تَعْرِفُ أَنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ» إن الصبي لا يعرف أنه لا يحل له أن يأكل من الصدقة فليتعود الآن على أن هناك مالا لا يصح له أن يأخذ منه، ولنقم الحدود بين المسموح والممنوع منذ الصغر ولنعود أبنائنا عليها 

كل خطوة نخطوها في سبيل التعود على عادات الخير مشكورة عند الله تعالى سواء كنا نعود أنفسنا أو أبنائنا {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ } [الزلزلة: 7] والعادة تتكون بتراكم الفعل وبالتكرار مثقال ذرة من صبر ومن صدق ومن أمانة حتى يتكون خلق الصبر والصدق والأمانة ويصبر الرجل ويصدق بطريقة تلقائية وبلا كلفة لأنه اعتاد على ذلك 

إنهم صغار يحتاجون إلى اللعب لتسكتهم إذا جاعوا، ومع ذلك ندربهم على الخير لأن هذا هو زمن غرس الأخلاق الحميدة،  هناك من تجاوز الثلاثين عاما وهو قوي لا يشتكي من مرض ومع ذلك لا يصوم ولا يستطيع الصوم، أتدرون لماذا.. ؟ هل لأنه يجوع؟ كم من صائم يؤدي عملا شاقا ومع ذلك لا يفطر بل لا يتصور أن يفطر أصلا، كم من مريض يتلقى النصيحة الطبية بضرورة فطره لأن الصيام يضره ومع ذلك يصوم، ولا يتصور نفسه مفطرا في رمضان ، لماذا يفطر هذا الشخص الصحيح؟ لأنه لم يتعود على الصوم من صغره .

نعودهم على صيام شهر رمضان، نقوم بتصويم الأطفال بالقدر الذي يستطيعونه، ليحصلوا على بركة هذه العبادة وتترك آثارها في نفوسهم نؤكد على صلتهم بالله تعالى من خلال عادات الخير فإذا كبروا ازدادوا تأكيدا ومحافظة عليها وإذا مال بعضهم عن الصراط المستقيم أعادتهم هذه الصلة المتجذرة في نفوسهم إلى ربهم عز وجل.

نعود أبناءنا على الخير فنقوم بواجب رعايتهم كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته [صحيح البخاري]

نعود الأطفال على الخير مثل الصلاة فنحصل على نصيبنا من رضوان الله تعالى، فعن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ” [صحيح مسلم ] وإذا تريد أن تعود الأبناء على شيء، فلا تدعوهم لفعل الخير وتتركهم بعد ذلك بل تساعدهم على إتمام العمل وتجني معهم ثمرته في الدنيا والآخرة.

التعويد على الخير صيانة للمجتمع من الهلاك فطالما بقي من يعمل الخير فإن حفظ الله تعالى يحمي هذا المجتمع، وإن التعويد على الخير لا يتوقف عند عبادة الصيام فحسب بل كل ما أمر الله تعالى به من المعروف.

فنعودهم على انتقاء الكلمات الحسنة ونعودهم على مواقف الرجال أدبا وخلقا وتفكيرا وشهامة نعود بناتنا على أخلاق المرأة المسلمة من الحياء والعفة والستر وتحقيق قوله تعالى { إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [الأحزاب: 32]

نعودهم أن التزامهم بعادات الخير سبب لنزول عوائد الرحمة والبركة والرضوان كان عبد الله بن جعفر من اسخى الناس فعاتبه البعض على كثرة إنفاقه فقال:” إن الله عودني عادة وعودت عباده عادة فأخاف أن أقطع عادتي فيقطع الله تعالى عادته”، عوده الله تعالى رزقا وفيرا وعود الفقراء أن ينفق عليهم، فهو يخاف إذا أمسك المال خشية الفقر أن يقطع الله عنه الرزق، وليس ذلك المنع فيمن كان ينفق ثم أمسك، لكن هذا المنع يشمل كل من تعود على عادة من عادات الخير ثم توقف عنها.

ونحن نعود أبناءنا على عمل الخير نراعي قدراتهم فلا نشق عليهم حتى لا ينفروا عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِنِّي لأَقُومُ فِي الصَّلاَةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ))[صحيح البخاري] الصبي يأتي مع أمه للمسجد تدخل الأم في الصلاة يبكى الصبي فيخفف النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا تنشغل أمه ببكائه

ما المقصود بفلسفة التصبير؟

إن طريق الخير يحتاج إلى صبر، وطريق اكتساب العادات الحسنة يحتاج إلى صبر، فقد أدركت هذه الصحابية الجليلة الطبيعة البشرية فكانت مع غيرها من الصحابيات تصنع ألعابا من الصوف الملون تقدمها لأبنائها إذا شعروا بالجوع.
لهذا يجب على المسلم أن يتعلك كيف يصبّر نفسه على أداء العبادات لأن هذا هو واجب العبودية، ولأن الله تعالى أعد للصائمين والصالحين مغفرة وأجرا عظيما.

إن فعل الخير قد يحدث من المؤمن وغير المؤمن لكن المؤمنين الذين أحبوا ربهم وساروا في طريق رضاه سبحانه يكتسبون العادات الطيبة ويحافظون على ممارستها، فلن يشبع مؤمن من خير حتى يكون منتهاه الجنة.