إن الأيام والليالي ، والشهور والأعوام ، خزائن للأعمال ، والسعيد من وفق لاغتنامها ،  قال تعالى: { وهو الذي جعلَ الليلَ والنهار خلفةً لمن أرادَ أنْ يذّكر أو أراد شكورا } الفرقان :62 لا سيما تلك الأزمنة الفاضلة ، التي اختصها الله تعالى بمزيد من الفضل والأجر والثواب ، وعرفة من تلك الأزمنة العظيمة القدر ، الكثيرة الأجر وقد كثرت النصوص من الكتاب والسنة ، الدالة عن فضائل يوم عرفة وشرفها ، وسأوردها لك أخي القارئ حتى يسهل حفظها وتذكرها :

1- أنه يوم إكمال الدين ، وإتمام النعمة على أمة الإسلام : ففي الصحيحين : عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أن رجلا من اليهود قال له : يا أمير المؤمنين ، آية في كتابكم تقرءونها ، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا . قال : أي آية ؟ قال : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } المائدة :3 . قال عمر : قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي : وهو قائم بعرفة ، يوم الجمعة .

2- أنه يوم عيد لأهل الموقف : قال :” يوم عرفة و يوم النحر و أيام التشريق عيدنا أهل الإسلام ، وهي أيام أكل وشرب ” رواه أهل السنن . وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال : نزلت – أي آية ( اليوم أكملت ) – في يوم الجمعة ويوم عرفة ، وكلاهما بحمد الله لنا عيد .

3-أنه يومٌ أقسم الله تعالى به : والعظيمُ لا يقسم إلا بعظيم ، فهو اليوم المشهود في قوله تعالى : ( وشاهدٍ ومشهود ) البروج :3 .

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال : ” اليوم الموعود يوم القيامة ، واليوم المشهود يوم عرفة ، والشاهد يوم الجمعة .. ” رواه الترمذي وحسنه الألباني .

وهو الوتر الذي أقسم الله تعالى به في قوله : ( والشفع والوتر ) الفجر :3 ، قال ابن عباس : الشفع يوم الأضحى ، والوتر يوم عرفة . وهو قول عكرمة والضحاك .

4- أن صيامه يكفر سنتين : فقد ورد عن أبي قتادة رضي الله عنه : أن رسول الله سُئل عن صوم يوم عرفة ؟ فقال : ” يكفر السنة الماضية ، والسنة القابلة ” رواه مسلم .

وهذا إنما يستحب لغير الحاج ، أما الحاج فلا يسن له صيام يوم عرفة ؛ لأن النبي ترك صومه ، وروي عنه أنه نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة .

5 – يوم عرفة أحد الأيام العشر التي أقسم الله بها ، منبها بذلك ، على عظم فضلها ، وعلو قدرها ، قال الله عز وجل : (وَلَيَالٍ عَشْرٍ ) سورة الفجر:2 . قال ابن عباس رضي الله عنهما : إنها عشر ذي الحجة . قال ابن كثير: وهو الصحيح .

ووردت الإشارة إلى فضل هذه الأيام العشرة في بعض آيات القرآن الكريم ، ومنها قوله تعالى :  ( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ  ) ( سورة الحج :  27 -28 ) . وقد أورد ابن كثير في تفسير هذه الآية : عن ابن عباس رضي الله عنهما : الأيام المعلومات أيام العشر”.

ووردت في السنة النبوية فضلها : فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : قال رسول الله    : ” ما من أيامٍ العمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيامِ ( يعني أيامَ العشر ) . قالوا : يا رسول الله ، ولا الجهادُ في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهادُ في سبيل الله إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجعْ من ذلك بشيء ” رواه البخاري وغيره .

وفي لفظ : قال النبي : ” ما من عمل أزكى عند الله عز وجل ، ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى قيل : ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل ؟ قال : ” ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل ، إلا رجل خرج بنفسه وماله ، فلم يرجع من ذلك بشيء “رواه الدارمي ، وحسن إسناده الشيخ الألباني في كتابه إرواء الغليل.

6 – يوم عرفة أحد الأيام المعلومات ، التي ذكرها الله تعالى في كتابه فقال : ( لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ) سورة الحج:28 . قال ابن عباس رضي الله عنهما : الأيام المعلومات : عشر ذي الحجة .

7-أنه اليوم الذي أخذ الله فيه الميثاق على ذرية آدم : فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله : إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بنعمان – يعني عرفة – وأخرج من صُلبه كل ذرية ذرأها ، فنثرهم بين يديه كالذّر ، ثم كلمهم قبلا ، قال : ( ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين (172) أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من يعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون ) الأعراف :172-173 ، رواه أحمد وصححه الألباني . فما أعظمه من يوم ، وما أعظمه من ميثاق .

8- أنه يوم مغفرة الذنوب ، والعتق من النار ، والمباهاة بأهل الموقف : ففي صحيح مسلم : عن عائشة رضي الله عنها عن النبي قال : ” ما من يومٍ أكثر من أنْ يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة ، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول : ما أراد هؤلاء ؟ ” .

وعن ابن عمر أن النبي قال : ” إن الله تعالى يُباهي ملائكته عشية عرفة ، بأهل عرفة ، فيقول : انظروا إلى عبادي ، أتوني شعثا غبرا ” . رواه أحمد وصححه الألباني .

9- أنه يوم العيد لأهل الموقف وغيرهم : فقد قال النبي : ” يوم عرفة ، ويوم النحر ، وأيام منى ، عيدنا أهل الإسلام ” رواه أبو داود وصححه الألباني .

10- الدعاء يوم عرفة عظيم : فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال النبي : ” خيرُ الدعاء ، دعاء يوم عرفة ، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير “. رواه الترمذي .

قال ابن عبد البر رحمه الله : وفي ذلك دليل على فضل يوم عرفة على غيره .

11- التكبير : فقد ذكر العلماء أن التكبير ينقسم إلى قسمين : تكبير مطلق ، يكون في كل أيام العشر من ذي الحجة ، وفي عموم الأوقات ، ويبدأ من أول ذي الحجة ، حيث كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهم يخرجان إلى السوق ، يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما . رواه البخاري تعليقا وغيره موصولا .
والمقصود تذكير الناس ليكبروا فرادى ، لا جماعة . وتكبير مقيد : يكون عقب الصلوات المفروضة ، ويبدأ من فجر يوم عرفة .
قال ابن حجر رحمه الله : ولم يثبت في شيء من ذلك عن النبي حديث ، وأصح ما ورد عن الصحابة قول علي وابن مسعود رضي الله عنهم : أنه من صبح يوم عرفة ، إلى آخر أيام منى .

12- يوم عرفة ركن من أركان الحج : بل هو ركن الحج الأعظم ، كما قال النبي : ” الحج عرفة ” متفق عليه.

هذا ما تيسر جمعه ، سائلا الله تعالى أن يتقبل منا ومن المسلمين صالح أعمالهم ، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم .