اشتهر الصحابي الجليل عمرو بن العاص بالدهاء والحيلة وحسن التصرف في المواقف، حيث كانت العرب تقول: “معاوية للمعضلة وعمرو للبديهة، والمغيرة بن شعبة لكل صغيرة وكبيرة”، وقيل عن دهاء عمرو بن العاص بأنه “كان داهية العرب رأيا وحزما وعقلا ولسانا”.
الصحابي الجليل عمرو بن العاص – رضي الله عنه – هو أحد فرسان قريش وأبطالها، وأذكى رجال العرب، وأشدهم دهاء وحنكة وحيلة، وكان إسلامه قبيل فتح مكة، وعرف عنه أنه مجاهدا شجاعا يحب الله ورسوله، ويعمل على الدوام لرفع لواء الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، وكان رسول الله يحبه ويوليه العديد من المهمات وقيادة الجيوش، ويقول عنه : “عمرو بن العاص من صالحي قريش ، نعم أهل البيت أبو عبد الله ، وأم عبد الله ، وعبد الله”.
أسلم عمرو بن العاص قبيل فتح مكة، وقال: ما رفعت بصري في وجه النبي صلي الله عليه وسلم حياء منه. ومن جميل كلامه: “والله لا أملّ دابتي ما حملتني ، ولا ثوبي ما وسعني، ولا زوجتي ما أحسنت عشرتي، إن الملال من سيء الأخلاق”. وكان يقول: “ليس العاقل من عرف الخير من الشر، ولكن العاقل من عرف خير الشرّين”.
وكان الفاروق عمر بن الخطاب يحبه ويعجبه منطقه، وعندما كان يري رجلا لا يحسن الكلام كان يصكّ فاه، ويقول: “سبحان الله إن الذي خلق هذا خلق عمرو بن العاص”.
ما معنى الدهاء؟
والداهية: اسم، الجمع : أدهياء و دواهٍ. ويقال رَجُلٌ داهيةٌ: أي عاقل، جيّدُ الرأي بصيرٌ بالأمور. كما أن الدَّاهيةُ : هي بَلِيَّة، مُصيبةٌ وأمرٌ منكر عظيم. ويقال : فليذهب في داهية: اي فليذهب إلى جهنّم.
والدهاء ليس قرين العلم والفقه والقضاء، فقد يجتمع معهم، وقد لا يجتمع.وقد اشتهر العرب قديما بحيلهم في الطب والفقه والهندسة والسياسة، وتعددت مؤلفاتهم التي تتناول هذا المجال حتى تجاوزت المئات. ولقد امتدح القدماء محاسن الحيل، وأثنوا عليها، وبيّنوا الفرق بينها وبين خدع المحتالين، فليس المقصود بالحيل هنا تلك الوسائل الملتوية، والطرق الخبيثة التي يتبعها الدجالون في نهب أموال الناس، وتزوير حقائق الأمور، بل المقصود من لفظ الحيل والدهاء هو إعمال الفكر، وتشغيل العقل، واستخدام الحكمة، للخروج من مأزق معين، أو لحل مشكلة ما.
الحيلة والدهاء في الإسلام
يقول الأستاذ محمد فتحي النادي أن القرآن الكريم ذكر طرفًا من استخدام الحيلة في قصة سيدنا يوسف -عليه السلام- مع إخوته، عندما وضع صواع الملك في رحل أخيه، وأذن مؤذن من جنود سيدنا يوسف: {أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} (يوسف: 70).يقول عز وجل: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} (يوسف: 76).
قال القرطبي: “وفيه جواز التوصل إلى الأغراض بالحيل إذا لم تخالف شريعة، ولا هدمت أصلاً، خلافًا لأبي حنيفة في تجويزه الحيل وإن خالفت الأصول، وخرمت التحليل.
وقد استفاد رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- من احتيال نعيم بن مسعود في غزوة الأحزاب، وقد أفشل الله بكيده وتدبيره مسعى قريش وغطفان ويهود. فكانت الهزيمة في معركة الأحزاب بالحيلة والدهاء، وليس السيف هو الذي حسم المعركة، بل إن السيف لم يكد يُستخدم فيها.
والحقيقة، هناك شخصيات عديدة اشتهرت بالحيلة والدهاء في التاريخ العربي القديم، ويقال إن دهاة العرب الكبار أربعة: معاوية بن أبي سفيان، عمرو بن العاص، زياد ابن أبيه والمغيرة بن شعبة. ويروى أن الأصمعي قال: “كان معاوية ـ رحمه الله ـ يقول: أنا للأناة، وعمرو للبديهة، وزياد للكبار والصغار، والمغيرة للأمر العظيم”.
وقال الشعبي: “القضاة أربعة: أبو بكر، وعمر، وابن مسعود، وأبو موسى. والدهاة أربعة: معاوية، وعمرو بن العاص، والمغيرة، وزياد”. وقال الزهري: “الدهاة خمسة: معاوية وعمرو والمغيرة، واثنان مع علي وهما قيس بن سعد بن عبادة وعبد الله بن بديل بن ورقاء”.
ويبدو أنه لا أحد من العرب قديما ومن القضاة أو المؤرخين للتاريخ الإسلامي، يمكن أن يسهو أو يغفل عن ذكر عمرو بن العاص في مقام الحديث عن الدهاء، فقد اتفق الجميع أن عمرو بن العاص هو “داهية العرب” بلا منازع، لما عرف عنه من حسن تصرف وذكاء، فما كان يتعرض إلى أي مأزق حتى كان يتمكن من الخروج منه، وذلك بأفضل الحلول الممكنة، فكان من أكثر رجال العرب دهاء وحيلة.
فمن هذا الرجل الذي لم يكن فقيها أو عالما ليحظى بهذه المكانة الخاصة؟
من هو عمرو بن العاص؟
ولد عمرو بن العاص في الجاهلية، والده العاص بن وائل أحد سادة العرب في الجاهلية، شرح الله صدره للإسلام في العام الثامن من الهجرة، ومنذ ذلك الحين كرس عمرو حياته لخدمة المسلمين، وقام الرسول ﷺ بتوليته قائدا على الكثير من البعثات والغزوات، فكان احد القادة في فتح الشام ويرجع له الفضل في فتح مصر.
كان عمرو بن العاص أحد دهاة العرب، عُرف عنه ذكاء لم يسبق له مثيل بين جميع قادة المسلمين. وسبب تسميته بداهية العرب أنه كان واسع الحيلة في تدبير الأمور، وهناك الكثير من القصص التي وصفته كأسطورة، حتى أن عمر بن الخطاب لقبه بـ “أرطبون العرب”. والمقصود بالأرطبون عندهم الداهيه اوالرجل المُفرض في الذكاء
دهاء عمرو بن العاص يخونه في الحبشة
ربما لا يذكر التاريخ فشل دهاء عمرو بن العاص في أي حادثة تعرض لها سواء كان ذلك في الجاهلية أو في الإسلام، فقد تمكن عمرو من الخروج من كل المآزق والمشكلات التي وقع بها بفضل حيلته وذكاءه. لكن دهاء عمرو بن العاص خانه في موقف سجله التاريخ الإسلامي بكل تفاصيله، ولا يزال هذا الموقف شاهدا على أن عمرو بن العاص الذي نجح في كل المهمات الصعبة التي أوكلت إليه قبل الإسلام وبعده، حيث فشل في مهمة كلفه بها سادة قريش قبل إسلامه، وهي عندما ذهب خلف مجموعة من المهاجرين المسلمين الذين لجؤوا إلى الحبشة، حين أرسلته قريش لردهم إلى مكة. حيث فشل – رضي الله عنه- في مهمته مع النجاشي أمام قوة و عظمة و صدق الإيمان.
كانت هذه الحادثة من أبرز مواقف عمرو بن العاص ضد المسلمين في جاهليته، حيث سافر إلى الحبشة، معتمدا على ذكاءه ودهاءه ومحمَّلا بالهدايا إلى النجاشي (ملك الحبشة)، ليقنعه بتسليمه أولئك المهاجرين المسلمين. لكن النجاشي وبعد أن استمع للطرفين رفض أن يسلمهم إياه، وقال: “انطلقا فوالله لا أسلمهم إليكم أبدًا”.
لكن دهاء عمرو بن العاص كان يغلي في عروقه، فعندما خرجا من بلاط الملك، قال عمرو: “والله لأنبئنَّه غدًا عيبهم، والله لأخبرنَّه أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبد”. لكن النجاشي وبعد أن تلى على مسامعه أحد المهاجرين، وكان جعفر بن أبي طالب، ماجاء في القرآن الكريم عن سيدنا عيسى عليه السلام ومريم العذراء..ضرب يده على الأرض وقال: “والله يا عمرو لن أسلمكم هؤلاء ولو بجبل من ذهب” ثم قال لعمرو بن العاص: “يا عمرو، كيف يعزب عنك أمر ابن عمك؟ فو الله إنه لرسول الله حقًا”، قال عمرو: أنت تقول ذلك؟ قال: أي والله، فأطعني”، فخرج عمرو من الحبشة قاصدا المدينة، وكان ذلك في شهر صفر سنة ثمان من الهجرة، فقابله في الطريق خالد بن الوليد وعثمان بن طلحة، وكانا في طريقهما إلى النبي ﷺ فساروا جميعا إلى المدينة، وأسلموا بين يدي رسول الله، وكان النجاشي قد أعلن إسلامه هو الأخر.
ست قصص في دهاء عمرو بن العاص
كان عمرو بارعا في القتال ويحسن المراوغة والخداع اللذين لا يخلوان من الذكاء وابتكار الحيل في فن المعارك. وهذه بعض القصص التي تبين دهاء عمرو بن العاص وفطنته وذكاءه، خاصة في المواقف الحرجة التي تتطلب حلولا فورية.
1- القصة الأولى: داء قطّاع الطرق
يحكى أنه في أحد الأيام بينما كان عمرو بن العاص في الطريق إلى المدينة لوحده اعترضه جماعة من قطاع طرق، وأمسك زعيمهم بتلابيبه. لم يكن قطاع الطرق يعرفون هوية الرجل الأسير، بل كانوا يهمون بسلبه وقتله كائنا من يكن، لكن عمرو استوقفهم قائلا: “توقفوا. إن قتلتموني بالسيف متنا جميعا”. استغرب قطاع الطرق، وسألوه: “لماذا؟” أجابهم عمرو: “إن بي داء، فإن انتشر دمي، يموت كل من حولي”. توقفوا متبادلين نظرات حائرة، فأردف قائلا: “وما أتى بي وحدي إلى هنا إلا أني أردت الذهاب لمكان لا يكون فيه أحد، فأموت وحيدا وأوقف المرض اللعين عن العرب”. ثم سأل: “من أمسكني منكم بيده؟” فأشاروا إلى زعيمهم وقالوا: “هو زعيمنا”. فقال عمرو: “لا أبرح مكاني حتى يذهب معي، فقد مسه الداء”. هنا، توجس قطاع الطرق خيفة من زعيمهم الذي اقتنعوا أن عدوى المرض لا بد قد أصابته، وكانوا يعرفون قسوته وبطشه، ففروا منه هاربين، تاركين إياه وحيدا مع الأسير. هنا، قال عمر بن العاص لزعيم قطاع الطرق: “الآن سأريك ما الداء، ألا وهو الذكاء. إني أخاف أن تصبح أذكى مني وأنت قاطع طريق، فلا يستطيع الناس الخروج آمنين من ديارهم”. ثم هجم عليه وقتله.
2- القصة الثانية:حصن بابليون وفتح مصر
تروى قصة أخرى عن دهاء عمرو بن العاص في أثناء حربه مع الرومان في مصر، إذ دعاه قائد “حصن بابليون” الروماني ليحادثه ويفاوضه، بينما أعطى أمرا لرجاله بإلقاء صخرة فوقه لدى خروجه من الحصن، وأعد كل شيء ليكون قتل ضيفه محتوما.
دخل عمرو على القائد الروماني، وجرى اللقاء بينهما. حين خرج عمرو في طريقه للانصراف إلى خارج الحصن، لمح فوق الأسوار حركة مريبة أيقظت فيه حاسة الحذر، وسرعان ما تصرف بشكل مفاجئ، إذ عاد إلى داخل الحصن بخطوات وئيدة مطمئنة وملامح بشوشة واثقة، كأنما لم يفزعه شيء، ولم يثر شكوكه أمر.
دخل عمرو على القائد الروماني وقال له: “تذكرت أمرا، وأردت أن أطلعك عليه. إن معي حيث يقيم أصحابي جماعة من أصحاب الرسول السابقين إلى الإسلام، لا يقطع أمير المؤمنين بأمر دون مشورتهم، ولا يرسل جيشا من جيوش الإسلام إلا جعلهم على رأس مقاتليه، وقد رأيت أن آتيك بهم حتى يسمعوا منك مثل الذي سمعت، ويكونوا من الأمر على مثل ما أنا عليه من بيّنة”. هنا، ظن قائد الروم أن عمرو بن العاص منحه بسذاجة وغباء فرصة العمر، فصمم على أن يسايره ويوافقه على رأيه حتى إذا عاد ومعه تلك النخبة من زعماء المسلمين وخيرة رجالهم وقادتهم أجهز عليهم جميعا بدلا من أن يجهز على عمرو بن العاص وحده.
أعطى القائد الروماني بإشارة خفية أمره بتأجيل الخطة التي كانت معدة لاغتيال عمرو، وودعه بحرارة أكبر من السابق. ابتسم داهية العرب وهو يغادر الحصن آمنا مطمئنا. في الصباح، عاد عمرو إلى الحصن ممتطيا صهوة جواده على رأس جيشه، ثم قام بفتح مصر.
3- القصة الثالثة: النار وتفريق الجمع
بعد إسلام عمرو بن العاص أولى إليه الرسول –ﷺ- مُهمة تفريق جمعاً لقضاعة، حيث كانوا ينوون غزو المدينة، فسار عمرو بسرية سُميت “ذات السلاسل”، وقد استطاع عمرو تحقيق النصر في هذه المُهمّة وتدبير شؤون المقاتلين، وخلال عودة الجيش الإسلاميّ كانوا قليلي العدد وكان الجو بارداً فأرادوا أن يوقدوا ناراً، ولكن عمرو بن العاص منعهم من ذلك، فشكوه إلى رسول الله –ﷺ- فقال عمرو للرسول حينها أنّه خشي أن يلتفت العدوّ لقلة عدد المُسلمين العائدين معه فيقومون بعمل كمين لقتالهم، ولهذا منعهم من أن يوقدوا ناراً، فما كان من الرسول –ﷺ- إلا الإشادة بعمله هذا وبحُسن تدبيرة للسريّة.
4- القصة الرابعة: بين معاوية وعلي والأشعري
التحكيم في الخلاف بين علي ومعاوية من أكثر المواقف شهرة في حياة عمرو في التحكيم وكانت فكرة أبو موسى الأشعري (المُمَثِّل لعلي ابن أبي طالب رضي الله عنه) الأساسية هي أن الخلاف بينهما وصل الى نقطة حرجة، راح ضحيتها الآلاف، فلابد من نقطة بدء جديدة، تعطي المسلمين فرصة للاختيار بعد تنحية أطراف النزاع، وأبوموسى الأشعري على الرغم من فقهه وعلمه فهو يعامل الناس بصدقه ويكره الخداع والمناورة التي لجأ اليها الطرف الآخر ممثلا في عمرو بن العاص (مُمَثِّل معاوية أبن أبي سفيان رضي الله عنه) الذي لجأ الى الذكاء والحيلة الواسعة في أخذ الراية لمعاوية.
ففي اليوم التالي لإتفاقهم على تنحية علي ومعاوية وجعل الأمر شورى بين المسلمين. دعا أبوموسى عمرا ليتحدث فأبى عمرو قائلا: ما كنت لأتقدمك وأنت أكثر مني فضلا وأقدم هجرة وأكبر سنا.
وتقدم أبو موسى وقال: يا أيها الناس، انا قد نظرنا فيما يجمع الله به ألفة هذه الأمة ويصلح أمرها، فلم نر شيئا أبلغ من خلع الرجلين – علي ومعاوية – وجعلها شورى يختار الناس لأنفسهم من يرونه لها، واني قد خلعت عليا ومعاوية، فاستقبلوا أمركم وولوا عليكم من أحببتم.
وجاء دور عمرو بن العاص ليعلن خلع معاوية كما تم الاتفاق عليه بالأمس، فصعد المنبر وقال: أيها الناس، ان أباموسى قد قال ما سمعتم، وخلع صاحبه، ألا واني قد خلعت صاحبه كما خلعه، وأثْبِت صاحبي معاوية. ولم يحتمل أبوموسى المفاجأة، فلفح عمرو بكلمات غاضبة ثائرة فرد عليه عمرو بنفس الإسلوب الجارح.
5- القصة الخامسة:أمير المؤمنين ومتع الدنيا
كان سيدنا معاوية بن أب سفيان وسيدنا عمرو بن العاص يجلسان- في أخريات حياتهما- يتكلمان معاً، فيقول عمرو بن العاص لمعاوية: يا أمير المؤمنين: ماذا بقي لك من متع الدنيا؟ قال معاوية: أما الطعام فقد سئمت أطيبه، وأما اللباس فقد مللت ألينه، وحظي الآن في شربة ماء بارد في يوم صائف تحت ظل شجرة.
وهذه كلمة تعطي الإنسان طموحات إيمانية في الكون، فبعدما صار معاوية خليفة وأميراً للمؤمنين والكل مقبل عليه قال: حظي في شربة ماء بارد في ظل شجرة في يوم صائف أي يريد راحة البال.
ثم قال معاوية لعمرو: وأنت يا عمرو. ماذا بقي لك من متع الدنيا؟ قال عمرو بن العاص: بقي لي أرض خوارة- يعني فيها حيوانات تخور مثل البقر- فيها عين خرارة.. أي تعطي ماءٌ وفيراً لتروي الأرض، وتكون لي في حياتي ولولدي بعد مماتي، وكان هناك خادم يخدمهما اسمه (وردان). أراد أمير المؤمنين أن يلاطفه فقال له: وأنت يا وردان، ماذا بقي لك من متاع الدنيا؟ انظروا إلى جواب العبد كي تعرفوا أن الإيمان ليس فيه سيد ومسود، فقال له: حظي يا أمير المؤمنين: صنيعة معروف أضعه في أعناق قومٍ كرام لا يؤدونه إليّ في حياتي بل يرده عقبهم في عقبي.
6- القصة السادسة: رسول الخليفة ينتظر
عند زيارة عمر بن الخطاب للشام، حسن عمرو بن العاص للخليفة فتح مصر وبين له أهمية الفتح وفوائده، فاقتنع الخليفة ورجع للمدينة، بينما أسرع عمرو بن العاص يتجهيز أربعة آلاف مقاتل وتحرك بهم نحو مصر. وعندما اقترب من دخول مصر، قال له أصحابه: جاء رسول من الخليفة.
فطلب من الجيش سرعة التحرك، فظل الجيش يمشي ورسول الخليفة يركض وراءه برسالته التي يريد تسليمها لعمرو بن العاص، وعندما لحق الرسول بالجيش وطلب لقاء عمرو بن العاص اعتذر عمرو أكثر من مرة وهو لا يزال يسير بالجيش نحو مصر حتى دخل حدودها، بعدها طلب لقاء رسول الخليفة ففتح الرسالة وكبار الجيش متعجبون من تصرفه، فإذا بالرسالة تقول: إذا لم تدخل حدود مصر فارجع.
فأرسل عمرو بن العاص رسالة مع رسول الخليفة يقول فيها: لقد دخلنا مصر ونريد المدد.
وفاته
أثناء فترة خلافة عمر بن الخطاب، تُوفي يزيد بن أبي سفيان الذي كان والياً على مصر وقتها، اقترح عمرو بن العاص على الخليفة عُمر أن يذهب لمصر ليفتحها حتى يُؤمن جميع الحدود المُؤدية إلى بلاد الشام من الروم، فوافق عمر وتولّى عمرو قيادة الجيش الذي ذهب فاتحاً لمصر ونجح في ذلك.
توفّي عمرو بن العاص في مصر وقد بلغ ثمانية وثمانين عاما، ودُفن هناك في منطقة “المقطم” وضريحه موجود بالقرب من ضريح الإمام الشافعيّ حسبما ورد في التاريخ.