(وَإِذۡ یَمۡكُرُ بِكَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لِیُثۡبِتُوكَ أَوۡ یَقۡتُلُوكَ أَوۡ یُخۡرِجُوكَۚ وَیَمۡكُرُونَ وَیَمۡكُرُ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَیۡرُ ٱلۡمَـٰكِرِینَ)
[سورة الأنفال 30]
بيان ناصع محكم مبين، عبر عن مكرهم فقال : ويمكرون. بصيغة الحدوث والتجدد بتجدد وسائل المكر وإمكاناته المتنوعة بتنوع الزمان والمكان، وغيبهم في المكر بالضمير دون الاسم الظاهر في المقال، إيحاء بخفاء المكر من جهة وضعفه من جهة أخرى كضعف الضمير أمام الاسم الظاهر في المقال إذ أبرز اسمه العظيم في إسناد المكر ومقابلته لمكرهم ( ويمكر الله) ولم يقابل الإضمار بالإضمار فيقول: ويمكرون ونمكر، ثم كرر الاسم الظاهر دون الاكتفاء بإعادة الضمير عليه كما هو متوقع في هذا السياق فيكون: ويمكر الله وهو خير الماكرين؛ استحضارا لعظمته جل جلاله في إحداث الفعل وإسناده إليه، وإمعانا في طمأنة نفوس المؤمنين، وإشاعة عظمة هذا المكر الصادر منه بموجب ألوهيته للكون؛ فيحرك كل الكون لمكره في ملكوته بموجب جبروته وعظمته فانظر أين مكرهم من مكر الله!
ثم زاد في دقة التعبير وتأكيده بأن قابل مكرهم الحادث المتجدد الضعيف المكشوف له الذي ليس فيه خفاء بمكره المتجدد بالجملة الفعلية، كلما تجدد منهم مكر قابله بمكره العظيم، ثم انتقل التعبير على سبيل التأكيد والاحتراس، بوصف مكره بصفة الخيرية على سبيل الثبات والديمومة إذ قال : والله خير الماكرين.
وهل إبطال مكر شياطين الإنس والجن بمكر الله إلا خير كله فالمكر بمكر الشر خير كله، بل هو أبرز مظاهر الخيرية وأعظم صفاته العلية بموجب ألوهيته في إقامة العدل في ملكوته والانتقام من أباطرة المكر الظالمين، وإذا كان المكر هو الفعل بخفاء، فأي مكر في ملكه وخلقه يخفى عليه سبحانه وتعالى!
ثم إنه جل جلاله بعظمته وقدرته قد تولى بنفسه رد مكرهم بمكره العظيم الذي ينفعل له الكون كله فيغدو مكرهم نفسه في الفعل والأداة مكرا عليهم وهذا لايكون إلا في قدرة الله وحده جل في علاه.