يرى بعض المتخصصين في علوم التربية أن ضرب الأبناء للصلاة خطأ تربوي، له آثاره السلبية على الطفل، وإن لم يظهر ذلك، فهو – حسب كلامهم- يولد صراعات داخلية ، بل هو – في رأيهم- حيلة الضعيف، وكسر لكرامة الطفل.

وكما لا يخفى أن كل حكم من أحكام الإسلام، فمرده أولا إلى النصوص الشرعية التي جاءت في القرآن الكريم والسنة النبوية، ثم ما أجمع عليه فقهاء الأمة، ثم غيرها من أدلة الاجتهاد من قول الصحابي القياس والاستحسان والاستصلاح وسد الذرائع وشرع من قبلنا والعرف، ثم من مجموع قواعد الاجتهاد الفقهية والأصولية والمقاصدية.

وذلك أن الله تعالى أعلم بما يصلح حال عباده، إذا ثبت أن ذلك حكم شرعي صحيح، وعندئذ وجب على المؤمنين طاعة الأمر، وإن لم تبلغ عقولهم معرفة الحكمة من ذلك، كما قال تعالى: ﴿‌وَمَا ‌كَانَ ‌لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ [الأحزاب: 36] 

وأول شيء يطالعنا في هذه القضية الحديث المروي عن النبي بأمر الأبناء بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، وتظل النصيحة لهم هكذا دون ضرب، حتى يبلغوا عشر سنين، فإن لم يصلوا أو قصروا بالصلاة؛ كان الأمر بالضرب.

روايات الحديث والحكم عليه من جهة السند

والحديث له روايات متعددة، وهو في جملته حديث صحيح، ومن ذلك الروايات:

” مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها”، وقد رواه أبو داود في السنن (494)، والطبراني في الكبير ( 6547)، كما رواه الطبراني في السنن: 1/230، ولفظه عنده:” إذا بلغ اولادكم سبع سنين ففرقوا بين فرشهم، فإذا بلغوا عشر سنين فاضربوهم على الصلاة”.

ومن روايات الحديث: ” إذا بلغ الغلام سبع سنين فمروه بالصلاة، فإذا بلغ عشرا فاضربوه عليها”.

وهذه الرواية عند الترمذي في سننه، رقم (407)، وابن خزيمة في صحيحه، رقم: (1002)، والدارمي والطبراني وابن الجارود  والحاكم  وغيرهم.

وأشهر الروايات: ” مروا الصبيان بالصلاة لسبع سنين واضربوهم عليها في عشر سنين وفرقوا بينهم في المضاجع”.

فالحديث من رواية عمرو عن أبيه عن جده، وكذلك من رواية عبد الله عن أبيه عن جده حديث صحيح.

فهذا الحديث صححه جمع من العلماء، فقد صححه الترمذي والحاكم ووافقه الإمام الذهبي، وصححه البيهقي، وحسنه النووي.

الحديث من جهة المتن والمعنى

يوجه النبي الآباء والأمهات إلى تعليم أولادهم الصلاة وهم أبناء سبع سنين، وذلك من خلال الموعظة الحسنة والتحبيب، واستعمال كل وسائل الترغيب في الصلاة، كالهدايا وغيرها، ويظل منهج الترغيب في الصلاة للأبناء بدءا من أبناء سبع سنين حتى يبلغوا عشر سنوات، فتظل مرحلة تفرد أسلوب الترغيب أربع سنوات، أي ما يعادل (48) شهرا، أي 1440 يوما، يظل الوالد – أو الوالدة- في تحبيب الأولاد في الصلاة، ومهما قصروا لا يستعملون منهم أي وسيلة من وسائل الترهيب.

ولكن إن ظل الولد طيبة أربع سنوات مع النصح والإرشاد والتوجيه لا يستجيب للصلاة، فهنا يجمع بين أسلوبي الترغيب استمرارا عليه والترهيب، وهو التخويف، حتى يصل إلى درجة ضرب الولد عند إصراره على عدم الصلاة.

ما معنى الضرب ولماذا شرع؟

قسم العلماء الضرب إلى نوعين:
النوع الأول: ضرب تعذيب، والأصل فيه أنه حرام؛ لأنه انتهاك لكرامة الإنسان، وذلك إذا كان بغير حق، وأجازوه إن كان من باب التعزير فيما ليس فيه حد، ورأى القاضي أن الضرب في مثل هذه المخالفات رادعة للإنسان عما يتركبه من المخالفات والمحرمات، وذلك تحقيقا لمبدأ الموازنة بين المصالح والمصالح والمفاسد والمفاسد والمصالح والمفاسد، فمن يبتز البنات مثلا على وسائل التواصل، وينشر صورهن عارية ويهددهن، فإن ثبت عنه ذلك؛ فللقاضي أن يحكم بضربه وتعذيبه؛ حتى يرتدع، وإلا ترتب على تركه مفاسد أعظم.

النوع الثاني من الضرب، هو ضرب التأديب، يعني الضرب الخفيف جدا الذي لا يؤثر على جسد الإنسان، وقد ورد في موضعين: الأول: عند نشوز المرأة، بعد النصح الدائم واجتنابها وهجرها الشرعي، ويكون كما قال ابن عباس:” بالسواك ونحوه”. فهل ضرب السواك يعد ضربا كما يتصور الناس الضرب في أذهانهم؟

والموضوع الثاني: هو ضرب الأول الذي يصر على ترك الصلاة مع استمرار نصحه لمدة تزيد عن أربع سنوات، ويكون كذلك الضرب خفيفا بالسواك ونحوه.

هل ضرب الأولاد لأجل ترك الصلاة لازم؟

الجواب: إن إباحة ضرب الولد الذي يصر على ترك الصلاة مع نصحه سنوات عديدة هو علاج من ضمن العلاجات المتعددة، بحيث لا يجد الوالد حرجا في استعماله من جهة، وإن رأى أنه نافع لولده من جهة، فليس كل الأولاد مثل بعضهم، فالفطر الإنسانية متباينة، فهناك من لا يصلح معه إلا الترغيب، فلا يستعمل معه الترهيب، وهناك من لا يصلح معه الترغيب؛ فيستعمل معه الترغيب، الذي لا يخرج عن كونه أحد الوسائل التربوية، فهو دواء، والدواء هو نافع في حد ذاته، لكن ليس كونه نافعا في حد ذاته أنه يصلح لكل أحد، ونحن نرى الأدوية يصنعها الأطباء لتعارض أمراض استثنائية، ولكن هذا الدواء رغم فعاليته لا يصلح لكل أحد، ولذا، فينظر إلى الضرب باعتباره أحد الأدوية التي يمكن استعمالها، ولكن ليكن ضربا غير مبرح، فهو ليس من سبيل العقاب والأذى، ولكنه من سبيل التدريب والتأديب.

ومن يطالع علم النفس يدرك أن الناس في طبائعهم مختلفون، وقد وجدنا الله رب العالمين يستعمل مع عباده أسلوب الترغيب بالجنة ونعيمها وما أعده الله لعباده فيها تارة، وتارة أخرى يستعمل أسلوب الترهيب والتخويف، وذلك حسب الطبيعة البشرية القابلة، وذلك حفظا للنظام العام، ومقصد حفظ الصلاة أعظم من ضرب الأبناء المصرين على ترك الصلاة بعد نصحهم سنوات، وهم لا يستجيبون، وهذا يعني أن هناك خللا في سلوك الأطفال، لكن لا يعني هذا استعمال الضرب مع كل طفل يترك الصلاة.

والخلاصة:

1. الحديث في ضرب الأولاد وهم أبناء عشر لتركهم الصلاة صحيح.

2. أن الحديث أشار إلى أسلوب الترغيب أولا مدة أربع سنوات، فإن لم يجد مع الطفل الترغيب سنوات، استعمل الترغيب بالضرب.

3. أن المقصود بالضرب هنا هو الضرب الخفيف، الذي يقصد به التأديب لا التعذيب.

4. أن الضرب الخفيف هو دواء نافع في ذاته، لكن إنزاله على الوجه الصحيح يكون حسب ما يراه المربي والوالد، إن أجدى نفعا، وكان آخر الدواء الكي استعمل.

5. الحديث لا يفهم منه وجوب الضرب، فالضرب ليس بلازم على التأبيد، وإنما عند الحاجة وصلاحيته لاستقامة الطفل للحفاظ على الصلاة.