يعد علم المواريث من أصعب علوم الشريعة دراسة، يدلك على ذلك أن غالب من درس المواريث في المعاهد والكليات يكاد ينسى كله أو جله، إلا من واظب عليه مراجعة ودرسا.

ولاشك أن طريقة التدريس هي المدخل الرئيس لتيسير العلم، فقد رأيت بعض الطلاب الصغار في المعاهد الأزهرية يحلون كثيرا من المسائل العويصة، وما ذلك – عندي- إلا بجهد الأساتذة الذين يدرسون مادة المواريث، فخبرة المدرس أساس في إيصال المعلومات وتثبيتها، وحل المسائل وألغازها، وتقسيم الفرائض وتوزيعها، وإعمال العمليات الحسابية وتفعيلها.

وقد تنبأت بعض الأحاديث والآثار إلى صعوبة هذا العلم، من ذلك ما روى الحاكم في المستدرك (4/ 333) عن ابن مسعود، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإني امرؤ مقبوض، وإن العلم سيقبض حتى يختلف الاثنان في الفريضة فلا يجدان أحدا يفصل بينهما.

وفي كتاب الفرائض للثوري (ص: 20) قال عمر: “تعلموا الفرائض فإنها من دينكم”.

وهذه بعض المعالم التي تسعى إلى تيسير علم الفرائض التي يمكن أن يستفيد منها من يدرسون علم المواريث، ومن أهمها:

1- طريقة اللف والنشر: ويقصد بها أن يقدم المعلم شرح علم الفرائض بطريقة مجملة، بحيث يعرف شروط الإرث وموانعه، وأنواع الورثة من أصحاب الفروض والعصبات وذوي الأرحام، ثم يعرف الميراث من خلال الفروض، وهي تقسم إلى مجموعتين: مجموعة الثلثين، ومجموعة النصف، أما مجموعة الثلثين فتشمل الثلثين والثلث والسدس، والعلاقة بنيها أن الثلثين ضعف الثلث، والثلث ضعف السدس. والمجموعة الأخرى هي مجموعة النصف، وتشمل مع النصف، الربع والثمن، والعلاقة بنيهما كما في الأولى، ويمكن أن يعطي المعلومات الأساس في درسين أو ثلاثة، ثم يبدأ بعدها في الشرح التفصيلي.

2- تفسير آيات المواريث: من الأهمية بمكان، أن يبدأ شرح علم المواريث انطلاقا من آيات المواريث، خاصة آيات الفرائض الواردة في سورة النساء، وهي الآيات: الحادية عشرة، والثانية عشرة والآية السادسة والسبعين بعد المائة، وهي آخر آية في سورة النساء، وكذلك بعض الآيات الأخرى التي تتعلق بالمواريث كآخر آية في سورة الأنفال ونحوها، ويربط ذلك بالأحاديث النبوية الواردة في تلك الأحكام.

3- ترتيب الدروس: فقد جرت العادة أن يبدأ في تدريس علم الفرائض بأهميته أو المقدمات العشرة ثم التعريف وأسباب الإرث وموانع الإرث وأقسام الإرث، وأصحاب الفروض، والعصبات والحجب وذوي الأرحام والتأصيل والعول والرد والتصحيح والمناسخات والقسمة، وميراث الحمل والمفقود والمشكل والهدمى والغرقى.

والأولى عندي بعد الحديث عن تعريف الفرائض والأسباب والموانع أن يتقدم الحديث عن الحجب على الحديث عن أنواع الورثة، وذلك لأن أول خطوة في حل المسألة الفرضية هي استبعاد المحروم والمحجوب، حتى تبقى في المسألة المستحقون للإرث فيها، مع بيان الفرق بين المحروم الذي يحجب بسبب المانع ولا تأثير له في الميراث ألبتة، وبين المحجوب، وهو الذي منع لوجود وارث آخر، ولكنه يؤثر في المسألة الفرضية، فقد يكون محجوبا لكنه يحجب غيره.

ثم يشرح أصحاب الفروض؛ لأنهم مقدمون على العصبات، ثم العصبات، ثم الحالات الخاصة كالحمل والمفقود والمشكل والهدمى والغرقى ، ثم ذوي الأرحام، لأن كل هؤلاء ورثة.

ثم يختم دراسة الميراث بالعمليات الحسابية من بيان أصل المسألة، ثم العول والرد ثم التصحيح ثم المناسخة.

4- طريقة الشرح في الورثة: وفي تدريس الورثة يقترح أن تدرس على هيئة حالات، فالحالة الأولى هي (حالات أصحاب الفروض)، فلا يذكر فيها إلا الإرث بالفرض، ثم الإرث بالتعصيب، سواء كانوا الورثة الذين لا يرثون إلا بالتعصيب، كالابن وإن نزل، والإخوة لوالدين أو الإخوة لأب، أو الأعمام وأبنائهم، أو من كان يرث بالتعصيب أحيانا وهو من أصحاب الفروض، مثل الأب، والأخت الشقيقة والأخت لأب مع البنات، أو مع الإخوة الأشقاء والإخوة لأم، والبنت مع الابن، أو بنت الابن مع ابن الابن.

وفائدة هذه الطريقة أنها تجعل حدا فاصلا بين الإرث بالفرض، والإرث بالتعصيب، ويزيل الإشكال في كون بعض الورثة من أصحاب الفروض يرثون بالفرض أحيانا وبالتعصيب أحيانا فيحصل خلط في حالاتهم، هل هم ورثة بالفرض أو التعصيب، فنعطي أصحاب الفروض أولا، ثم ما تبقى للعصبات سواء كانوا ذكورا أو إناثا.

5- العمليات الحسابية: وفي شرح العمليات الحسابية كأصل المسألة والرد والعول والتصحيح والمناسخة، فإنه يجب التنبيه على أن التصحيح يتأخر عن الرد والعول، وأن المسألة قد يكون فيها تصحيح وهي فريضة عادلة، وقد يكون فيها عول أو رد وليس فيها تصحيح، وقد يكون فيها رد وعول مع التصحيح.

الأمر الآخر: بيان أن عمليتي الرد والعول طريقة واحدة، وهي علاقة أصل المسألة بأسهم الورثة؛ زيادة في العول، ونقصانا في الرد، يعني أن الأهم هو معرفة أصل المسألة ، وبعد توزيعه أسهما على الورثة نجمع أسهمهم، فيكون هو الأصل الجديد، سواء كان زيادة على الأصل الأول فيكون عولا، أو أنقص فيكون ردا، فمثلا، إن كان أصل المسألة (6) يعول إلى (7،8،9،9)، هذا في الفريضة العائلة، فإنه  يكون في الفريضة القاصرة (5،4،3،2)، فالعول والرد وجهان لحقيقة واحدة.

أما التصحيح فيستعمل لتصحيح الانكسار، بحيث تكون عدد أسهم الورثة حين نقسمها عليهم لا تخرج قسمة صحيحة، فنحتاج إلى تضعيف العدد حتى يكون صحيحا، وهذه يمكن العدول عنها بالعمليات الحسابية من خلال الآلة الحاسبة، كما أنها قائمة على التجريب، فالتماثل والتوافق والتداخل والتباين قد لا يلتزم ما قاله العلماء بعد معرفته وإتقانه، المهم في التصحيح هو أن ينقلب العدد المكسور إلى عدد صحيح وقد يستغنى عن التصحيح من خلال الحساب بالآلة الحاسبة.

على أن أجدر الناس اليوم بعلم المواريث هم المحاسبون والذين تخصصوا في علم الرياضيات، وأنا أدعوهم إلى دراسة علم المواريث، فإنهم سيكونون أجدر من طلاب الكليات الشرعية وكليات الحقوق، وذلك أن علم المواريث يتكون من قواعده الشرعية بجوار العمليات الحسابية، فهم أقدر على فهمه من غيرهم، ولا يعني هذا أن غيرهم لا يفهمه، فكل من يدرس العلم يستطيع أن يفهمه وأن يتحصله.