“جواهر العقائد” كتاب للعالم والفقيه الأصولي الحنفي خضر بك، الذي يعتبر أول من ولي قضاء القسطنطينية بعد فتحها، وكان غزير الاطلاع على الآداب العربية والتركية والفارسية. واشتهر بنظمه لهذه القصيدة التي تعرف بـ “نونية خضر بك” بأسلوب ميسر لتقريب عقائد الإسلام إلى عامة الناس من البسطاء الأميين أو محدودي التعليم.

تدخل مسألة بحث وشرح قصيدة النونية لناظمها خضر بك في دائرة اهتمام المتخصصين في مجال اللغة العربية بشكل خاص والباحثين في الموضوعات ذات الصلة بوجه عام، خاصة ما يتعلق بتخصص علوم اللغة ووثيق الصلة بالتخصصات الأخرى مثل الشعر، والقواعد اللغوية، والأدب، والبلاغة، والآداب العربية.

من هو خضر بك؟

هو خضر بن جلال الدين بن أحمد المولى الرومي الحنفي (810 هـ – 863 هـ / 1407 – 1459م) عالم وفقيه أصولي حنفي، وأحد علماء الروم ومدرسيهم وأعيانهم. وهو أول من ولي قضاء القسطنطينية بعد فتحها. كان غزير الاطلاع على الآداب العربية والتركية والفارسية.

ولد خضر بك ونشأ في بلدة سيوري حصار وعلت شهرته فاستدعاه السلطان محمد الفاتح إلى بروسة، وأعطاه مدرسة جده فيها. ولما دخل القسطنطينية ولاه قضاءها. كان غزير الاطلاع على آداب العربية والتركية والفارسية، ونظم شعراً باللغات الثلاث. ومن شعره العربي “جواهر العقائد” وهي قصيدة نونية في التوحيد أرسلها إلى السلطان الفاتح، وله قصيدة أخرى على رويها. وصنف كتباً منها: حواش على حاشية الكشاف لسعد الدين التفتازاني، وأرجوزة في العروض.

ولقد اشتهر خضر بك بنظمه لنونية “جواهر العقائد”، ولعل المولى خضر بك قد ألف هذه العقيدة بأسلوب النظم وبطريقة ميسرة لتقريب عقائد الإسلام إلى أفهام عامة الناس من البسطاء الأميين أو محدودي التعليم. وليس هو بدعاً في ذلك، بل هذه كانت طريقة العلماء في القرون الماضية. وهكذا جاءت القصيدة النونية مقبولة لدى العوام كما أنها مرضية لدى الخواص حتى خدمها كثير من العلماء بالشرح والتوضيح.

ماهي “جواهر العقائد”؟

جواهر العقائد هو كتاب للمولى خضر بك الحنفي (ت 863هـ) يعرف أيضاً بالقصيدة النونية أو النونية في العقائد أو “نونية خضر بك” وهي منظومة من بحر البسيط تضم 103 أو 105 بيتاً .

وهي مع صغر حجمها قد حازت أمهات المسائل الكلامية مع الإشارة إلى الحجج والبراهين. وهذه القصيدة منسوجة على مذهب الأحناف ، وهي تبدأ بـ “الحمد لله عالي الوصف والشان، منزه الحكم عن آثار بطلان” وتشتمل على معظم المباحث الكلامية من الإلهيات والنبوات والسمعيات والإمامة، مُرَتّبة جيداً حسب ترتيب المباحث الكلامية.

سبب تأليف النونية

وقد قيل في سبب تأليف هذا الكتاب: إن السلطان محمد الفاتح لما اتخذ المولى خضر بك أستاذاً له دبت الغيرة والحسد في قلوب البعض بالقسطنطينية، فقالوا للفاتح في حقه ما قالوا، فلما رأى منهم التعصب عليه طلب من السلطان الهجرة شهر إلى (بروسة) لأجل تدريس العلوم سالماً عن طعن هؤلاء الخصوم ما أمكن، وبعد إلحاح كثير أذن له فهاجر إليها. واشتغل بالتدريس، ولم يزل الفاتح يطنب في مدح أستاذه عند العلماء. فلكثرة غيرتهم طلبوا من الفاتح أن يأمر أستاذه بتأليف كتاب يعلم به كماله ولياقته لمدحه. فكتب الفاتح لأستاذه خضر بك، يرجو منه ما طلبوه منه. فألف هذه القصيدة وأرسلها إليه، ومعها هذه الأبيات:

لقد زاد الهوى في البعد بيني             

وبعد البين بعد المشرقين

ألا أيها السلطان نظمي            

عجالة ليلة أو ليلتين

مع الأشغال في أيام درسي                

وما فارقت درسي ساعتين

عرض السلطان محمد الفاتح القصيدة مع المكتوب على هؤلاء – وفي الشقائق النعمانية أنه عرضها على المولى الكوراني – فقالوا: قد أخطأ أستاذك في محل من القصيدة وفي محل من المكتوب، لأنه استعمل كلمة (الزيادة) في الموضعين متعديا، مع أنها لازمة. أحدهما: (لقد زاد الهوى..) وثانيهما: (فلن يزيد يزيد منه مفسدة). فأمر السلطان أن يُكتب الاعتراض على ظهر القصيدة. وأرسله إلى المولى خضر بك طالباً للجواب. فكتب إليه مشيراً إلى الجواب بقوله تعالى: ﴿في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا﴾ (سورة البقرة: 10)، اقتباساً منه وتعريضاً لهم بأن كلمة (زاد) قد عديت إلى مفعولين هنا.

وتوجد لهذه القصيدة نسخ مخطوطة في المكتبات العالمية الكبرى. ولقد طُبعت أيضاً في أماكن مختلفة عدة مرات. وإن كانت هذه القصيدة صغيرة في حجمها إلا أنها من أهم الكتب الكلامية على مذهب الحنفية . فلها قدرها ومكانتها عند العلماء ، كما أن صاحبها من علماء المذهب الحنفي في القرن التاسع الهجري، وقد لعبت دوراً كبيراً في تثبيت عقيدة أهل السنة والجماعة بتأليف الكتب وتخريج العلماء وتربية النشأ الجديد.

أهم شروح “جواهر العقائد”؟

كما قلنا سابقا، جاءت القصيدة النونية مقبولة لدى العوام كما أنها مرضية لدى الخواص حتى خدمها كثير من العلماء بالشرح والتوضيح. فقد اعتنى بها العديد من العلماء عبر العصور شرحاً وتدريساً، وهذه أهم شروحها:

  1. شرح المولى شمس الدين أحمد بن موسى الخيالي الرومي الحنفي، المتوفى عام 870هـ، وشرحه معروف بشرح القصيدة النونية حيث كان الخيالي تلميذاً لخضر بك صاحب القصيدة، وهو أول شارح لها. وعلى هذا الشرح كتبت عدة حواش وتعليقات، الأمر الذي يدل على أهميته لدى العلماء.
  2. كتاب خير القلائد شرح جواهر العقائد للإمام عثمان الكليسي العرياني.
  3. شرح المولى كمال الدين قره كمال، المتوفى عام 920هـ.
  4. شرح الشيخ محمد حميد الكفوي، المتوفى عام 1116هـ.
  5. شرح الشيخ علي بن عبد الحكيم.
  6. شرح الشيخ شجاع الدين.
  7. شرح الشيخ عبد الله بن محمد يوسف أفندي زاده.
  8. شرح قول أحمد.
  9. شرح الشيخ داود بن محمد الفارضي (القارصي)، المتوفى عام 1169هـ.
  10. شرح الشيخ عبد الجليل البغدادي.
  11. شرح الشيخ عثمان بن عبد الله الكليسي الأصل، الحلبي المولد، نزيل القسطنطينية، الشهير بالعرياني، فقيه حنفي، متكلم، أديب، توفي بالمدينة عام 1186هـ، المسمى بـ(خير القلائد شرح جواهر العقائد).
  12. شرح لمؤلف مجهول في جامع الزيتونة بتونس.
  13. شرح الشيخ محمد نافع بن أحمد بن محمد القازابادي، المتوفى عام 1190هـ.
  14. شرح الحافظ الكبير محمد بن الحاج حسن.
  15. شرح حافظ الدين محمد أمين بن تقي الدين.
  16. شرح الشيخ إبراهيم عصمت بن إسماعيل رائف باشا الرومي الحنفي، نقيب الأشراف، المتوفى عام 1222هـ.
  17. شرح الشيخ محمد طاهر بن محمد بن أحمد الإستانبولي الحنفي، الأديب، الشهير بلاله رازي، المتوفى عام 1204هـ، المسمى بـ(الجواهر القلمية في تسطير أسرار النونية).