للحديث النبوي الشريف شروطه وقواعده المحررة في كتب ومصنفات علم الحديث، والتي بها يعرف درجة الأحاديث بين ما هو مقبول من غيره، وتبرز عصارة قواعد الحديث عملية في كتب السنة الحاوية للأحاديث أو نحوها، حيث يرد الحكم فيها على الحديث أحيانا مبينا درجته صحة وضعفا أو قبولا وردا، ويعلم ذلك من طريقين:
أحدهما: بالنص الصريح من أئمة الحديث
ثانيهما: الحكم على الحديث بطريقة غير صريحة
يمكن تقسيم هذا النمط من الحكم إلى قسمين:
القسم الأول: نصوص الأئمة الصريحة على الأحاديث بعينها،
ويرد هذا القسم كثيرا في أثناء كتب القواعد والأصول الحديثية المفردة في بيان حال الراوي والمروي، وأبرزها:
1- كتب السؤالات، وهي الكتب التي اعتنت بجمع أجوبة أئمة النقاد على أسئلة تلاميذهم في قضايا حديثية متنوعة، وهي منثورة ومتفرقة في هذه الكتب غير مبوبة ولا مرتبة، حيث توجد من هذه الأجوبة ما تتعلق بالكشف عن أحوال الرواة من حيث العموم، أو ما تتعلق بالكشف عن حكم الحديث ردا أو قبولا، ومن أشهر كتب السؤالات: “سؤالات أبي داود للإمام أحمد” و”سؤالات ابن أبي شَيْبَة، لعلي بن المَديني” و”سؤالات ابن الجنيد لأبي زكريا يحيى بن معين” و”سؤالات الترمذي للبخاري” ولهذه الكتب أسماء أخرى.
مثاله: قال ابن الجنيد الختلي -في سؤالاته لابن معين (ص327، 328) -: سألت يحيى بن معين عن الهذيل بن الحكم، فقال: «قد رأيته بالبصرة، وكتبت عنه، ولم يكن به بأس»، قلت: ما روى عن عبد العزيز بن أبي رواد، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي -ﷺ-: (موت الغريب شهادة) ؟ قال يحيى: «هذا حديثه الذي كان يُسأل عنه، ليس هذا الحديث بشيء، هذا حديث منكر»
2- كتب الجرح والتعديل، وهي الكتب التي تخصصت في بيان عدالة النقلة وضبطهم، أو بيان الطعن الموجه فيهم أو في نقولهم، وهي على أنواع متعددة، ومن أشهرها: كتاب “الجرح والتعديل لابن أبي حاتم” و”الضعفاء الكبير للعقيلي” و”الكامل لابن عدي”.
مثاله: قول ابن أبي حاتم لأبيه- العلل 2/399-: وسألت أبي عن حديث رواه برد ابن سنان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، عن النبي ﷺ: أنه كان يصلي، فاستفتحت الباب، فجاء النبي ﷺ ففتح الباب، ومضى في صلاته. قلت لأبي: ما حال هذا الحديث؟
فقال أبي: لم يرو هذا الحديث أحد عن النبي ﷺ غير برد، وهو حديث منكر، ليس يحتمل الزهري مثل هذا الحديث، وكان برد يرى القدر”.
3- كتب العلل؛ وهي الكتب التي احتوت على أخطاء الرواة الثقات الحديثية وأحاديثهم المعلة، ومن أشهرها: كتاب “التمييز للإمام مسلم” و”علل ابن أبي حاتم” و”العلل الكبير والصغير للترمذي”، و”العلل لأبي بكر الخلال”، و”علل الدراقطني”
مثاله في العلل الكبير (1/21): قول الترمذي سألت أبا عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري عن حديث مالك بن أنس… عن عبد الله الصنابحي أن رسول الله ﷺ قال: «إذا توضأ العبد فتمضمض خرجت الخطايا من فيه» فقال البخاري: مالك بن أنس وهم في هذا الحديث، وهذا الحديث مرسل” ثم بين موضع علة الانقطاع.
وهذه الكتب وإن كانت لا يقصد منها بيان درجة الحديث أصالة، لكنها مليئة بنقولات دقيقة ونفيسة في نقد الحديث سندا ومتنا قبولا وردا.
القسم الثاني: هو أن يلتزم المصنف في الحديث بذكر حكم كل حديث يورده في كتابه، وهذا القسم على أنواع منها:
1- الكتب التي كانت على رسم الأبواب أو التراجم، حيث يذكر المؤلف حديث الباب أولا ثم ينص على درجته صحة وضعفا، وأشهر من عرف بهذا المنهج هو الإمام الترمذي حيث لا يكاد يخلو كتابه الجامع من الحكم على كل حديث فردا فردا، وقد حذا الإمام أبو بكر البزار هذا الحذو في مسنده، وكذا الإمام الدارقطني في سننه في الغالب.
2- الكتب التي ألفت من أجل كشف علة كل حديث على حدة، مثل الكتب المؤلفة في بيان علل الحديث أو في الأحاديث الموضوعة، كتذكرة الموضوعات لمحمد بن طاهر المقدسي، وكتاب الأباطيل الموضوعات من الأحاديث المرفوعات للجوزقاني، وكتاب الموضوعات وكتاب العلل المتناهيه في الأحاديث الواهية كلاهما لابن الجوزي.
3- كتب التخريج التي فيها عزو كل حديث لمصدره مع بيان درجته من حيث القبول أو الرد، وتعنى بتخريج حديث موضوع معين، أو بتخريج أحاديث مصنف معين إما في الفقه أو التفسير أو العقيدة وغير ذلك.
يتم تخريج الحديث بشتى الطرق لكي يتبين حكمه، ومن أشهر المصنفات في هذا الباب: “نصب الراية لأحاديث الهداية” و”تخريج أحاديث الكشاف” كلاهما لجمال الدين الزيلعي. و”المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار” للإمام عبد الرحيم العراقى، و”التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير” للإمام الحافظ ابن حجر، وله أيضا يد بيضاء في “نتائج الأفكار في تخريج الأذكار للنووي”.
وهذه الكتب تعد من مظان مهمة لمعرفة الحكم الصريح على درجة الحديث تصحيحا وتضعيفا، قبولا وردا.
ثانيهما: الحكم على الحديث بطريقة غير صريحة
هناك صنف من الحديث لا ينص على حكمه صراحة، واحدا تلو الآخر، لكن تعرف صحته من عدمه، بوجوده في كتاب اشترط مؤلفه فيه صحة النقل مثلا، فيكون التصحيح هنا تصحيحا ضمنيا والتزاميا، مثل الكتب الموسومة بالصحاح، وفي مقدمتها الصحيحان لكل من الإمام البخاري والإمام مسلم، وما أودعه ابن خزيمة وابن حبّان وابن السكن في صحاحهم، والحاكم في المستدرك، والضياء المقدسي في المختارة وغيرهم.
وهذه الكتب مظنة الأحاديث المحكوم عليها بالقبول عند أصحابها بالجملة، وإن كانت في الواقع الحديثي النقدي أن جميعها دون مرتبة الصحيحين في الصحة، ولم ترتق إلى مرتبتهما، مع وجود الأحاديث المقبولة فيها بالكثرة؛ لا سيما صحيح ابن خزيمة ثم صحيح ابن حبان… فالمستدرك هو أدنى هذه الكتب منزلة عند أهل العلم بالحديث.