تعمل الهيئات المختصة في البنك الدولي منذ سنوات على صياغة آليات جديدة تعتمد أساسا على المالية الإسلامية من أجل تحقيق بعض الأهداف التنموية التى يتبناها البنك، كمحاربة الفقر وتحسين المظومة المالية وتطويرها وبناء نظام مالي مستقر وصلب للدول التى يتدخل فيها.
المالية الإسلامية برزت اليوم كأحد الأدوات الفعالة في المشاريع التنموية على المستوى العالمي، حتى في الدول غير المسلمة. معظم الأسواق المالية العالمية اكتشفت بالبراهين والدلائل فاعلية هذه المنظومة المالية الجديدة واعتبرتها جزء من المنظومة المالية العالمية. ونتيجة لهذا النجاح الذي حققته المالية الإسلامية على المستوى العالمي فإن هناك إمكانية كبيرة للاستفادة منها في تذليل بعض العقبات والتحديات التي تواجه الدول خاصة مكافحة الفقر و زيادة مستوى الرفاهية.
توسع المالية الإسلامية
عرفت المالية الإسلامية خلال العقود الماضية انتشارا واسعا وسريعا، حيث حقق نمو هذا القطاع ما بين 10 – 12% سنويا. تقدر قيمة الأصول الثابتة في قطاع المالية الإسلامية اليوم ب 2 تريليون دولار تغطي بنوك ومؤسسات مالية و وأسواق مالية، ومؤسسات تكافل وأسواق رأسمال وغيرها، وحسب تقرير البنك الدولي فإن هناك تبنيا للمعاملات المالية الخالية من الربا في عدة دول غير إسلامية منها بريطانيا، ليكزنبورغ، جنوب أفريقيا وهونغ كونغ.
من مميزات المالية الإسلامية حسب ما ذكر تقرير البنك الدولي والتي شكلت نقاط تفوق لهذه المنظومة: حماية حقوق المساهمين، استخدام الأصول الثابتة عكس الديون، قوة تحمل الإهتزازت، إضافة إلى مدى استجابة هذا النظام المالي للبيئة والنظام الاجتماعي و الاهتمام بالجانب الأخلاقي.
تعمل المالية الإسلامية على الترويج لفكرة المشاركة في الربح والخسارة من خلال الصيغة المعروفة باسم: Profit and Loss Sharing وربط القطاع المالي مع الاقتصاد الحقيقي والتركيز على تقريب الخدمات المالية وسهولتها لأصحاب الدخول المحدودة لتحقيق فوائد اجتماعية واقتصادية لهذه الطبقات.
المبادئ الأساسية للمالية الإسلامية كما بين تقرير البنك الدولي هي: تجنب الفوائد (الربا) في التحويلات المالية، يجب أن يكون التمويل مرتبط بأصول ثابتة (مادية)، تجنب الصفقات والمعاملات غير الأخلاقية (كمصانع الخمور وغيرها)، وأخيرا العوائد يجب أن تكون مرتبطة بحجم الخطر.
البنك الدولي يلجأ للمالية الإسلامية
يسعى البنك الدولي من خلال تبني المالية الإسلامية إلى تحقيق نجاحات في البرامج التنموية التى تستهدف الدول الأعضاء، حيث يتوقع البنك أن تسهم المالية الإسلامية في التخفيف من نسبة الفقر وزيادة استخدام الخدمات المالية وتطوير القطاع المالي إضافة إلى خلق نظام مالي مستقر وقادر على مواجهة الأزمات للدول المستهدفة بسياسات البنك. من خلال توسيع العمل بالمالية الإسلامية وإدخالها ضمن السياسات المعتمدة من طرف البنك الدولي لتحقيق أهدافه التنموية في الدول التى تستهدفها مشاريعه ركز البنك على النقاط الثلاثة التالية :
أولا :في مجال التنمية المستدامة فإن تبني المالية الإسلامية سيعمل على زياد معدل النمو الاقتصادي وتخفيض نسبة الفقر إضافة إلى تبني هدف الرفاهية المشتركة. يمكن للمالية الإسلامية أن تسهم بشكل إيجابي في التنمية الاقتصادية من خلال التأثير المباشر على الأصول الثابتة والاقتصاد الحقيقي (إنتاج السلع).
إن تبني سياسة الربح والخسارة المشتركة أو ما يعرف ب PLS يسهم في تشجيع الاحتياط والدعم المالي لزيادة إنتاجية المشاريع وتوفير المزيد من اليد العاملة وتحقيق انتعاش اقتصادي للسوق، فتركيز المالية الإسلامية على استخدام “الأصول الثابتة” كأساس للتحويلات والمعاملات المالية يقلل من نسبة الخطورة بشكل كبير ويجعل التعاملات المالية ذات معنى وهدف ملموس وحقيقي. وهذا يحد كثيرا من النتائج السلبية للمضاربات المالية.
ثانيا: تساعد المالية الإسلامية على ترقية القطاع المالي، وتطوير وتوسعة هذا القطاع من خلال زيادة خيارات التمويل كما تسهم في تسهيل الخدمات المالية وجعلها في المتناول. إن استخدام صيغ المشاركة في المالية الإسلامية منح فرصة كبيرة لأصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة لولوج القطاع المالي والاستفادة من خدماته. كما يمكن للمالية الإسلامية أيضا أن تساعد في تطوير القطاع الزراعي من خلال القروض الميسرة، وهو ما يسهم في تحسين وتطوير الأمن الغذائي للدول.
لهذه الاعتبارات يمكن أن تشكل المالية الإسلامية خيارا استراتيجيا للذين لا يرغبون في استخدام المعاملات الربوية نتيجة الوازع الديني. فحسب تقديرات البنك فإنه من أصل 1.6 مليار مسلم حول العالم يوجد 14% فقط منهم تستخدم البنوك. فيمكن للمالية الإسلامية أن تقلص من حجم هذه الفجوة التى أحدثها عزوف المسلمين عن التعامل مع البنوك الربوية طالما أن غير المسلمين أيضا يمكنهم الاستفادة من هذه المنظومة المالية.
ثالثا: تساعد المالية الإسلامية على تقوية و صلابة واستقرار المنظومة المالية ضد الأزمات المفاجئة. فخلال أزمة 2008 المدمرة التى هزت المنظومة المالية العالمية وتسببت في انهيار بنوك وإفلاس شركات ظلت مؤسسات المالية الإسلامية بمنأى عن هذه الأزمات تدعمها في ذلك سياسات الربح والخسارة المشتركة وتجنب المضاربات المالية القائمة على الغرر.
تدخلات البنك الدولي باستخدام المالية الإسلامية
رغم التطور السريع الذي عرفته المالية الإسلامية خلال السنوات الماضية، إلا أن تطوير وتحسين أساليب عمل هذه المنظومة لا يزال يشكل تحديا كبيرا للعاملين في هذا المجال، ويحتاج إلى المزيد من الدراسة والبحث والعمل الجاد من أجل تطوير أساليب المالية الإسلامية لتحقيق المزيد من الأهداف التنموية. البنك الدولي يدعم الدول التي يتدخل بها لتقوية القوانين والتشريعات المتعلقة بالمالية الإسلامية كما يقدم مساعدة في مجال البحث الأكاديمي و نشر الوعي بخصوص هذه المنظومة المالية.
شملت عمليات البنك الدولي باستخدام المالية الإسلامية مشاريع في كل من مصر وتركيا من خلال مساعدة حكومات هذه الدول في تصميم سياسات تمويل موافقة لمباديء الشريعة الإسلامية لتوفير التمويل للمشاريع الصغيرة والمتوسطة التى تسهم بشكل كبير في مكافحة الفقر. في يوليو 2015 وقع البنك الدولي مذكرة تفاهم مع إحدى أكبر مؤسسات المالية الإسلامية في العالم General Council for Islamic Banks and Financial Institutions ومن المتوقع أن تسهم هذه الإتفاقية في التعريف أكثر بالمالية الإسلامية وأساليب عملها على مستوى العالم.