تقدم الكتب والروايات العظيمة تجربة فريدة ومفيدة للقراء وتساعدهم على تطوير ذاتهم عبر استعراض تجارب العالم من خلال قصص الآخرين، وتذكرنا بأن التجربة الإنسانية متشابهة بغض النظر عن اختلاف الجغرافيا أو الزمن.

الكتب والروايات العظيمة تحثنا على التفكير العميق وحكاياتها بمثابة أجراس تحذيرية ، وستتحقق الفائدة المرجوة إذا طبقت الدروس المستفادة على واقع حياتنا. 

علاوة على ذلك ، تذكرنا الروايات العظيمة بأن التجربة الإنسانية متماثلة بغض النظر عن اختلاف الجغرافيا أو الفترة الزمنية. كما أنها تحسن مهارات التفكير والتي ستساعدنا على تخطي الظروف الصعبة إذا مررنا بها في يوم ما.

في هذه المقالة، نناقش خمسة كتب وروايات رائعة يجب أن تدفعنا للعمل أكثر على إصلاح أنفسنا.

الإخوة كارامازوف

درس في الحياة: مسؤولية وجود الشر مشتركة

تنبض روايات فيودور دوستويفسكي بواقعية الحياة البشرية وتركيبتها المعقدة وصراعاتها المختلفة ضمن سياق تاريخي، وتزامنت مع الاضطرابات الاجتماعية الروسية في القرن التاسع عشر.

تحكي الرواية قصة أب وأبنائه الثلاثة وهم يتنقلون في أحد أكثر العصور المحورية في تاريخ روسيا. الرواية هي جزء من لغز جريمة قتل شريرة وتكشف مدى تورط ثلاثة أبناء في قتل والدهم بصورة غير معقولة.

يفضل الابن الثاني الفيلسوف والمفكر الدخول في نقاشات فلسفية بإفراط زائد ، وتعكس تجربته المخاوف العميقة حول الإنسانية والحرية والخير والشر والتي أصبحت سمة الحياة الحديثة.

الأفكار الرئيسة في الرواية جذورها قادمة من التعاليم الأرثوذكسية التي تهتم بالمسؤولية الجماعية، مما يعني أن الكل مساهم بشكل ما في تدمير أو إصلاح عالمنا، وهو ما قد يتعارض مع الأفكار الغربية المرتكزة على تقديس الفردية والفردانية.

ويصور دوستويفسكي الصعود والهبوط في التجربة الإنسانية المشتركة متأثرا بالتحولات التاريخية في روسيا ،، ويذكرنا بأن لدينا أيضا القدرة على تغيير مسار الأحداث .

تشير خاتمة الرواية إلى أن شرارة الحقيقة موجودة في كل واحد منا وستكفي لإشعال الرغبة في الخير والصدق والقيم النبيلة .

الأشياء تتداعى

درس في الحياة: كن مرنًا وعمليًا .. لا جامدًا

في كتاب ” أشياء تتداعى  ” يأخذنا الكاتب النيجيري تشينوا أتشيبي ( Chinua Achebe ) إلى صراع رجل مع نفسه وفي ذات الوقت يشهد تحول مجتمعه أمام عينيه.

تتابع القصة حياة “أوكونوكو”، البطل والزعيم المحلي الذي يحظى باحترام كبير من قبل شعب الإغبو والذي يعيش في منطقة يوموفيا بنيجيريا، وهم شعب يمتلك عادات وتقاليد إفريقية خاصة ويفتخرون بالتمسك بها ..

يراقب “أوكونوكو” بحزن انقلاب أحوال مجتمعه مع تنامي تأثير المستعمر على أبناء شعبه، وتسرد الحكاية بعض التفاصيل حول تقاليد شعب الإغبو الغنية قبل الاستعمار ، وما حل بها بعد ذلك مع تساقط رؤساء القبائل، في مقابل صمود “أوكونكو” محاولا الحفاظ على تقاليد شعبه وطريقة حياتهم.

وفي النهاية ، يدرك “أوكونوكو” أن مسار الأمور بات بعيدا عن تطلعاته، وأن مجتمع الإغبو ذاهب للضياع والتشتت.

رفض بطل رواية أتشيبي قبول فكرة أن المجتمعات لها ديناميكية وقابلة للتغيير باستمرار، كما رفض الاعتراف بأن صورته المثالية لتقاليد الإيغبو يشوبها أيضا بعض الممارسات التي تجرد الآخرين من إنسانيتهم.

قادت شجاعة المحارب “أوكونوكو” وكراهيته للاستسلام والضعف إلى أقصى مدى لكنه فشل في إدراك أن عامل الوقت يزيل الحدود الصلبة لأفعالنا الفردية ، ويجعلها تسير مع تيار التاريخ المستمر.

رؤيا

درس في الحياة: ربما المشكلة تكمن فيك أنت !

” رؤيا ” هي مجموعة قصصية للكاتبة الأمريكية فلانيري أوكونور (Flannery O’Connor ) تحومها ظروف القلق التي تقودها لحالة من الصدمة في التفكير ومن العدمية السائدة. أبطال القصص هم من المسيحيين المحافظين لكن محاولاتهم الظاهرية لفعل الخير تتناقض مع غرورهم الداخلي العميق، حيث تختبئ شخصيات القصص ببراعة وراء تقاليد وسلوكيات مجتمعية خاصة بجنوب الولايات المتحدة، بينما الحقيقة هي تخدم شهواتهم الذاتية، وسعت أوكونور من خلال الرواية إلى إحداث هزة نفسية لدى القارئ بسبب هذا التناقض.

تتعرض امرأة محترمة وواعية من الطبقة الرفيعة للاعتداء بشكل غير متوقع من قبل فتاة مراهقة لم يعجبها حالة غرور هذه المرأة مما أدى إلى تدمير صورتها الاجتماعية لفترة من الزمن.

توضح لنا القصة أن صدمة الإهانة جعل “سيدة الطبقة الرفيعة” تراجع ذاتها، فبالرغم من أدبها العالي إلا أنها شعرت بسوء سلوكها وبتأنيب ضميرها الداخلي.

محور القصة يركز على العقاب كعامل مساعد للاعتراف بالحقيقة، والبدء في استجواب ومراجعة الآراء “المتعالية” والمنغلقة حول نفسها.

المسيح المسكين في بومبا

درس في الحياة: نتعامى عن الألم الذي نلحقه بالآخرين لأننا لا نستطيع تجاوز معاناتنا

يحكي الكاتب الكاميروني مونغو بيتي (The Poor Christ of Bomba ) أحداث قصة جرت في غابات الكاميرون عندما كانت تحت الاستعمار .. بطلها أب كاثوليكي فرنسي يكتشف عدم جدوى فرض المعتقدات أو الممارسات على الآخرين. أقام الكاهن الفرنسي مخيما لتدريب الفتيات المقبلات على الزواج عبر عمل النساء في مهام مختلفة، بهدف تعلم عدة دروس أخلاقية قبل السماح لهن بالزواج.

لكن الحقيقة هي سلسلة من الاكتشافات المروعة بأن الكاهن استخدمهن لأغراضه الخاصة، وهدفه الفاضل تضاءل بسبب غروره وغرور من حوله وأطماعهم الضيقة. 

تكشف القصة من خلال شخصياتها ازدواجية البشر ، حيث وجدوا أنفسهم ضحايا للنظام الاستعماري ولأطماع من حولهم، وتُظهر الطبيعة المزدوجة لأفعالهم أنهم على الأرجح مثل الكثيرين منا ، يصيبهم العمى فقط عن المعاناة التي يلحقونها بالآخرين لأنهم لا يستطيعون رؤية آثار ما تسببوا فيه.

يذكرنا الكاتب بيتي أن التأرجح بين الضحية والشرير أسهل مما نعتقد، وتقع مسؤولية فتح أعيننا على الحقيقة على عاتقنا ، لذلك يجب الاهتمام بالآخرين في سعينا لتحقيق العدالة.

فاوست

درس في الحياة: الشغف اليومي لتصبح شخصًا أفضل لا ينتهي أبدا.

” فاوست” قصة ألمانية خيالية تحكي قصة سعي عالم محبط لتجاوز قمة المعرفة البشرية كتبها يوهان فولفجانج فون جوته مستوحاة من ملحمة في القرون الوسطى حيث تبيع الشخصية الرئيسة روحها للشيطان في محاولة لتجاوز حدود التجربة الإنسانية.

بطل القصة هو الدكتور فاوست الذي كان يعيش وحيدًا، وورث أموالاً طائلة فاستثمرها على العلم والتعلّم وقراءة الكتب والتبحر في شتى أصناف العلوم ..بعد مرور العديد من السنوات بدأت تظهر عليه علامات الكبر، وشعر بأنه قد أضاع سنوات شبابه في علوم لا فائدة منها، وفي أحد الأيام بعد أن بدأ هذا الرجل يشعر بتقدم العمر ظهر له الشيطان وأخبره فاوست بأنه قد أضاع شبابه في علوم غير مفيدة، فعرض عليه مقايضة روحه الشريرة على أن يعيد إليه شبابه بشرط أن يبرم اتفاقا، فوافق وبدأ فاوست عيش حياة مختلفة مليئة بالإجرام وإزهاق الأرواح والآثام ، وانتهت بنهاية الشيطان لعدم استطاعته تنفيذ ماتم الاتفاق عليه مسبقا.

يدور الموضوع الرئيس للقصة حول مفهوم أن الحياة هي سعي مستمر ورحلة بحث واكتشاف ، مما يعني أننا يجب أن نستمر في العمل على تحسين أنفسنا وتطوير ذواتنا، واتضح ذلك من خلال حاجة الدكتور فاوست المستمرة للتعلم والقيام بتجربة المزيد. تعلمنا حكاية جوته أيضا أن من واجبنا معرفة سبب وجودنا، والاستمرار في طرح الأسئلة المهمة ، وتأمل ذواتنا، والتعلم من الآخرين.

المغزى من قصة فاوست الذي أراد جوته إيصالها أن الإنسان يجب عليه أن يعيش الحياة بتوازن والاستمتاع بكل مراحلها، بين الجد والهزل. كما أن الشيطان يسعى دائما إلى تزيين الأعمال السيئة كي يقترفها الإنسان، لكن في النهاية يعود إلى صوابه ويحارب من أجل الأشياء التي أحبها في هذه الحياة، لأن سعيه الدؤوب للبحث والاكتشاف ستقوده إلى إدراك أن الكون كله (حتى جانب الشر فيه) يعمل من أجل الخير.

ما الذي يجعل الكتب العظيمة رائعة؟

تتميز الكتب العظيمة عادةً بأمرين: العالمية والخلود. كما تظهر هذه القصص الخمس ، اختفاء السياق التاريخي حيث تتجاوز التجربة الإنسانية الزمان والمكان والموقع الجغرافي.

علاوة على ذلك ، يمكن أن تساعدنا الكتب العظيمة في إعادة ترتيب فهمنا للعالم – أو كما وصفها الناقد الأدبي هارولد بلوم- فهي تشجعنا على “إعادة ترتيب أثاث حياتنا بشكل دائم” لأنها لديها قدرة التأثير على كل جانب من جوانب حياتنا.

هذه الكتب والروايات ستجعلنا نجمع بين التفكير والنقد والواقعية والحذر والشعور الإنساني، وتساهم في بناء شخصيات مميزة وفعالة، وسينعكس ذلك في إثراء وتحسين عمل المؤسسات والمجتمعات والأمم بشكل أفضل.

نديدي أكهارا