اقرأ أيضا:
هو جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد ابن سابق الدين الخضيري السيوطي المشهور باسم جلال الدين السيوطي، (القاهرة 849 هـ/1445م – القاهرة 911 هـ/1505م) إمام حافظ، ومفسر، ومؤرخ، وأديب، وفقيه شافعي. له نحو 600 مصنف.
ينتمي جلال الدين السيوطي إلى أسرة تعود جذورها إلى شيخ من أهل الحقيقة والتصوف اسمه همام الدين الخضيري، نسبة إلى محلة الخضيرية في بغداد، بينما هو ذكر أنه أنصاري جعفري الأرومة وإن جده من أم شريفة النسب.
نشأ في القاهرة يتيماً، إذ مات والده وعمره خمس سنوات، ولما بلغ أربعين سنة اعتزل الناس، وخلا بنفسه في روضة المقياس، على النيل، منزوياً عن أصحابه جميعاً، كأنه لا يعرف أحداً منهم، فألف أكثر كتبه. وكان الأغنياء والأمراء يزورونه ويعرضون عليه الأموال والهدايا فيردها. وطلبه السلطان مراراً فلم يحضر إليه، وأرسل إليه هدايا فردها، وبقي على ذلك إلى أن توفي.
وكان يلقب بـ “ابن الكتب” لأن أباه طلب من أمه أن تأتيه بكتاب، ففاجأها المخاض، فولدته وهي بين الكتب.
وُلد الإمام السُّيوطي في مصر في بداية شهر رجب سنة 849 من العام الهجري، الذي يوافق الثالث من تشرين الأوّل من عام 1445 ميلادي، واسمه: عبد الرحمن بن الكمال أبي بكر بن محمد بن سابق الدين بن الفخر عثمان بن ناصر الدين محمد بن سيف الدين خضر بن نجم الدين أبي الصلاح أيوب بن ناصر الدين محمد بن الشيخ همام الدين الأسيوطي نسبة لبلد تُسمّى أسيوط في صعيد مصر. وقد لقَّبه أبوه بجلال الدين، وابن الكتب، لأنَّه وُلد عند الكتب، وكان شيخه عِزّ الدين أحمد الحنبلي قد كنّاه بأبي الفضل. وكان أبو الإمام السيوطي من أهل العلم وقد عمل في بلدته أسيوط وتولّى حكمها نيابةً، وقد سمّع صحيح مسلم على الحافظ ابن حجر العسقلاني في القاهرة، وأخذ علوم الفقه والكلام من الإمام شمس الدين القياتي.
أما حياة السيوطي فقد كانت حياة مليئة بالعلم والرحلات إليه، لازم خلالها العديد من العلماء، وحفظ عن الكثير من العلماء، فقد وُلد الإمام السيوطي لعائلةٍ من أهل العلم، فقد عُرف جدّه همام الدين بأنَّه من “أهل الحقيقة ومن مشايخ الطريقة”، وكان والده إماماً في الفقه والفرض وغيرها الكثير من العلوم.ونشأ السيوطي في القاهرة، حيث كان والده يسكن فيها، وكان الإمام الحافظ ابن حجر -وهو شيخ والده- يُقيم فيها المجالس، وقد حضر السيوطي مع والده مجلساً له وهو بعمر الثالثة، وقد حفِظ السيوطي من القرآن الكريم حتى سورة التحريم بحياة والده، إذ تُوفّي والده وهو بالسادسة من العمر، وأصبح تحت وصاية الشيخ جمال الدين بن الهمام.
أكمل السيوطي حفظه لكتاب الله لما بلغ الثامنة من عمره، وتمتّع منذ الصغر بالذكاء وقوة الحفظ، فبعد حفظه لكتاب الله حَفِظ عدداً من الكتب؛ مثل كتاب عمدة الأحكام، والمنهاج الفرعي في الفقه للنووي، والمنهاج في الأصول، وألفية ابن مالك في النحو، ومنهاج البيضاوي، وعَرض حفظه على الشيوخ في ذلك الوقت.. وبدأ السيوطي برحلة طلب العلم قبل سن الخامسة عشر، ودرس على يد عددٍ من الشيوخ؛ كالشمس محمد بن موسى الحنفي، والفخر عثمان المقسي، والشموس البامي، وابن الفالاتي، وابن يوسف، والعجلوني، والنعماني، وقد أخذ عنهم الفقه والنحو، ودرس الفرائض مع الشيخ شهاب الدين الشارمساحي.
ولما بَلَغ السيوطي السابعة عشر من العُمُر سُمح له بتدريس اللغة العربية، وكان قد ألّف كتاباً في الاستعاذة والبسملة، وقد مدح كتابه شيخ الإسلام علم الدين البلقيني، وقد بدأ بالتدريس والإفتاء لما بلغ السابعة والعشرين، وكتب -رحمه الله- شرحاً في ألفية ابن مالك، وجمع الجوامع في العربية، وعرضهم على شيخه تقي الدين الشمسي وقد أثنى عليه.
لزم السيوطي الشيخ شرف الدين المناوي وقرأ عليه عدداً من كتب الفقه والتفسير، وبقي مع العلّامة محيي الدين الكافيجي لمدة أربع عشرة سنة، وقد أجازه في التفسير، والأصول العربية، والمعاني، وكان يُتابع دروس الشيخ سيف الدين الحنفي ويحضرها.
انتقل لدمياط والاسكندرية والفيوم والمحلّة، وقصد بيت الله الحرام للحجّ، ومكث في مكة لمدّة سنةٍ كاملة، وسافر إلى بلاد الشام والمغرب، ووصل غينيا، وكانت تُسمّى التكرور في ذلك الوقت، وأخذ العلم على يد عددٍ من الشيوخ، وأجازوه بالكثير من العلوم التي أخذها عنهم.
قرّر الإمام السيوطي اعتزال الناس، وتفرَّغ للعبادة والتصنيف لمَّا بلغ من العمر عتيا، فبقي في منزله في القاهرة في منطقةٍ تُسمّى روضة المقياس، وترك الإفتاء واعتذر عنه، وبقي معتزلاً الناس حتى توفَّاه الله.
عاش السيوطي في عصر كثر فيه العلماء الأعلام الذين نبغوا في علوم الدين على تعدد ميادينها، وتوفروا على علوم اللغة بمختلف فروعها، وأسهموا في ميدان الإبداع الأدبي، فتأثر السيوطي بهذه النخبة الممتازة من كبار العلماء، فابتدأ في طلب العلم سنة 864 هـ، 1459م، ودرس الفقه والنحو والفرائض، ولم يمض عامان حتى أجيز بتدريس اللغة العربية، وألف في تلك السنة أول كتبه وهو في سن السابعة عشرة، فألف “شرح الاستعاذة والبسملة” فأثنى عليه شيخه علم الدين البلقيني. وكان منهج السيوطي في الجلوس إلى المشايخ هو أنه يختار شيخًا واحدًا يجلس إليه، فإذا ما توفي انتقل إلى غيره، وكان عمدة شيوخه محيي الدين الكافيجي الذي لازمه السيوطي أربعة عشر عامًا كاملة وأخذ منه أغلب علمه، وأطلق عليه لقب “أستاذ الوجود”، ومن شيوخه:
أخذ السيوطي علم الحديث فقط عن 150 شيخًا من النابهين في هذا العلم. ولم يقتصر تلقي السيوطي على الشيوخ من العلماء الرجال، بل كان له شيوخ من النساء اللاتي بلغن الغاية في العلم، منهن:
أما تلاميذه فهم كثر أيضا، بل هم من الكثرة والنجابة بمكان، وأبرزهم:
قضى السيوطي فترة غير قصيرة في خصومات مع عدد من علماء عصره، كان ميدانها الحملات الشرسة في النقد اللاذع في الترجمة المتبادلة، ومن خصومه: البرهان الكركي، وأحمد بن محمد القسطلاني، والشمس الجوجري، غير أن أشد خصوماته وأعنفها كانت مع شمس الدين السخاوي، الذي أتهم السيوطي بسرقة بعض مؤلفاته، واغتصاب الكتب القديمة التي لا عهد للناس بها ونسبتها إلى نفسه.
لم يقف السيوطي مكتوف الأيدي في هذه الحملات، بل دافع عن نفسه بحماسة بالغة وكان من عادته أن يدعم موقفه وقراره بوثيقة ذات طابع أدبي، فألف رسالة في الرد على السخاوي، اسمها “مقامة الكاوي في الرد على السخاوي” نسب إليه فيها تزوير التاريخ، وأكل لحوم العلماء والقضاة ومشايخ الإسلام. وكان لهذه العلاقة المضطربة بينه وبين بعض علماء عصره، وما تعرض له من اعتداء في الخانقاه البيبرسية أثر في اعتزال الإفتاء والتدريس والحياة العامة ولزوم بيته في روضة المقياس على النيل، وهو في الأربعين من عمره، وألف بمناسبة اعتزاله رسالة أسماها المقامة اللؤلؤية، ورسالة “التنفيس في الاعتذار عن ترك الإفتاء والتدريس”.
تنبه بعض خصوم السيوطي إلى خطئهم فيما صوبوه إلى هذا العالم الجليل من سهام في النقد والتجريح وخصومات ظالمة، فأعلنوا عن خطئهم، وفي مقدمتهم الشيخ القسطلاني الذي أراد أن يسترضي هذا العالم الجليل الذي لزم بيته وعزف عن لقاء الناس، فتوجه إليه حافيًا معتذرًا، غير أن هذا الأمر لم يجعل السيوطي يقطع عزلته ويعود إلى الناس، ولكنه استمر في تفرغه للعبادة والتأليف.
عُرف السيوطي بالتواضع، والصفاء، والوضوح، والثّقة العالية بالنّفس، فقد كان صريحاً في الحديث عن نفسه عن نِعم الله -تعالى- التي حَظِي بها، وكان يذكر خِصاله الجيّدة والمُمَيّزة، وقد قال في ذلك: “أقول ذلك تحدّثاً بنعمة الله تعالى لا فخراً، وأي شيء في الدنيا حتى يُطلب تحصيلها في الفخر، وقد أزِف الرحيل وبدا الشيب وذهب أطيب العمر.
وكان وَرِعاً، تقياً، مُتمسّكاً بسنّة النبي –صلى الله عليه وسلم-، ومتَّخذاً علماء السلف قدوةً وأسوةً له. كما اتّسم بالشجاعة، وقول كلمة الحق، وكان صاحب مسؤوليةٍ كبيرةٍ وعظيمة، وهي أمانة نشر العلم، وحَرِص على الاجتهاد في العمل، وتأليف ما يستطيع من المؤلّفات التي تعود على الناس بالخير، وكان مُحبَّاً للخير والصلاح. ولم يكن يُجيب على الأسئلة إلا عند التأكّد منها، فكان حريصاً على التأنّي وعدم الاستعجال، فكان يقول: “ما أجبت قط عن مسألةٍ جواباً إلا وأعددْت جوابها بين يدي الله -تعالى- إن سُئِلت عنها”.
وكان السيوطي متصوّفاً، زاهداً، قنوعاً، لم تجذبه حياة الأغنياء، واعتزلهم وردَّ هداياهم، ورغم تميّزه بالبساطة والاستقامة وحُسن السيرة والاعتقاد، إلا أنَّه كان يَتَّصِف بالغضب الشديد والحدِّة في الطباع، وكان يحاول معالجة هذه الخِصلة باعتزال الناس وتأليف الرسائل، ومن صفاته أنَّه يُعرِض عمن يُهاجمه، ولم يُسمع عنه أنّه دعا أو سبّ على أحدهم، ويكتفي باحتساب أمره لله -تعالى-.
اجتهد الإمام السيوطي وتبحّر وتوسع في العلم، ولم يكتفِ بعلمٍ واحدٍ بل بسبعة علومٍ، وهي التفسير، والحديث، والفقه، والنحو، والمعاني، والبيان، والبديع، وكان يملك معرفةً قويّة بباقي العلوم؛ كأصول الفقه، والفرائض، والحساب، والإنشاء، والتصرف، والجدل، وغيرها. ولم يكن السيوطي مجرّد قارئٍ وباحثٍ يستنبط ويشرح؛ بل كان مُجدِّداً مُتميّزاً لم يُشبهه أحدٌ في زمانه، ولا ماثله أحدٌ في مؤلّفاته، وقد ألّف الكثير من الكتب والموسوعات، وتفرّد بها وبموضوعاتها، وتُعتبر من المراجع المهمّة للأمّة الإسلامية، كموسعاته في علوم القرآن، والحديث، والفقه، والبلاغة، والنحو، والطبقات، وغيرها.
ويُعتبر الإمام السيوطي من آخر الأئمة والحُفّاظ الكِبار، فقد أثنى عليه ومدحه عددٌ كبيرٌ من العلماء والشيوخ، إلا أنَّه انتُقد من عددٍ من العلماء كالسخاوي وغيره بسبب اجتهاده، مع العلم أنَّ الإمام السيوطي لم يستقل في الاجتهاد، بل كان يلتزم بأصول الإمام الشافعي -رحمه الله-، وما حصل بين السيوطي والسخاوي لا يعدّ خلافاً إنَّما تنافس كالذي يكون بين الأقران من العلماء.
وحظيَ الإمام السيوطي بمكانةٍ رفيعةٍ في المجتمع، فقد كان تحت وِصاية كمال الدين، وهو من كبار فقهاء الحنفية في ذلك الوقت، وكان مقرّباً من الخلفاء العباسيين بفضل والده والسلاطين، كالسلطان قايتباي. ولمّا بلغ من العلم الكثير أصبح من كبار علماء عصره، وعلا شأنه وارتفعت منزلته في المجتمع، فقد كان مؤثراً وصاحبِ كلمةٍ، وكان معروفاً في مصر وبلاد الشام، وانتفع الناس من علمه وكتبه، واعتُمدت فتاويه عند السلاطين والعوامّ، وانتشرت في مصر وبلاد الشام.
ألف جلال الدين السيوطي عددا كبيرا من الكتب والرسائل إذ يذكر ابن إياس في “تاريخ مصر” أن مصنفات السيوطي بلغت ست مائة مصنف. وقد ألف في طيف واسع من المواضيع تشمل التفسير والفقه والحديث والأصول والنحو والبلاغة والتاريخ والتصوف والأدب وغيرها. ومن هذه المصنفات:
توفي الإمام السيوطي في منزله بروضة المقياس على النيل في القاهرة في 19 جمادى الأولى سنة 911 هـ، الموافق 20 أكتوبر 1505 م، ودفن خارج باب القرافة في القاهرة، ومنطقة مدفنه تعرف الآن بمقابر سيدي جلال نسبة إليه، وقبره معروف هناك.
مصادر5>
“السيوطي.. صاحب الـ7 علوم” – ارشيف اسلام اونلاين.
“من هو السيوطي” – الإسلام سؤال وجواب”
جلال الدين السيوطي – مصطفى الشكعة- 1981م.
الموقع الرسمي للمكتبة الشاملة
الأعلام للزركلي
معجم المؤرخين المسلمين – اعداد يسري عبد الغني عبد الله
المواد المنشورة في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي إسلام أون لاين