اقرأ أيضا:
بعد ذلك نصبح بالغين لنصطدم بالحقيقة المروعة بأننا نعيش في عالم يغرق في اللامبالاة وعدم الاهتمام بكل ما نفكر أو نفعل. قد نكون في مرحلة المتوسطة او الاعدادية عندما تصدمنا هذه الحقيقة. او ربما نكون في الجامعة او نجلس في البيت عندما يخطر ببالنا كم نحن لا شيء في الصورة الكلية للبشرية وللوجود. لا أحد نمر به في الشارع يعرف أي شيء عنا بل لا يهتم بنا. يتجنبوننا على الأرصفة ويتعاملون معنا كمجرد حواجز تقف على حدود حريتهم. لا أحد سيمسح على رؤوسنا أو يبتسم في وجوهنا. عدنا صغار، لكن هذه المرة أمام انفسنا، امام الأبراج العاجية التي بنتها الحضارة. قد نموت ولن يلاحظ أحد اننا ولدنا حتى، أو اننا كنا نعيش.
تظهر اللوحة التي رسمها “بروغل” مشهد اللحظات الأخيرة في حياة ايكاروس. والعبرة فيها هي أن مصير “ايكاروس” الذي يغرق، ليس محورا رئيسيا في اللوحة رغم أنه عنوانها. عليك أن تدقق كثيرا في اللوحة حتى تلحظ يد “ايكاروس” وهو ينازع الغرق، إلا أن اللوحة تسلط الضوء على الفلاح الذي يحرث الحقل، وعلى راعي الغنم. في الخلفية نرى مدينة وسفنا وميناء. يبدو أنه لا أحد يلحظ حال ايكاروس، الأخبار جيدة وسيئة في نفس الوقت: من ناحية، قد لا يلحظ أحد أننا نوجد، ومن ناحية أخرى، فهم لن يلاحظوا أيضا عندما نسكب الشاي أو عندما ننسى اننا كبرنا ونتصرف كالصغار.
هنا نرى الجانب الإيجابي من حقيقتنا التراجيدية… علينا أن نقبل التحرر الضمني في حقيقة أننا مهملون وسط هذا الزخم الهائل من المشاعر والعواطف والانفعالات.. منسيون وسط اشياء العالم ومشاغل الحياة. ومن ثم، نقبل بشجاعة أكبر على هذه المواقف حيث تكون بعض الأخطاء والسخافة أمرا طبيعيا. قد نفشل، ولكننا نقبل بثقة أن الفشل مقدمة للنجاح، وهو الشيء الذي لن يلاحظه أو يهتم به أحد أيضا.
المواد المنشورة في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي إسلام أون لاين