هذا الحديث يدلنا على كل الأمكان التي مر بها النبي في طريق الهجرة النبوية:

قال الحاكم في المستدرك على الصحيحين : أخبرنا أبو بكر أحمد بن كامل بن خلف القاضي ثنا موسى بن إسحاق القاضي ثنا مسروق بن المرزبان ثنا يحيي بن زكريا بن أبي زائدة قال قال ابن إسحاق حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ومحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حسين عروة بن الزبير عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: لما خرج رسول الله – – من الغار مهاجرا ومعه أبو بكر وعامر بن فهيرة مردفه أبو بكر وخلفه عبد الله بن أريقط الليثي،

  • فسلك بهما أسفل من مكة
  • ثم مضى بهما حتى هبط بهما على الساحل أسفل من عسفان،
  • ثم استجاز بهما على أسفل أمج،
  • ثم عارض الطريق بعد أن أجاز قديدا،
  • ثم سلك بهما الحجار،
  • ثم أجاز بهما ثنية المرار،
  • ثم سلك بهما الحفياء،
  • ثم أجاز بهما مدلجة ثقف،
  • ثم استبطن بههما مدلجة صحاح،
  • ثم سلك بهما مذحج،
  • ثم ببطن مذحج من ذي الغصن،
  • ثم ببطن ذي كشد،
  • ثم أخذ الجباجب،
  • ثم سلك ذي سلم من بطن أعلى مدلجة،
  • ثم أخذ القاحة،
  • ثم هبط العرج،
  • ثم سلك ثنية الغائر عن يمين ركوبه،
  • ثم هبط بطن ريم،
  • فقدم قباء على بني عمرو بن عوف. (1)

قصة أم معبد

وفي طريق الهجرة إلى المدينة وبعد إحساس الرسول بالأمن والابتعاد عن مكة مر النبي وصاحبه بخيمة أم معبد ، وأم معبد الخزاعية هي عاتكة بنت خويلد بن خالد، كانت امرأةً عجوزاً كبيرةً، تُسقي وتطعم من يمر بها في طريق المسافرين وتكرم الضيوف .

وفي قصة أم معبد معجزة ظاهرة للنبي، و صورة صادقة للمرأة العربية في عفتها وشهامتها، ومروءتها، وكرمها، وبلاغتها وفصاحتها، فقد وصفت سيدنا رسول الله بما يعجز عنه بيان غيرها.

روى البيهقي وغيره (2) عن أخي أم معبد حبيش صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: لما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومعه أبو بكر، وعامر بن فهيرة، وابن أريقط يدلهم على الطريق مرّوا بقديد – على أم معبد: عاتكة بنت خالد بن خليد (3) الخزاعية، وكانت برزة (4) ، جلدة (5) ، تحتبي بفناء القبة (6) ، ثم تسقي وتطعم من يمر بها، وكان القوم مرملين (7) مسنتين (8) ، فسألوها: هل عندها لبن أو لحم يشترونه منها فلم يجدوا عندها شيئا، وقالت: والله لو كان عندنا شيء ما أعوزكم القرى (9).

فنظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى شاة في كسر الخيمة (10) خلّفها الجهد (11) عن الغنم، فسألها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هل بها من لبن» ؟ فقالت: هي أجهد من ذلك، فقال: «أتأذنين لي أن أحلبها (12) ؟ فقالت: نعم بأبي أنت وأمي إن رأيت حلبا (13) فاحلبها، فدعا بالشاة فاعتقلها (14) ، ومسح ضرعها- وفي رواية وظهرها- وسمّى الله- وفي رواية: ودعا لها في شائها- فتفاجّت (15) ، ودرّت، ودعا بإناء يربض (16) الرهط، فحلب فيه ثجا (17) ، وسقى القوم حتى رووا، وسقى أم معبد حتى رويت، ثم شرب اخرهم وقال: «ساقي القوم اخرهم شربا» ثم حلب فيه مرة أخرى فشربوا عللا بعد نهل (18) ، ثم حلب فيه اخرا، وغادره عندها. وفي رواية أنه قال لها أن «ارفعي هذا لأبي معبد إذا جاءك» – ثم ركبوا، وذهبوا.

فقلما لبث أن جاء أبو معبد (19) زوجها يسوق أعنزا عجافا (20) ، يتساوكن هزلا (21) لا نقي بهن «(22) ، فلما رأى اللبن أبو معبد عجب، وقال: ما هذا يا أم معبد؟ أنّى لك هذا؟! والشاء عازب، حيال (23) ولا حلوب (24) بالبيت، فقالت: لا- والله- إلا أنه مرّ بنا رجل مبارك فمن حاله كذا، وكذا (25) ، فقال: صفيه يا أم معبد، فقالت:رأيت رجلا ظاهر الوضاءة (26) ، مبلج الوجه (27)، حسن الخلق (28)، لم تعبه ثجلة (29)، ولم تزر به صعلة (30)، وسيم قسيم، في عينيه دعج (31)، وفي أشفاره وطف (32) ، وفي صوته صحل (33) ، أحور (34) ، أكحل (35) ، أزج (36) ، أقرن (37) ، شديد سواد الشعر، في عنقه سطح (38) ، وفي لحيته كثاثة (39) ، إذا صمت فعليه الوقار، وإذا تكلم سما وعلاه البهاء، وكأن منطقه خرزات نظم يتحدرن (40) ، حلو المنطق، فصل (41) ، لا نزر (42) ، ولا هذر (43) ، أجهر الناس (44) ، وأجمله من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب (45) ، ربعة لا تشنؤه (46) من طول، ولا تقتحمه (47) عين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا، له رفقاء يحفّون به (48) ، إذا قال استمعوا لقوله، وإذا أمر تبادروا لأمره (49) محفود محشود (50) ، لا عابس، ولا مفنّد (51) .فقال أبو معبد: هذا والله صاحب قريش، لو رأيته لاتّبعته، ولأجهدنّ إن وجدت إلى ذلك سبيلا (52) .

مكافأة النبي لأم معبد

وقد روي أنها كثرت غنمها ونمت حتى جلبت منها جلبا إلى المدينة، فمر أبو بكر، فراه ابنها فعرفه، فقال: يا أمه هذا الرجل الذي كان مع المبارك، فقامت إليه فقالت: يا عبد الله من الرجل الذي كان معك؟ قال: أوما تدرين من هو؟ قالت: لا، قال: هو نبي الله، فأدخلها عليه، فأطعمها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأعطاها-

وفي رواية: فانطلقت معي وأهدت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا من أقط ومتاع الأعراب، فكساها وأعطاها، قال: ولا أعلمه إلا قال: وأسلمت.