من فوائد سورة الحج العجيبة أنها من السور التي اختلف فيها العلماء على مكان نزولها، هل هي مكية أو مدنية، والجمهور على أنها مختلطة، فمنها مكي ومنها مدني، أي لا يعرف المكي بعينه، والمدني بعينه. وقال القرطبي  وغيره: وهذا هو الأَصح لأَن الآيات تقتضي ذلك، ثم نقل عن الغزنوى قوله في هذه السورة: “وهي من أَعاجيب السور، نزلت ليلًا ونهارًا، سفرًا وحضرًا، مكيا ومدنيَّا، سلميًّا وحربيًّا، ناسخا، ومنسوخا، محكما ومتشابها

زاد ابن عاشور فقال: «التحرير والتنوير» (17/ 180):

«ليس هذا القول – أي أن السورة مختلطة – مثل ما يكثر أن يقولوه في بضع آيات من عدة سور: أنها نزلت في غير البلد الذي نزل فيه أكثر السورة المستثنى منها، بل أرادوا أن كثيرا منها مكي وأن مثله أو يقاربه مدني، وأنه لا يتعين ما هو مكي منها وما هو مدني ولذلك عبروا بقولهم: هي مختلطة».

ثم قال بعد بيان مرجحات كون جزء من آيات سورة الحج مكية، وبعضها الآخر مدنية، قال: فأنا أحسب هذه السورة نازلا بعضها آخر مدة مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة كما يقتضيه افتتاحها ب يا أيها الناس فقد تقرر أن ذلك الغالب في أساليب القرآن المكي، وأن بقيتها نزلت في مدة مقام النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة.  

وجاءت تسمية السورة بسورة الحج من النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج أبو داود، والترمذي عن عقبة بن عامر قال: «قلت: يا رسول الله أفضلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين؟ قال: نعم، فمن لم يسجدهما، فلا يقرأهما»[1] .

أما سبب تسمية السورة بسورة الحج فإن الله ذكر فيها كيف أمر إبراهيم عليه السلام بالدعوة إلى حج البيت الحرام، وذكر ما شرع للناس يومئذ من النسك تنويها بالحج وما فيه من فضائل ومنافع، وتقريعا للذين يصدون المؤمنين عن المسجد الحرام وإن كان نزولها قبل أن يفرض الحج على المسلمين بالاتفاق، وإنما فرض الحج بالآيات التي في سورة البقرة وفي سورة آل عمران.

وقد اشتملت السورة على أغراض ومقاصد نبيلة تدعو الإنسان إلى التأمل في حياته الدنيا ومصيره بعد الانتقال منها، وفي ثناياها حذرت السورة عن الشرك والتأويل الباطل نذكر بعض هذه الفوائد فيما يأتي:

1- افتتحت السورة الكريمة خطابها بأسلوب ترتجف له النفوس، حيث تحدثت عن أهوال يوم القيامة، وعن أحوال الناس فيه … فأكدت على ضرورة الاشتغال بما يفيد الإنسان ويزوده بالتقوى الذي به يسلم من أهوال يوم القيامة.

2- الاستدلال على نفي الشرك وخطاب المشركين بأن يقلعوا عن المكابرة في الاعتراف بانفراد الله تعالى بالإلهية وعن المجادلة في ذلك اتباعا لوساوس الشياطين، وأن الشياطين لا تغني عنهم شيئا ولا ينصرونهم في الدنيا وفي الآخرة.

3- إثبات الإيمان بالبعث والجزاء، والبعث ثابت لا ريبة فيه وكيف يرتابون فيه بعلة استحالة الإحياء بعد الإماتة ولا ينظرون أن الله أوجد الإنسان من تراب ثم من نطفة ثم طوره أطوارا.

4 – التعريض بالمشركين من قريش وغيرهم بتكبرهم عن سنة إبراهيم عليه السلام الذي ينتمون إليه ويحسبون أنهم حماة دينه وأمناء بيته وهم يخالفونه في أصل الدين.

5- وتذكير لهم بما من الله عليهم في مشروعية الحج من المنافع فكفروا نعمته.

6 – وسلى الله رسوله عليه الصلاة والسلام والمؤمنين بأن الشيطان يفسد في قلوب أهل الضلالة آثار دعوة الرسل ولكن الله يحكم دينه ويبطل ما يلقي الشيطان فلذلك ترى الكافرين يعرضون وينكرون آيات القرآن.

7  – وفيها التنويه بالقرآن والمتلقين له بخشية وصبر، ووصف الكفار بكراهيتهم القرآن وبغض المرسل به، والثناء على المؤمنين وأن الله يسر لهم اتباع الحنيفية وسماهم المسلمين.

8 – الإذن للمسلمين بالقتال وضمان النصر والتمكين في الأرض لهم.

– وختمت السورة بتذكير الناس بنعم الله عليهم وأن الله اصطفى خلقا من الملائكة ومن الناس فأقبل على المؤمنين بالإرشاد إلى ما يقربهم إلى الله زلفى وأن الله هو مولاهم وناصرهم.


[1]  قال الترمذي: ليس إسناده بالقوي، وقال الحاكم: هذا حديث لم نكتبه مسندا إلا من هذا الوجه، وعبد الله بن لهيعة أحد الأئمة، إنما نقم عليه اختلاطه في آخر عمره. وقد تعددت طرق الحديث عن ابن لهيعة ذكرها ابن الملقن في البدر المنير، ثم قال: ولا ينتهى إلى هذا كله؛ بل هو قوي لشاهده وأقوال الصحابة، كما قررته لك. وحسنه الألباني في الصحيحة بدون (فمن لم يسجدهما..).