القَصص القرآني لم يَرِد لمجرد الإخبار عما حدث في الأزمنة السابقة، وإنما جاء ليرسم طريق
الهداية والنجاة، وليشير إلى أن أحداث التاريخ تتشابه في دروسها وعِبَرها الكلية؛ ولهذا من المهم تأمل هذا القَصص، لاسيما قصة البشرية الأولى، أي خلق آدم عليه السلام وما حدث معه في الجنة قبل هبوطه إلى الأرض. وقد اعتدنا أن نمر على
قصة آدم في هذه المرحلة، مرور الكرام، يأخذنا ما أحدث
إبليس من كبر ورفض، عن تأمل العبرة الأساسية للقصة، التي هي بيان أن خَلْقَ آدم وما سبقه من حوار الله تعالى مع الملائكة، ثم ما تلاه من تكبر إبليس، وما فيها من غواية إبليس لآدم ثم توبة آدم.. كل ذلك إنما كان تدريبًا عمليًّا لآدم على مهمته التي خُلق لها؛ كما يوضح الدكتور فؤاد علي مخيمر، رحمه الله، في كتابه المهم (منهاج الله في هداية البشر). وقد لفت نظري هذا التناول الجديد لقصة معروفة مكرورة! وتقديمها في سياق أنها كانت تأهيلاً وتدريبًا، وليس في نظرة عابرة تنشغل بحدث جزئي فيها، أو تقدِّم القصةَ في إطار وعظي فحسب. إن قصة آدم في الجنة قبل هبوطه إلى الأرض هي قصة البشرية قبل أن تبدأ رحلتها.. فجاءت مضيئة لجوانب مهمة ستصحب الإنسانَ فيما بعد؛ سواء في موقفه من الملائكة، أو من عدوه اللدود إبليس، أو في موقفه من منهج الله من حيث الالتزام أو النيسان، وماذا يجب فعله في الحالة الثانية.. هذه التأملات تجعلنا نرى القصة بمنظار جديد، وبرؤية تساعدنا على فهم هذه العلاقات المتشابكة التي لا تنفك عن الإحاطة بالإنسان؛ من الإنسان الأول: آدم عليه السلام.. إلى الإنسان المتمثل في كل فرد من بني آدم حتى قيام الساعة.. إنها القصة الأولى، والممتدة زمانًا وحالاً! يوضح د. فؤاد مخيمر أن الله تعالى بعد أن خلق الكون بما فيه، وأصدر أمره لكل الكائنات بالتذليل والتسخير لخليفته في الأرض {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} (البقرة: 29)، وقد أصبحت الأرض مهيأة لاستقبال الخليفة عليها.. شاءت قدرة الله تعالى أن يخلق الخليفة من ذات الأرض ومن خلاصة عناصرها، ليعيش عليها ويسخر الله له كل ما فيها وما عليها، فيميل إليها دائمًا لأنها أصله، وتجذبه هي الأخرى ليعمر فيها وعليها، وإذا مات يرجع إلى أصله: {وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا. ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا} (نوح 17، 18). وبيّن أن من معنى (الخلافة في الأرض): الإنشاء والابتكار والتعمير والتبديل والتغيير؛ وكلها من عمل الله الذي أعطى قبسة منه للخليفة، ودعمه بالعلم. وأشار إلى أن
القرآن الكريم قد حكى قصة خلق آدم، وخلافته في الأرض في سورة البقرة والأعراف والحجر وطه وص. ومن ذلك قوله تعالى: { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) } (البقرة: 30) إلى آخر آيات القصة.
الحكمة من إخبار الله الملائكة
لقد كان من وراء إخباره سبحانه الملائكة بخلق آدم ستة أمور ذكرها المفسرون، هي: 1) أن الله تعالى علم في نفس إبليس كبرًا، فأحب أن يطلع الملائكة عليه، وأن يظهر ما سبق عليه في علمه. 2) أن سبحانه أراد أن يبلو طاعة الملائكة. 3) أنه لما خلق النار خافت الملائكة، فقالوا: يا رب، لمن خلقت هذه؟ قال: لمن عصاني. فخافوا وجود المعصية منهم، وهم لا يعلمون بوجود خلق سواهم. فقال لهم: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}. 4) أنه أراد إظهار عجزهم عن الإحاطة بعلمه، فأخبرهم حتى قالوا: {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا} فأجابهم: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}. 5) أنه أراد تعظيم آدم بذكر الخلافة قبل وجوده؛ ليكون الملائكة معظمين له حين يوجده. 6) أنه أراد إعلامهم بأنه خلقه ليسكنه الأرض، وإن ابتدأ خلقه في السماء. وبذلك يتبين إلى أي مدى تحمل هذه الأمور في طياتها أسمى معاني التكريم لآدم وذريته. وفيها أيضًا نبذ الكبر وأصحابه، وطردهم من رحمة الله سبحانه. وكذلك إذا كانت الملائكة خافت من النار، لِمَا رأوه فيها من الهول، وهم لا يعصون الله، فخافوا وجود المعصية منهم؛ فما بالنا نحن!
مراحل خلق آدم
ثم تطرق الكتاب إلى مراحل خلق آدم والحكمة منها.. موضحًا أن قدرة الله تقول للشيء كن فيكون، وأمره المحصور بين كان ونون، لا يعجز عن خلق آدم بقوله: كن فيكون، من غير قبضة من الأرض ومن غير أطوار متعددة.. ولكنه سبحانه أراد أن يعملنا: – مبدأ
الأخذ بالأسباب. – كما أن في مراحل التخليق من
التراب إلى نفخ الروح.. دلالة على الإمعان في قدرته سبحانه. – فضلًا على إطلاع الإنسان على مراحل خلقه، ومن أي عناصر الأرض يتكون هذا الجسد الآدمي. – وفي ذلك دعوة للباحثين أن ينقّبوا حتى يصلوا إلى الحقائق العلمية من تتبعهم لهذه المراحل، ويتأملوا في قدرته سبحانه التي خلقت الإنسان من طين، وعلى أحسن هيئة وتقويم أوجدته.
آدم في ضيافة ربه
وأشار إلى أنه بعدما خلق الله تعالى آدم وسوّاه ونفخ فيه من روحه، أضحى آدم ضيفًا كريمًا في رحاب ربه، وحق على الله أن يكرم ضيفه، وبخاصة أنه سيوليه مهام الخلافة في الأرض؛ فلا بد أن يربى على موائد الكرم والتكريم والعز الإلهي. وقبل أن يأمر الله ملائكته بالسجود لآدم، أراد سبحانه إخبار ملائكته بأن ما خبأه في علمه القديم، خفي على الملائكة، وكل مخلوقاته، وأن ذلك لحكمة يعلمها، وقد اقتضت حكمته أن يرفع علم آدم فوق علم الملائكة، وأن يجعله على علم بأشياء لم تعلمها الملائكة، وقد أخبر عن ذلك بقوله: { وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا } (البقرة: 31). وفي الأسماء التي علّمه الله، قولان: أحدهما: أنه علمه كل الأسماء. والثاني: أنه علمه أسماء معدودة لمسميات مخصوصة، وهي إما أسماء الملائكة، أو أسماء الأجناس دون أنواعها؛ كقولك إنسان وملك وجن وطائر.. وبالجملة، علّمه أسماء جميع الأشياء التي سينتفع بها نسله من بعده. وعندئذ أمر الله آدم أن يخبرهم بهذه الأسماء {قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ} (البقرة: 33). وبهذا يكون الله سبحانه قد كشف أمامهم الستار، واتضحت قضية الأفضلية؛ فسلم الملائكة بأفضلية آدم، وسَبْقِه عليهم بالعلم، وبهذا يكون هو أولى بالخلافة على الأرض منهم. وعندما أُمروا بالسجود، سجدوا طاعة لله رب العالمين، واحترامًا وتقديرًا لآدم.
سبب امتناع إبليس عن السجود
السجود هو التواضع والخضوع لله وحده؛ وذلك بمعناه العام اللغوي. فهل كان سجود الملائكة على صورة الصلاة أو الانحناء والميل المسمى في صلاتنا بالركوع؟ الله أعلم بمراده، وعلى كل حال فهو حفل تكريم لأبي البشر آدم. ولما لم يسهم اللعين إبليس فيه طرده الله من رحمته. وقضية السجود لآدم تتلخص فيما ذكره الله سبحانه: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} (البقرة: 34) وقد امتثل الملائكة، وامتنع إبليس عن تنفيذ الأمر تنطعًا وكبرًا، فطرده الله من رحمته. ويوضح د. فؤاد مخيمر أن من سنن الله الكونية الزوجية في كل شيء؛ فكما يوجد الخير يوجد الشر، وحتى يثاب الناس على فعل الخير لا بد أن يبتليهم الله فيظهر إخلاص الصادقين، وزندقة الحاقدين المعاندين. ويضيف: في قصة آدم، يتمثل “الخير” في جانب الملائكة، “والشر” في إبليس اللعين. فالملائكة قد امتثلوا لأمر الله، وإبليس أبى واستكبر. وعلل إبليس سبب ذلك بناءً على أوهام الكبر في نفسه: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} (الأعراف: 12). وهنا، عرف آدم الحبيبَ والعدو، ولمس الخير والهداية في الملائكة، والشر والحقد والكبر في إبليس.. ووجب على آدم وذريته الحذر من مكايد إبليس وذريته من الشياطين. ولكن سنة الله في خلقه أنهم جبلوا على النسيان: {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ} (الأعراف: 27). وبعد أن امتنع إبليس عن السجود حكم الله عليه بالذل والهوان وأصدر أمره له بالهبوط في قوله: {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ} (الأعراف: 13)
موقف إبليس من ذرية آدم
أيقن إبليس أن نهايته سوداء من وعيد الله له، فسيهلكه وسوف يلقي غيًا، فأراد أن ينتقم لنفسه، ويجعل لنفسه صحبة من أشرار الخلق، فحكى عنه القرآن توعده لبني آدم: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} (الأعراف: 16). أي: على صراطك، والمراد، بالصراط، هو صراط الله المستقيم الذي شرعه الله لعباده في كل جيل وعلى لسان أي نبي، فيشككهم في عقيدتهم، ويحاول مع ضعاف الإيمان أن يخرجهم من عقيدتهم، وبصرفهم عن طاعته بأي صورة وبأي كيفية. وقد يراد بالصراط: مطلق الحق، أي: يقف أمام المسلمين في كل طريق يريدون به وجه الله ليصرفهم عنه.
منهج إبليس في إغواء البشر
بعد أن صرح إبليس بأنه سيترصد لعباد الله الصالحين في طريقهم المستقيم، أفصح عن منهجه في الإغواء، فقال كما حكت عنه
سورة الأعراف {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} (الأعراف: 17). ووسائل الإغواء التي يستعملها إبليس مع الخلق هي: 1- الإضلال عن سبيل الهدى. ومن ضل سبيل الهداية، فقد هوى. 2- يُمنيهم بالكذب الذي يخبرهم به، ويزيّن لهم الأماني، فيقول لهم: لا جنة ولا نار ولا بعث. ومع طائفة أخرى يوهمهم أنهم سينالون من الآخرة حظًا موفورًا. 3- ينفخ فيهم بالغرور والأماني، بأن يقول لهم: ستطول أعماركم، وتنالون من الدنيا مرادكم.
التدريب العملي لآدم في ساحة الرضوان
وهنا نصل إلى بُعد مهم من أبعاد قصة آدم كما يقدمها د. فؤاد مخيمر، رحمه الله، فيقول: بعد أن خلق الله حواء زوجًا لآدم، أصبح مهيَّأ لتولي مهام الخلافة على الأرض لتعميرها، ولكن بقيت أمور هامة لا بد أن يتدرب عليها آدم قبل أن يتسلم عمله؛ لأن
الخير والشر سيتصارعان على الأرض، فكيف يواجههما؟ وإذا وقع في الشر فأخطأ هو أو أحد خلفائه من بعده، فكيف يتصرف؟ وأيضًا لا بد أن تتضح أمامه حقيقة ألد أعدائه في الأرض، فيتجنب فعله، ويحذر منه، ويحذر أبناؤه من بعده.. وكذلك يبتليه الله لينظر كيف يفعل؟ ثم تحديد مسئولية كل الرجل والمرأة في الأرض.. كل هذه مهام ضرورية لا بد أن يتعرف عليها آدم قبل مباشرة أعمال الخلافة. لهذا أصدر الله أمره له بأن يسكن هو وزوجه الجنة، سواء كانت جنة عدن أو الخلد. وقد أتاح له رب العزة من فضله وجوده وكرمه، أن يأكل هو وزوجه من رزق الجنة الكثير، إلا من شجرة عيّنها الله له. ولا يهمنا في هذا المقام أن نتعرف على اسمها؛ لأن الله ذكرها مبهمة من غير تعريف بها.. وكذلك كيف دخل إبليس الجنة؟ وكيف وسوس؟ كل هذا نتركه لعلم الله تعالى، ونلتزم بصريح النصوص. امتثل آدم لأمر ربه.. ولكن إبليس قطع على نفسه عهدا بالعداء لآدم وذريته.. فكيف يتركه يتمتع بالجنة ومعه زوجه؟.. وهنا عدة دروس:
• حيل إبليس: تصرف إبليس بحيله التي لا تخفى علينا، إما عن طريق منهجه في الوسوسة: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ} {طه: 120}. أو يكون خاطبهما بقوله: { وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ } (الأعراف: 21).
• قبح ظهور العورة: فلما ذاقا من الشجرة ظهرت لهما عوراتهما. وعندما رأى آدم وزوجه ذلك، شعرا بالخطيئة واعترفا بها، وبادرا يستتران لقبح التكشف: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ} (طه: 121).
• الرجوع إلى الله بعد الخطيئة واجب: ولجأ آدم وزوجه إلى الله بسرعة ليكشف عنهما هذا الضر ويرحمهما: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (الأعراف: 23). وعندئذ تاب الله عليهما: {فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (البقرة: 27). وعلى هذا المنهج الذي نهجه آدم مع التوبة، يجب أن نقتفي أثره؛ حتى لا نضل الطريق إذا زللنا. وفي هذا كله توجيه من الله لخلقه إلى طريقه المستقيم.
• تحديد مسئولية كل من الرجل والمرأة في الأرض: قبل أن يصدر الله أمره بهبوط آدم إلى الأرض، طمأنه على حياته في مستقر الخلافة، وحدد له اختصاصاته في منهج تعمير الكون، أي المسئولية الملقاة على عاتقه، وكذلك حدد لحواء ما عليها من أعباء جسام، ليس في مقدور الرجل أن يقوم بها، ولذلك ليبرز- جلت قدرته- مكانة المرأة في المجتمع، ودورها الفعال في تعمير الكون، وأن الكون بدونها لا يعمر. قال سبحانه: {فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ. إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ. وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ} (طه: 117- 119).
• اختصاصات آدم: وقد حدد الله تعالى مسئولية آدم عليه السلام وهو في الجنة، فيما يلي: 1) تحصيل لقمة العيش: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا}. 2) الكساء: أي نفقة كساء المرأة والأولاد: {وَلَا تَعْرَىٰ}. 3) البحث عن مصادر الماء: {وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا}. 4) إعداد السكن المناسب، حماية لنفسه ولذريته من الشمس والبرد: {وَلَا تَضْحَىٰ}.
• اختصاصات حواء: بقي من وسائل تعمير الكون اختصاصات مهمة، وبدونها يفقد الكون عمرانه، وهي تتناسب مع طبيعة المرأة: 1- الحيض. 2- الحمل. 3- الولادة. 4- الرضاعة. وأما ما تقوم به في البيت، فهو من المعاشرة بالمعروف بين الزوجين.. لكننا أصبحنا في زمن ينام فيه بعض الرجال في البيت، وتتحمل المرأة المسكينة الضعيفة مسئولية فوق مسئوليتها، وتخرج للعمل.. ثم يكون الطامة الكبرى في سوء الأخلاق والانحلال، واجتراء المرأة على زوجها، وفقدان حسن تربية الولاد.
آدم يهبط إلى مستقر الخلافة
ويصحح د. فؤاد مخيمر ما يظنه البعض خطأً من أن خروج آدم من الجنة وهبوطه إلى الأرض، كان إهانة له، وغضبًا من الله عليه.. فيقول: من وقع في وهمه مثل هذا، فقد أخطأ، ولم يعرف قدر آدم ولا رسالته. إن استمرار آدم في الجنة، يكون فيه حرمان له عن مزاولة مهام الخلافة التي من أجلها خلقه الله. ولهذا بعد أن تاب آدم وتقبل الله توبته، أمره بالهبوط إلى الأرض وكرّمه بتسليمه عمله الذي من أجله خلقه. كما أمر إبليس أيضًا بالهبوط: {وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ} (البقرة: 36). وقد بدأ آدم ومعه زوجه يمارس اختصاصاته في الأرض، ويعمر الكون بذريته التي انتشرت في جميع بقاع الأرض. وهو قد خرج من الجنة وتركها ليعود إليها بعد انتهاء أجله من الدنيا، وتكون ميراثًا للمؤمنين الصالحين الصادقين المخلصين من ذريته. وصدق الله إذ يقول: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا} (مريم: 63). هكذا قدّم الدكتور فؤاد مخيمر عرضًا جديدًا لقصة آدم عليه السلام، اهتم فيه بالمنهج التربوي التوجيهي، وبالدروس التي تجعل من هذه القصة نموذجًا مكثّفًا لقصة الإنسان، وما أُنيط به من مهمة، وما زُوّد به من فضائل ومقومات: العلم والمنهج والإرادة والتوبة، وما يحيط به من صراع الخير والشر.