يحتاج الشباب بشكلٍ خاصٍّ إلى التدريب الذاتيِّ على العفو والحِلم، وهما صفتان أَحْوَج ما تكون إليهما مجتمعات هذا العصر، وخاصَّةً الشباب، لما يعانونه من ضغوطٍ اجتماعيَّةٍ واقتصاديَّة، فتجد الشابَّ سريع الغضب، تثيره أدنى كلمة وتطيش تصرُّفاته لأدنى الأسباب. وخير معلم للعفو والحلم هو سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم .

لقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يأتيه الأعرابيُّ فيشدُّه من تلابيبه شدًّا قويًّا ولا يدعْه حتى يترك الثوبُ أثرَه المؤلم على رقبته الشريفة صلى الله عليه وسلم، فيَكْبُر على الموقف ويعذر الجاهل، ويحلِم ويعفو وهو قادرٌ -إن شاء- وبإشارةٍ منه أن يقتل ذلك الأعرابَّي الغليظ.

وفي الحديث عن أبي هريرة أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: “ما تعدُّون الصُّرعة فيكم؟ قلنا: الذي لا تصرعه الرجال. قال: “ليس كذلك، ولكنَّه الذي يملك نفسه عند الغضب“رواه البخاريُّ ومسلم.

وقيل في تفسير قوله تعالى “وسيِّداً وحصورا” السيِّد الذي يملك نفسه عند الغضب، وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي عليه الصلاة والسلام أنّه قال: “إنّ الله عزَّ وجلَّ يحبُّ الرفق في الأمر كلِّه” نعم، وفي حديثٍ آخر رواه مسلم “مَن يُحرَم الرفق يُحرَم الخير”، ذلك أنَّ الرفق يمنح وضوح الرؤية ويعطيك فرصةً للحصول على نتيجةٍ من الموقف.. وقد كان شيخنا الدكتور أحمد نوفل يقول لنا: “العلم مفتاح الحِلم، وِلين الكلام مفتاح القلوب”.. وممَّا يُروى أنَّ إبليس بدا لموسى عليه السلام فقال: يا موسى إيَّاك والحدَّة، فإنِّي ألعب بالرجل الحديد كما يلعب الصبيان بالكرة”.

ما أسباب الغضب ؟

يقول الإمام ابن قدامة المقدسيُّ في كتابه المعروف “مختصر منهاج القاصدين”: “ومن أسباب الغضب: العُجْب، والمزاح، والعذر، وشدَّة الحرص على فضول الجاه والمال”.

وأضيف: الشعور بالنقص وضيق الأفق وضعف العلم.

ولاشكَّ أن صفَتَيْ العفو والحِلم تحتاجان إلى قدرٍ كبيرٍ من السيطرة على الذات وقوَّة الإرادة وقدرة على السموِّ عن موقف الغضب (ولعلَّه هو ما يُسمَّى الآن الروح الرياضيَّة)، فاحمل نفسك على الحِلم وتكلَّف ذلك حتى تورثها القدرة على الحِلم فتصبح عادةً سهلةً على النفس، فالحِلم بصيرةٌ والغضب عمى، وقد قال عليه الصلاة والسلام مرَّةً لأشجِّ عبد القيس “إنَّ فيك خصلتين يحبُّهما الله: الحِلمُ والأناة”رواه مسلم، وهو أن تعطي مهلةً لعقلك ليستنتج عواقب الموقف وفوائده قبل أن تقرِّر ما تفعل، فيكون نجاحك أكيدا، وسلامتك حاصلةً بإذن الله.

وأمَّا العفو فمعناه أن تستحقَّ حقًّا فتُسقِطه وتؤدِّي عنه قصاصاً أو غرامة، وبهذا يختلف العفو عن الحِلم والكظم، قال تعالى:” فمن عفا وأصلح فأجره على الله”، وفي حديث النبيِّ عليه الصلاة والسلام: “ما نقصت صدقةٌ من مال، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزّا، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله”رواه مسلم.
وورد عن عليٍّ رضي الله عنه بسندٍ جيِّدٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ألا أدلُّك بأفضل أخلاق الدنيا والآخرة؟ أن تعفو عمَّن ظلمك، وتصل من قطعك، وتعطي من حرمك”.

كيف تحلِم في موقف غضب؟

  1. اعمل على ألا تغضب أنت، واصمت ولا تدافع، فالأولويَّة الآن للتهدئة لا للدفاع عن نفسك وموقفك.
  2. استمع لكي تفهم ما يقوله بالضبط الطرف الآخر الغاضب، فهذا سيساعدك على تقديم حلولٍ معقولة، كما أنَّك تُعطيه فرصةً للتفتيش عن غضبه، وذلك يشجِّعه على الثقة بك.
  3. عَبِّر عن اهتمامك بما يقول، بعينيك وتعابير وجهك وأَظهِر تَفَهُّمك لموقفه وتعاطفك معه كأنَّك تقول: “إنَّني أسمعك وأريد مساعدتك.. إنَّني أفهم لماذا تشعر بهذا الشعور”، ولكن لا تلعب دور الواعظ في هذه اللحظة.
  4. تذكَّر أنَّه كلَّما طالت فترة هدوئك وسيطرتك على نفسك زادت فرصتك في كسب الموقف، لأنَّ الغضب يشلُّ التفكير ويعتِّم الرؤية، فلا تهبط إلى مستوى الغضب، بل ارفع الغاضب إلى مستوى هدوئك.
  5. تذكَّر أيضاً أنَّ الغضب مشروعٌ إن كان لصالح دينك ولحرمات الله ولموقفك الموافق للشرع ولتحقيق العدالة، على ألا يؤدِّي ذلك الغضب إلى ضررٍ أكبر من الضرر الذي كانت ستسبِّبه المشكلة نفسها.
  6. لا تندم على موقف الحِلم، ولكن اندم على موقف الغضب.
  7. العلم والقراءة والتأمُّل والتسبيح، كلُّها تمنح الشخص سعة الأفق وتُعطيه جرعةً مهدِّئةً وشعوراً يتمثَّل في إحساسه أنَّه أكبر من المواقف، وصدره أرحب من التوافه وصغائر الأشياء.