تعريف غريب القرآن ، لغة: يقال غرب الكلام غرابة: غمض وخفى، فهو غريب والجمع غرباء، وهي غريبة، والجمع: غرائب، والغريب: غير المعروف والمألوف كما فى الوسيط (1).
واصطلاحا: ما احتاج إلى البيان أو إلى مزيد منه من ألفاظ القرآن الكريم أو غيره.
وليس المقصود هنا الغرابة بالمعنى الذي عده علماء البلاغة عيبا مخلا بفصاحة الكلمة ذاهبا بفصاحة وبلاغة ما يشتمل عليه من كلام، والذي عرفوه بكون الكلمة وحشية غير ظاهرة المعنى، بحيث لا ينتقل ذهن العربي الخالص العروبة إلى معناها بسهولة، أو كونها غير مأنوسة الاستعمال في المعنى المراد منها لدى خلص العرب، بحيث يحتاج تخريج الأمر فيها إلى وجه بعيد (2).
لأن فصاحة الكلام فضلا عن بلاغته متوقفة لامحالة على فصاحة كل كلمة منه، والقرآن الكريم قد انتهى من البلاغة إلى حد الإعجاز.
وفي ذلك يقول السعد التفتازاني -يرحمه الله-مدافعا عن اشتمال القرآن على كلمات غير فصيحة فيقول فمجرد اشتمال القرآن على كلام غير فصيح، بل على كلمة غير فصيحة إنما يقود إلى نسبة الجهل أو العجز إلى الله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا (3).
وترتيبا على ما سبق لا يصح بحال ما رواء المتساهلون من الأخبار المؤذنة بجهالة الجماهير من الصحابة لمعاني بعض ألفاظ القرآن، لأنهم عرب خلص، وما كانت لتفوت الحمية العربية ولا سيما لدى أهلها أعداء الدين والقرآن في عصره مطعنا يوجهونه إلى القرآن فى مقتل.
نعم قد يجر العجل الذي خلق منه الإنسان إلى عدم تبصر في سياق أو تدبر في قرينة تستوجب الحمل على مجاز، فيقع خطأ الفهم من بعضهم حتى يستبين النبي ﷺ فيبينه له، كقصة عدي بن حاتم في الخيط الأبيض والأسود (4) وقصة عائشة في الحساب اليسير (5).
وقد يتعنت من سفه نفسه من كفرة العرب تلقاء لفظ من ألفاظ القرآن المجيد فينكر ما في حقيقته من البيان والهدى، فما يلبث القرآن أن يفضح أمره ببيانه الحاسم أن حقيقة أمر اللفظ معلومة للكافة كقصتهم مع لفظ الرحمن، (6) وقصتهم مع شجرة الزقوم (7).
وقد بدأت أولى خطوات شرح الغريب والحديث عنه مبكرة في العهد المكي لنزول القرآن متمثلة في بيان القرآن ذاته تارة، وبيان النبي ﷺ بسنته تارة أخرى، ونتبين من ذلك أن الغريب هنا يراد منه ما احتاج إلى البيان أو إلى مزيد من ألفاظ القرآن الكريم أو من سنة النبي ﷺ.
ثم اتسعت خطوات الحديث عن الغريب وشرحه بعد عهد النبوة فى عصر الصحابة فمن بعدهم من التابعين وتابعيهم، فكلما طال بالناس زمان احتاجوا إلى المزيد من البيان، نظرا لكثرة الفتوحات ودخول الكثير من غير العرب في الإسلام، واختلاط العرب بهم، حتى سرت اللكنة إلى اللسان العربي،
وذهب من العرب الخلص، وجاء المولدون، بحيث احتاج أكثر ما كان بينا بنفسه إلى البيان، لحصول الجهل به، لا نقول للعامة فقط بل سرى الكثير من ذلك إلى بعض الخاصة أيضا.
وهكذا دعت الضرورة إلى تصنيف كتب النحو والصرف والبلاغة ومعاجم اللغة الشارحة لمتنها، والمصنفات الشارحة لفقهها، وكان من بين ذلك بطبيعة الحال، ونظرا لفرط رعاية الأمة بقرآنها أن أفردته المصنفات العديدة فيما يختص بغريب القرآن.
ويضاف إلى هذه الضرورة أن بيان اللفظ القرآني قد لا يتوقف على معرفة حقيقة اللغة فحسب، بل قد يكون الحمل على الحقيقة اللغوية فيه من أفسد الفسادة أرايت لو حمل حامل لفظ مبصرة في قوله تعالى {وآتينا ثمود الناقة مبصرة} (الإسراء:٥٩) علي حقيقته ولم ينظر إلى السياق والقرآئن المضطرة اضطرارا للصرف إلى المجازي كم يقع في الفساد والباطل.
فمن ثم كانت الضرورة -من أكثر من وجه- إلى وضع المصنفات المفردة المختصة بهذا اللون من علوم القرآن، فأفرده بالتصنيف خلائق لا يحصون كما قال السيوطي (8).
وأمثل ما بأيدى الناس منها اليوم كتاب “المفردات في غريب القرآن” للحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصبهاني المتوفى سنة (٥٠هـ/١١٠٨م) على ما اختاره الزركلي فى الأعلام.
يقول الراغب في مقدمته عن سبب تصنيفه لكتابه: “وذكرت أن أول ما يحتاج أن يشتغل به من علوم القرآن: العلوم اللفظية، ومن العلوم اللفظية تحقيق الألفاظ المفردة، فتحصيل معاني ألفاظ القرآن في كونه أوائل لمن يريد أن يدرك معانيه، كتحصيل اللبن في كونه أول في بناء ما يريد أن يبنيه، ليس ذلك نافعا في علم القرآن فقط بل هو نافع في كل علم من علوم الشرع، فألفاظ القرآن هي لب كلام العرب وزبدته وواسطته وكرائمه، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء في أحكامهم وحكمهم، وإليها مفزع حذاق الشعراء والبلغاء في نظمهم ونثرهم، وماعداهما وعدا الألفاظ المتفرعات عنها والمشتقات منها هو بالإضافة إليها كالقشور والنوى بالإضافة إلى أطايب الثمرة، وكالحثالة والتبن بالإضافة إلى لباب الحنطة.
ولمجمع اللغة العربية بمصر مصنف نفيس في هذا الباب في مجلدين تحت اسم “معجم ألفاظ القرآن الكريم” استرشد في طريقة وضع الألفاظ فيه بالمعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم.
هذا بالإضافة إلى جميع كتب التفسير، فما من كتاب في التفسير إلا ويعني صاحبه بشرح الغريب مبسوطا كان المصنف أو متوسطا أو موجزا.
أ. د. إبراهيم عبد الرحمن خليفة