تٌعدّ الأخلاق الإسلامية من ركائز الإسلام العظيم ومن أعمدته الأساسية التي يُبنى عليها قوام هذا الدين، فمرتبة الأخلاق مرتبة سامية وهدف نبيل، بذل رسول الله كل جهده لترسيخ الأخلاق وبناءها بالشكل الصحيح حتى أنه بين أن ترسيخ الأخلاق ونشرها في المجتمعات سبباً أساسياً لبعثته وهدفاً من أهداف دعوته، قال : “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق“.

وعند الحديث عن الأخلاق الإسلامية فإن الأمر لا يتوقف على مجرد الأدب الجم والتصرفات المضبوطة فحسب، بل يتعداه لكمال الإحسان الذي يعتبر منظومة متكاملة تندرج تحتها كل الأخلاق والآداب بأبها صورها وأرقى أشكالها، فالأخلاق الإسلامية تراعي المشاعر الداخلية والأحاسيس البشرية وتهتم بحالة المسلم النفسية ولا تسمح بجرح مشاعره الإنسانية ولا الانتقاص من قيمته البشرية، فكل مخلوق –إنسان وحيوان ونبات- له قيمة ولجسده حرمه ولذاته احترام، فلا يجوز لنا أن نجعل من الحيوان هدفاً للرمي أو التدريب تلاعباً بحياته وإساءةً لقيمته، كما لا يجوز لنا تعذيبه بمنع الطعام عنه أو ضربه أو تحميله فوق طاقته أو فجعه بصغاره، كما ينبغي علينا أن نحسن ذبحه عند إراقة دمه، قال رسول الله قال : ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ، وليحد أحدكم شفرته ، وليرح ذبيحته )[1] .

بل أمر الرسول بالإحسان للحيوان وجعل ثواب الإحسان إليه الجنة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:  (بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ فَقَالَ الرَّجُل:ُ (لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنْ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ بِي فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا فَقَالَ نَعَمْ فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ)[2].

وليس من أخلاق الإسلام أن نقتلع الأشجار عبثاً أو نقتطع منها جزءاً للتسلية؛ بل أمر رسولنا الكريم بزراعتها والإحسان إليها حتى في آخر لحظات الحياة ومع اقتراب الساعة، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا)[3].

وما أجمل الأخلاق وما أرقى الآداب التي أمر إسلامنا العظيم أن نتحلى بها بين بعضنا البعض، فقد حرم الله سبحانه وتعالى كل إساءة أو انتقاص قد تصدر من المسلم لأخيه تجرح شعوره أو تنقص من قدره أو تمس شيئاً من كرامته، فقد حرم الله تعالى الهمز واللمز وشدد الإثم في استغابة المسلم لأخيه أو إيقاع النميمة بين المسلمين، ومنعهم عند المناداة من التنابز بالألقاب، كما حرم الاستهزاء بالآخرين أو احتقارهم أو السخرية منهم، وأمر بتطهير القلب حتى لا يكون هناك حسد أو بغض في علاقة المسلمين بعضهم ببعض، وحرم أيضاً كل إساءة وضرر وإيذاء يصدر من المسلم تجاه أخيه.

وما أمرنا به الشرع الحنيف هو إدخال الفرح والسرور على قلوب إخواننا، والسير في قضاء حوائجهم وجعل ذلك من أجل العبادات، وحثنا أيضاً على الدعاء لإخواننا بظهر الغيب وجعل دعاء المسلم لأخيه مستجاب، وشجعنا على خطاب إخواننا بأحب الأسماء إلى قلوبهم كي تزداد الألفة وتكثر المحبة، كما حثنا على تبادل النصح والتوجيه قال : “المؤمنُ مِرآةُ المؤمنِ”[4] ، وجعل الهدية من أركان المحبة وأسس الألفة بين المسلمين قال : ” تَهَادُوا تَحَابُّوا [5]” ، وجعل بين المسلمين أيضاً حقوقاً كثيرة وواجبات عديدة أهمها قوله : (حقُّ المسلمِ على المسلمِ ستٌّ. قيل: ما هنَّ؟ يا رسولَ اللهِ قال: إذا لقِيتَه فسلِّمْ عليه. وإذا دعاك فأَجِبْه. وإذا استنصحَك فانصحْ له. وإذا عطِس فحمِدَ اللهَ فشَمِّتْهُ وإذا مرِضَ فعُدْهُ. وإذا مات فاتَّبِعْهُ[6])، بهذا يحقق المسلم أجراً كبيراً وثواباً عظيماً في حسن العلاقة وبناءها على الشكل الصحيح بأسس متينة وعلاقات قوية كما أراد الله لها أن تكون.

وكمال الأجر والثواب، وعظيم الفضل والامتنان والحسنات الكثيرة المضاعفة تكمن في كتاب الله عز وجل الذي جعل الله لنا في قراءة كل حرف منه حسنه، وفي كل مرحلة حفظ في الجنة درجة، وكل ترتيل وقراءة عند الله رفعة وكرامه، وكل ما زدت من الجلوس معه وكان لك رفيقاً، كان لك عند الله سبحانه وتعالى يوم القيامة شفيعاً.

ومما حثنا عليه رب العزة جل في علاه الإكثار من ذكره، فذكر الله سبحانه وتعالى ما ورد في القرآن وما ذكر إلا على سبيل الكثرة والاستزاده قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا) (الأحزاب: 41) وقال أيضا: (والذاكرين الله كثيراً والذاكرات) (الأحزاب: 35) فذكر الله تعالى دواء للنفس ورفعة للروح وحياة للقلب، ومن لزم ذكر الله وداوم عليه كتب الله له الأجر ورفع له القدر وذكره الله في نفسه وفي ملئ خير مما في الأرض وما عليها.

ولكي تترسخ الأخلاق بين المسلمين أكثر ربط الله عز وجل كثيراً من العبادات والطاعات بالأخلاق الإسلامية والآداب الشرعية، فعند الحديث عن الصلاة والأمر بها نجد قول الله تعالى: “إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ” (العنكبوت: 45)، فالصلاة ليست حركات جامدة ولا طقوساً تؤدى بلا معانٍ أو أهداف، بل هي دليل للأخلاق وطريق إليه، والزكاة طهر وعفة بكل معانيها ومدلولاتها بدءاً بمعناها اللغوي وانتهاء بالحكمة منها وما تؤول إليه قال تعالى: ” خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا” (التوبة: 103) ففي الصدقة والزكاة طهر للنفس ونقاء للقلب وحياة طيبة مليئة بالأخلاق والآداب الشرعية.

ومن معاني الصيام أن نصوم عن الحرام ونبتعد عنه، ونرقى بأنفسنا عن الأخلاق السيئة والتصرفات المؤذية، التي لا تتناسب مع أخلاق الصائم قال رسول الله : “مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ . رواه البخاري، فالصيام تضييق لمجاري الشيطان وكبحاً لجماحه وإرغاماً للنفوس عن شهواتها، فالصيام مدرسة عظيمة يستزيد منها المسلم بالأخلاق الطيبة والآداب الراقية.

وعند التطرق للركن الأخير من أركان الإسلام –وهو الحج- نستشعر ضرورة التحلي بالأخلاق الإسلامية أثناء تأديته حتى نفوز بالأجر العظيم الذي رتبه الله عز وجل على الحج المبرور ألا وهو الجنة، وحتى يفوز الحاج بالجنة عليه أن يتمثل حديث رسول الله القائل فيه: “مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ”[7]، وفريضة الحج أيضاً فرصة للتجمل بالأخلاق والتحلي بالآداب كي تكون عبادة خالصة لله، نتعلم فيها الصبر والتسامح وخصوصاً في كثرة الأعداء والاكتظاظ الكبير الواقع في هذه الأيام، قال تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) البقرة: 197.

وهكذا نجد أن العبادات والطاعات مرتبطة ارتباطاً لا انفكاك عنه بالأخلاق الإسلامية والآداب الشرعية، فلكل عبادة دليل ولكل طاعة طريق واضح معبد ليكون صاحبها على درجة عالية من الالتزام بالأخلاق التي ترضي الله عنه ويستحق بها الجنة.


[1] – رواه مسلم.

[2] –  رواه الشيخان.

[3] – أخرجه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.

[4] – سنن أبي داود.

[5]  – رواه البخاري في الأدب المفرد، ومالك، وصححه الألباني .

[6]  – رواه مسلم.

[7] –  رواه البخاري (1521) ومسلم (1350(.