فقدت الأمة الإسلامية عالما من علمائها المخلصين يوم الجمعة الخامس من يونيو 2020، حيث أُعلن عن وفاة علامة اللغة والتفسير في اليمن الشيخ عبد الواحد الخميسي الذي وافته المنية عن عمر يناهز 53 عاما، في رحيل مؤلم وقاس إثر إصابته بوباء كورونا في صنعاء.

وقد نعى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وفاة الشيخ عبد الواحد الخميسي رحمه الله، في بيان جاء فيه أن الشيخ الخميسي قضى سنوات عديدة من عمره في الدعوة والعلم، “وكان رحمه الله من كبار علماء اليمن، ومرجعها الشرعي واللغوي”.

وكتب علامة اللغة العربية والتفسير في اليمن رسالة قبل يومين فقط من وفاته اثر اصابته بفيروس كورونا، نشرها على صفحته في فيسبوك، وكان قد طلب فيها، من يدله على دكتور في صنعاء يأتمنه على نفسه ليذهب إليه بعد أن بدأت تظهر عليه أعراض فيروس كورونا.

الوباء يفتك بالشيخ

وقال الخميسي في رسالته :” الإخوة الكرام الأعزاء..من يعرف منكم طبيبا مأمونا في صنعاء، نذهب إليه للعلاج فقد طلعنا تحاليل فقالوا: إنها التهابات في الصدر، والآن تأزم وضع المرض.. فنرجو ممن يعرف طبيبا مختصا في الالتهابات الصدرية، أن يرشدنا إليه، ونرجو منكم الدعاء والمسامحة.. أخوكم عبد الواحد الخميسي”. بعدها توفي العلامة الخميسي في منزله بصنعاء وعزاه كبار علماء المسلمين وشخصيات يمنية وعربية.

وتعيش صنعاء ومحافظات يمنية أخرى وضعا كارثيا مع تفشي فيروس كورونا في ظل انهيار تام للخدمات الصحية، حيث غصت المستشفيات بأعداد كبيرة من حالات الاشتباه بكورونا ووفاة العديد ممن ظهرت عليهم أعراض المرض وأغلبهم توفوا في منازلهم ولم يجدوا أدنى رعاية صحية.

فمن هو الشيخ عبد الواحد الخميسي؟

المولد والنشأة وطلب العلم

هو الشيخ عبد الواحد بن عبد الله بن علي الخميسي، ولد عام 1967م في الخميسين -حجة- اليمن، ونشأ في بيئة علمية جل من فيها من خريجي كلية الشريعة بالرياض، أو الجامعة الإسلامية، ودرس على يد والده الشيخ عبد الله بن علي الخميسي الفقيه اللغوي المفسر، وأخذ عليه كثيراً من العلوم الشرعية متوناً وشروحاً، في اللغة والفقه وأصول الفقه، والمواريث، كما درس على أيدي كثير من العلماء في اليمن وخارج اليمن.

وحصل الدكتور الخميسي على الكثير من الإجازات العلمية منها إجازة في القضاء والفتوى من القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني، إجازة في المذهب المالكي من الشيخ محمد بن المختار الشنقيطي، إجازة في الإعجاز العلمي من الشيخ عبد المجيد بن عزيز الزندان، إجازة من الشيخ قاسم بحر في جميع مروياته.

كما عمل مدرسا بالمعاهد العلمية سابقا، ثم موجها بوزارة التربية والتعليم، ثم انتقل إلى التدريس بالجامعة فدرس بجامعة الإيمان لمادتي اللغة العربية والتفسير ، وشارك رحمه الله في التدريس في مراكز وجامعات أخرى، ورئيس تحرير صحيفة “صوت الإيمان”.

نشأ الخميسي في كنف والده وأخذ عليه كثيرا من العلوم الشرعية متونا وشروحا، فمن المتون: متن الآجرومية بشرحه، ومتن الألفية – ألفية ابن مالك بشرح ابن عقيل، في النحو، وفي الفقه متن الزبد لابن رسلان بشرحه مواهب العمد، وأيضاً: زاد المستقنع في اختصار المقنع، وشرح أبي شجاع للقاسمي وغيرها.

وفي المواريث متن الرحبية بشرحه للإمام الشنشوري، وفي التجويد متن الجزرية بشرحها: المنح الفكرية على المقدمة الجزرية، وقرأ أيضاً عليه تفسير فتح القدير من أوله إلى آخره، وبلوغ المرام بشرح سبل السلام، وغيرها وأيضاً ممن قرأ عليهم: خاله – أخ لأمه- الشيخ علي محمد عبد الله الخميسي مدير مكتب التوجيه والإرشاد بحجة، وهو من خريجي كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وقد أفاده كثيرا وشجعه على طلب العلم. وقد قرأ عليه المذكرة في أصول الفقه، وإرشاد الفحول للإمام الشوكاني، وأيضاً سمع له أي: قرأ عليه ألفية ابن مالك مع شرح ابن عقيل.

كما قرأ كثيرا منت العلوم الشرعية على أستاذه الذي درسه في الابتدائية الشيخ محمد حسن السودي الخميسي خريج كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. وكان يشجعه على طلب العلم.

كما تتلمذ على يد العديد من العلماء، في مقدمتهم والده الشيخ عبد الله بن علي الخميسي، ثم خاله الشيخ علي محمد عبد الله الخيمسي، بالإضافة إلى الأستاذ الشيخ محمد حسن السودي الخميسي والقاضي أحمد حسن الطيب عضو المحكمة العليا والشيخ منصور بن علي الخميسي والشيخ عبد المجيد عزيز الزنداني والدكتور عبد الكريم زيدان ومحمد بن إسماعيل العمراني وعبد الوهاب بن لطف الديلمي وعبد الله الحاشدي ومحمد بن يوسف حربة وأمين مقبل وعلي بن عبد الله العديني ومحمد المختار الشنقيطي وأحمد عالي الشنقيطي ومحمد سعيد الشنقيطي والعلامة قاسم بحر و عبد اللطيف هايل وصالح الظبياني والشيخ الدكتور أبوبكر الشنقيطي وغيرهم.

المؤهلات والإجازات والإنتاج العلمي

الشيخ عبد الواحد الخميسي حاصل على بكالوريوس في العلوم الشرعية واللغوية وماجستير في النحو والصرف ودكتوراه في النحو والصرف.

ومن إجازاته العلمية: إجازة في النحو والصرف من الشيخ العلامة محمد بن المختار الشنقيطي: الإجازة في حفظ الألفية وشرح ابن عقيل. إجازة في القضاء والفتوى من القاضي العلامة محمد بن إسماعيل العمراني. إجازة في المذهب المالكي من الشيخ محمد بن المختار الشنقيطي. إجازة في الإعجاز العلمي من الشيخ عبد المجيد بن عزيز الزنداني. إجازة من الشيخ قاسم بحر في جميع مروياته.

أما الوظائف التي تقلدها فقد عمل مدرسا بالمعاهد العلمية وموجها بوزارة التربية والتعليم ومدرسا بجامعة الإيمان لمادتي اللغة العربية والتفسير  ومدرس لمادة النحو في برنامج رعاية الموهوبين ومدرس بمركز الإمام مالك.ومشاركا في التدريس في مراكز وجامعات أخرى. ورئيس تحرير صحيفة (صوت الإيمان).

أما بالنسبة لانتاجه العلمي العلمي فلدى الشيخ عبد الواحد الخميسي العديد من البحوث والمؤلفات و بينها كتاب “التسهيل في النحو والصرف”.كتاب “التلخيص في النحو ” وكتاب “علم البيان في التشبيه والمجاز والكناية”. وكتاب “من أوجه الإعجاز البلاغي” وكتاب “دروس في قواعد الإملاء”، وكتاب “الكلمة الطيبة (لا إله إلا الله) والشجرة الطيبة وأوجه الشبه بينهما”.

كما لديه بحوث أخرى في الأدب والبلاغة والإعجاز.

الحياة الدعوية

بدأ حياته الدعوية والتعليمية وهو في سن الخامسة والعشرين حيث كان يقوم بتدريس حلقات في المقايل والمجالس وذلك في الفقه والأصول، والتجويد والنحو، والبلاغة، وغيرها من العلوم الشرعية.

وكان آنذاك مدرسا في المعاهد العلمية، ثم تواصلت الحياة الدعوية والتعليمية حتى إنه قام بتدريس ابن عقيل مرتين ابتداء من مسجد قطران في بير عبيد وانتهاء بمسجد جامعة الإيمان، كذلك قام بتدريس القطر – قطر الندى، والتحفة السنية، وأدب البحث والمناظرة، والمواريث، وجواهر البلاغة وغير ذلك.

وكان مع ذلك يذهب للدعوة في كثير من مناطق الجمهورية لإقامة الدورات العلمية ونحوها.

الخميسي وعلماء شنقيط

الشيخ عبد الواحد الخميسي هو الذي قال عنه علماء شنقيط: “ماورث علمَنا في صنعاء مثل عبدالواحد الخميسي”. فقد كان رائد اللغة العربية واشتقاقاتها والعالم بألطاف معانيها ودلالاتها والسابح في بحورها ومحيطاتها المقتبس من أنوارها وإشراقاتها.

كان الخميسي نابغة في الأدب وعملاقا في الشعر وعالما فذا من علماء اللغة، وواحدا من أبرز من أنجبتهم اليمن، فلم يدخل أحد صنعاء إلا وتعلم النحو على يديه أو له عليه دين. عرف بنبوغه وعبقريته وحله لمشكلات النحو ومعضلات العربية وخفايا الأصول فأثنى العلماء ركبهم بين يديه وهم كبار وهو الصغير.

كان الشيخ الخميسي يتعامل مع اللغة كمادة فقهية ثرية وحية يستنبط منها وبها معان جميلة بعيدا عن الجمود المعهود عند أرباب اللغة الذين جعلوها مجرد نقولات ومتون وحدود، وكان المؤمل به في اليمن أن يجدد فيها ويمنحها وسما متميزا يكون هو ربانه، وفارس ميدانه وقد فعل ذلك فجاء أجله المحتوم..