إن من نعم الله تعالى على عباده ، أن يوالي عليهم مواسم الخيرات ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله ، فلما انقضى موسم الحج المبارك ، تبعه شهر كريم وهو شهر الله المحرم ، فلعلنا نذكر شيئا من فضائله وأحكامه .
مما يدل على فضله : ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: ” أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم ، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل “. أي : أفضل شهر تتطوع به بعد شهر رمضان شهر الله المحرم ؛ لأن بعض التطوع قد يكون أفضل من أيامه كعرفة وعشر ذي الحجة ، فالتطوع المطلق أفضله المحرم ، كما أن أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل .
قال النووي: فإن قيل: في الحديث إن أفضل الصوم بعد رمضان صوم المحرم ، فكيف أكثر الصيام في شعبان دون المحرم ؟ فالجواب : لعله لم يعلم فضل المحرم إلا في آخر الحياة ، قبل التمكن من صومه ، أو لعله كان يعرض فيه أعذار تمنع من إكثار الصوم فيه ، كسفر ومرض وغيرهما . قال ابن رجب : وقد اختلف العلماء في أي الأشهر الحرم أفضل ؟ فقال الحسن وغيره: أفضلها شهر الله المحرم ، ورجحه طائفة من المتأخرين . وقال : وقد سمى النبي ﷺ المحرم شهر الله ، وإضافته إلى الله تدل على شرفه وفضله ، فإن الله تعالى لا يضيف إليه إلا خواص مخلوقاته ، كما نسب محمداً وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وغيرهم من الأنبياء إلى عبوديته ، ونسب إليه بيته وناقته انتهى . وفي هذا الشهر يوم حصل فيه حدث عظيم ، ونصر مبين للمؤمنين ، أظهر الله فيه الحق على الباطل ؛ حيث نجى فيه موسى عليه السلام وقومه ، وأغرق فرعون وقومه ، فهو يوم له فضيلة عظيمة ، ومنزلة قديمة ، عند الله تعالى . فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قدم المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء ، فقال لهم رسول الله ﷺ: ” ما هذا اليوم الذي تصومونه ؟ ” فقالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه ، وأغرق فرعون وقومه ، فصامه موسى شكراً ، فنحن نصومه ، فقال رسول الله ﷺ: ” فنحن أحق وأولى بموسى منكم ” فصامه رسول الله ﷺ وأمر بصيامه . (متفق عليه). وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ” ما رأيت النبي ﷺ يتحرى صيام يوم فضَّله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء ، وهذا الشهر يعني شهر رمضان ” (متفق عليه).
ماهو فضل يوم عاشوراء ؟
يوم عاشوراء له فضل عظيم وحرمة قديمة ، فقد كان موسى عليه السلام يصومه لفضله؛ بل كان أهل الكتاب يصومونه، بل حتى قريش كانت تصومه في الجاهلية ، وقد وردت عدة أحاديث عن فضل عاشوراء وصيامه ، منها:
ما جاء في صحيح مسلم : عن أبي قتادة أن رجلاً سأل النبي ﷺ عن صيام يوم عاشوراء، فقال: ” إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله ” . وهذا من فضل الله العظيم علينا أن جعل صيام يوم واحد ، يكفر ذنوب سنة كاملة.
ما الحكمة من صيام عاشوراء ؟
والحكمة من صيامه ، أن يوم عاشوراء هو اليوم الذي نجى الله فيه موسى عليه السلام وقومه من فرعون وجنوده ، فصامه موسى شكراً لله تعالى ، وصامه نبينا ﷺ وأمر بصيامه.
أما الحكمة في صيام اليوم التاسع ، فقد نقل النووي رحمه الله عن العلماء في ذلك عدة وجوه: أحدها: أن المراد منه مخالفة اليهود في اقتصارهم على العاشر. وكان يحرص ﷺ دائما على مخالفتهم في أمور دينهم الثاني: أن المراد به وصل يوم عاشوراء بصوم ، كما نهى أن يصام يوم الجمعة وحده.