قسمة الأموال المكتسبة مدة الزوجية بين الزوجين: تعالت في العصر الحاضر الدعوات التي تطالب بقسمة الأموال المكتسبة حال قيام الزوجية بين الزوجين عند الطلاق أو وفاة الزوج، وقد قننت بعض الدول الإسلامية هذا الوضع كما هو الحال في ماليزيا أو المغرب، وهناك مساع حثيثة تبذل في دول أخرى لإقراره بحجج مختلفة، وفي السطور التالية أعرض لحجج القائلين بالجواز وكذا المعارضين وذلك من الناحية الشرعية، ثم أقوم بتحليل هذه الأدلة ومناقشتها.

أدلة القائلين بالجواز

القائلون بجواز قسمة الأموال المشتركة هم لفيف من الناشطين الحقوقيين والقانونيين والفقهاء المعاصرين الذين وضعوا مصنفات كثيرة (1) منذ إقرار مدونة الأسرة المغربية (2004) التي نصت في مادتها (49) على جواز تدبير الزوجين الأموال التي تكتسب أثناء الزوجية والاتفاق على استثمارها وتوزيعها وتبعتها ماليزيا، ورغم التنوع في خلفية المؤيدين للقسمة إلا أن حججهم تتلخص في الآتي:

العرف أو قاعدة العادة محكمة:

يستند القائلون بالجواز على دليل فقهي معتبر شرعا وهو العرف، ويتفق العلماء على أنه دليل شرعي يحتج به في المسائل القديمة والحديثة إذا توفرت فيه شروط الحجية، وهي: ألا يخالف نصا أو قاعدة شرعية، وأن يكون موجودا عند إنشاء التصرف، وأن يكون مطردا أي مستمرا في جميع حوادثه أو غالبا أي في أكثرها، وألا يصرح المتعاقدان بخلافه إن كان ثمة عقد.

واستنادا إلى هذا يدعي الفقهاء الماليزيون أن تقسيم المال المشترك المعروف باسم (هارتا سبنجريان – Harta spencarian ) هو من العرف العملي المعمول به لدى الشعب المالايوي منذ زمن بعيد، وأن الناس تعارفوا على هذه العادة قبل تقنينها (2) وبمقتضاها يتم اقتسام الأموال مناصفة أو أقل أو أكثر حسب الحالة، وبالمثل يذهب الفقهاء المغاربة إلى أن هذا عمل أهل سوس من قديم الزمان (3) ويعرف بالأمازيغية باسم (حق تامازالت)، وليس عادة محدثة.

المصلحة المرسلة:

وهي أحد الأدلة الشرعية التي قال بها الفقهاء وخصوصا المالكية الذين يربطون بينها وبين مقاصد الشريعة، ويقسم العلماء المصالح إلى ثلاثة أقسام مصالح معتبرة وهي التي قام دليل شرعي على اعتبارها، ومصالح ملغاة أو مهدرة وهي التي نص الشارع على عدم اعتبارها، والمصلحة المرسلة التي لم يقم دليل من الشارع على اعتبارها أو إلغائها. ويدرج الفقهاء المؤيدون تقسيم الأموال المشتركة ضمن هذه الفئة الأخيرة، ويرون في ذلك صيانة للمرأة بعد الفراق وتثمينا لجهودها في العمل المنزلي غير المقدر ماليا.

الكد والسعاية:

وهو مصطلح لدى المالكية، ويعني في الاصطلاح حق المرأة في الثروة التي ينشئها ويكونها زوجها خلال فترة الحياة الزوجية، ويستند هذا الحق على دليلين:

  • الأول، ما قضى به الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنها في النازلة التي ذكرها ابن أبي زمنين في “منتخب الأحكام” وعزاها لابن حبيب في “الواضحة” قائلا: والأصل في شركة الزوجين المذكورين؛ أن عامرا كان قصارا وأن حبيبة كانت ترقع الثياب حتى اكتسبا مالا كثيرا، فمات عامر وترك أموالا، فأخذ ورثته مفاتيح المخازن والأجنة، واقتسموا المال، ثم قامت عليهم زوجته حبيبة المذكورة وادعت عمل يدها وسعايتها، فترافعت مع الورثة إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقضى بينهما بشركة المال نصفين فأخذت حبيبة النصف بالشركة، والربع من نصيب الزوج بالميراث؛ لأنه لم يترك ولدا والورثة أخذوا الباقي.
  • والثاني، فتوى الفقيه المالكي ابن عرضون ( 1012ه)  ونصها: سئل أبو عبد الله سيدي محمد بن الحسن بن عرضون عمن تخدم من نساء البوادي خدمة الرجال من الحصاد والدراس وغيرها، فهل لهن حق في الزرع بعد وفاة الزوج لأجل خدمتهن أو ليس لهن إلا الميراث، فأجاب: الذي أفتى به القوري مفتي الحضرة الفاسية أن الزرع يقسم على رؤوس من نتج عن خدمتهم، عليه مفتي البلاد الغمارية جدنا للأم أبو القاسم بن خجو على قدر خدمتهم، وبحسبها من اتفاقهم أو تفاوتهم، وزدت أنا لله عبد بعد مراعاة الأرض والبقر والآلة، فإن كانوا متساويين فيها أيضا فلا كلام وإن كانت لواحد حسب له ذلك (4). 
صورة مقال قسمة الأموال المكتسبة مدة الزوجية بين الزوجين: عرض ونقد
صورة مقال قسمة الأموال المكتسبة مدة الزوجية بين الزوجين: عرض ونقد

أدلة القائلين بعدم الجواز

القائلون بعدم الجواز من الفقهاء والأصوليين يبنون رأيهم على سلسلة من الأسانيد النصية والواقعية، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:

  1. النصوص المتواترة: وهي كثيرة ومتعددة ومنها قوله تعالى ” للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن” وهو نص في جعل نصيب الرجال للرجال والنساء للنساء واختصاص كل جنس بكسبه وانفراده، وقوله {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} (النجم: 39)و {ولا تكسب كل نفس إلا عليها} (الأنعام : 164) و { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} (البقرة :286) وكلها تدل على اختصاص كل واحد بكسبه، مفيدة للحصر ودالة عليه، وهناك شواهد حديثية تدعم ذلك أيضا منها قوله (والمرأة راعية في بيت زوجها) وهو صريح في كونها مجرد مؤتمنة وليست شريكة في المال، وقوله (إذا اطعمت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما أنفق …) وهو دليل على اختصاص الزوج لأنه أضاف البيت إليه وحده والإضافة تفيد الاختصاص، ومنها حديث أبي داود أنه عندما بايع النبي النساء سألته امرأة عما يحل لهن من أموال أزواجهن فأجابها بقوله (الرطب تأكلنه وتهدينه) (5) وهو دليل آخر على اختصاص الرجال بأموالهم لأن السائلة تسأل عما يحق للنساء من أموال أزواجهن وفي هذا اعتراف بأن المال لهم دون النساء.
  2. ما جرى عليه العمل في العصر النبوي: ثبت بالتواتر المعنوي طلاق الصحابة لزوجاتهم في حياته وأن واحدة منهن لم تقاسم زوجها أمواله التي كسبها قبل الزواج أو بعده، كما أنه طلق حفصة ولم يقاسمها أمواله، كما ثبت أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها ساعدت زوجها الزبير بن العوام في أعماله وكانت تسقي فرسه وتحمل النوى على رأسها إلى أرضه وتطحن الدقيق وما إلى ذلك من وجوه الإعانة لزوجها ولم تطلب مقاسمته في ماله ولم يفرض لها الرسول مالا نظير ذلك.
  3. الأدلة الفقهية: وهناك عدد منها يدحض ادعاءات القائلين بالجواز من قبيل أن الزواج ليس شركة حتى تمنح الزوجة حق السعاية لأن الشركة لها أركان وشروط وأهم أركانها الإيجاب والقبول وهو ما لا يمكن القول بتحققه، لأنهما لم يعقدا أي شركة بينهما عند النكاح ولم يتراضيا إلا على النكاح، والفقهاء يقولون أنه لا يجوز الجمع بينهما لأن النكاح مبني على المكارمة والتأبيد والشركة مبنية على المكايسة فلا يجتمعان. من جانب آخر تقرر في الفقه الإسلامي أن الزوجة السارقة لمال زوجها تقطع يديها والعكس صحيح، فلو كان مالهما واحدا لما قطع يد السارق منهما، كما تقرر جواز وهبة كل منهما للآخر وهو ما يؤكد أن كل منهما يختص بماله لا يشاركه فيه الآخر، ومن الأدلة أن الزوجة لا يلزمها العمل في مال الزوج ولا خدمته فلا يلزمها زرع أو حصد أو حياكة أو ما شابه من الأعمال وهذا حتى لو كانت عادة البلاد جارية بذلك لأن مراعاة العرف في مثل هذه الحالة يؤدي إلى فساد النكاح لاجتماع النكاح والإجارة في عقد واحد (6).  
  4. تفنيد فتوى ابن عرضون: قدم القائلون بعدم جواز قسمة الأموال مراجعة نقدية لفتوى ابن عرضون التي استند إليها القائلون بالجواز، إذ ذهب الأستاذ محمد التاويل إلى أن المتتبع للفتوى في مصادرها المنقولة يلاحظ فيها بعض الاضطراب فصاحب العمل الفاسي لم يزد على نسبتها لابن عرضون وبنو عرضون كثيرون، وشارحه لم يقف عليها ليتعرف على صاحبها بل نسبها لأخيه أحمد بن عرضون بينما نسبها العلمي لابن أخي قائلها، أما من حيث بنية الفتوى فهي فتوى محدودة في مكانها وموضوعها فهي خاصة بنساء البوادي دون المدن، وبالنساء العاملات عمل الرجال في الفلاحة، وموضوعها خاص بالزرع الذي يحصدنه، وهي تختص بحالة الطلاق ولا تمتد لتشمل استمرار الزوجية أو وفاة الزوج (7)، وأخيرا هناك فتاوى تعارض هذه الفتوى من مثل فتوى الشيخ  أحمد البعل (شيخ ابن عرضون)  الذي قال لم أزل أستثقل القسمة على الرؤوس إذ هي خارجة عن الأصول، ومثل فتوى عبد القادر الفاسي (1091ه) الذي تحامل على ابن عرجون وذكر أن فرائض الله تعالى قسمها بنفسه فلم يبق فيها نظر ولا اختيار (8).

ملاحظات وتعليقات حول قسمة الأموال المكتسبة مدة الزوجية بين الزوجين

بعد النظر في أدلة المؤيدين لقسمة الأموال والمعارضين لها يمكن أن نسوق بعض الملاحظات والتعليقات التالية:

  • أولا: أن ثمة تغييرا ملحوظا في مواقف المؤسسات والهيئات الإسلامية من مسألة قسمة الأموال، ذلك أن مؤسسة الإفتاء الرسمية في مصر -على سبيل المثال- كانت تتبنى الرأي القائل بعدم جواز القسمة، حيث أفاد بذلك مفتي الديار المصرية الشيخ عبد اللطيف حمزة في فتوى مؤرخة عام 1985، كما أفتى به المفتي السابق الشيخ علي جمعة عام (2003) ومما ورد في فتوى الأخير قوله: ” لكلٍّ من الزوجين ذمته المالية المستقلة، فلا شأن للزوجة بما يكسبه الزوج أو بدخله أو بثروته، وكذلك لا شأن للزوج بثروة زوجته أو بدخلها، فهما في شؤون الملكية والثروة والدخل منفصلان تمامًا، وعقد الزواج لا يرتب أي حق لأي منهما قبل الآخر في الملكية والثروة أو الدخل، وهذا ما استقرت عليه دار الإفتاء المصرية، وما أخذ به القانون المصري للأحوال الشخصية المعمول به في المحاكم المصرية” (9)، وللمرء أن يتساءل عن دواعي تغير موقف المؤسسة الإفتائية والمؤسسة الأزهرية هل هو محصلة اجتهاد ونظر في الأدلة جديد أم هو نتيجة ضغوط (داخلية أم خارجية) فإذا كان الأول فليخرجوا ما أنتجوه من بحوث وإن كان الثاني فليعلنوه. 
  • ثانيا: إن عمل الزوجة في بيتها أو مساندتها لزوجها ليس أمرا جديدا على الحياة الزوجية حتى تستحدث له أحكام جديدة، بل هو قديم قدم الحياة ذاتها، وكان معروفا في عهده ، وكانت بناته والمسلمات يخدمن أزواجهن ولم يثبت أنه طالب بحقهن في أموال أزواجهن ولم يشرعه مطلقا.
  • ثالثا: المستند الرئيس للقائلين بالزواج هو العرف، والعرف ليس واحد وإنما هو أنواع، فهناك عرف عملي وعرف قولي، وهناك عرف صحيح وفاسد، والعرف الصحيح هو ما اعتاده الناس دون أن يصادم الشرع، فلا يحرم حلالاً ولا يحل حراماً، والعرف الفاسد هو ما اعتاده الناس ولكنه يحل حراماً أو يحرم حلالاً، كما أن هناك عرف خاص وهو ما يتعارف عليه أهل مدينة وبلد وقرية معينة وهناك عرف عام وهو ما يتعارف عليه الجميع بلا استثناء، والعرف الخاص يثبت به حكم خاص والعرف العام يثبت به حكم عام، فإذا كان عرف أهل سوس هو قسمة المال فلا يجوز أن يعمم هذا الحكم لأن أهل فاس لديهم عرفهم الخاص وهو عدم القسمة، وبالتالي لا يجوز تعميم حكم العرف الخاص.
  • رابعا: استدل القائلون بالجواز بقضاء سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في نازلة عامر بن حارث وزوجته حبيبة بنت زريف حين قضى لها بنصف ماله، وبالبحث في كتاب منتخب الأحكام الذي أشاروا إليه ولا في كتب ابن زمنين الأخرى، وكل ما ذكر حول عامر وزوجته في المصادر يدخل في باب التراجم إذ ترجم له في (أسد الغابة) وفي (الإصابة) وليس ثمة ذكر لهذه القصة التي لا يعرف مصدرها.

وخلاصة القول في هذه المسألة؛ إن الإسلام جعل لكل إنسان ذمة مالية مستقلة عن غيره، وأن كل ما يتملكه الإنسان من خلال طرق التملك المعتبرة شرعا يكون ملكا خاصا به، لا يشاركه فيه غيره سواء كان زوجا أم غيره.