لماذا تفرح بالإجازة ؟ وبأي شيءٍ تنوي استغلالها ؟ هل لك برنامج معين في الإجازة ؟ ماذا ستفعل بالإجازة ؟

إجابات هذه الأسئلة وغيرها تتفاوت وتتغاير بحسب توجه الشخص وميوله وطاقته وهمته ، { وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا } (البقرة : 146) وكلّ إناءٍ بما فيه ينضح. فالناس في الإجازة على ثلاثة مراتب، فمنهم الظالم لنفسه، ومنهم المقتصد، ومنهم السابق بالخيرات.

فأما القسم الأول : فنفوسهم إلى كلّ ما يُغضب الله منشرحة وإلى الطاعات والقربات متثاقلة يبارزون الله بشتى أنواع المعاصي، منهم من قد أعدّ العدة وهبّ إلى ساحات الخنا والفسوق وإلى ديار الكفر والفجور، ومنهم من تسكع بالشوارع والأسواق، فجعل همّه وغايته أذية عباد الله، وانتهاك أعراضهم، جند بالنهار ركبان بالليل، همم عالية وطموحات دونها الثريا، ولكن ليست في مرضاة الله ولا في سبيله.

وأما القسم الثاني : فهم الذين اكتفوا بالفرائض واجتنبوا كثيراً من المعاصي، ليس لهم طموح ولا هدف واضح ولا همّة في الزيادة والاستزادة من نوافل العبادات والطاعات، مكثرون من المباحات وقد يشتغلون بتوافه الأمور، فالوقت والصحة لا يعنيان لهم شيئاً، ويفرحون بالإجازة لأجل النوم والراحة والدعة .

وأما القسم الثالث : فهم أعلى المراتب وأفضلها وأهلها من الأتقياء الأنقياء الأصفياء هم خاصة الله وأحباءه لا يرضون بالدنية ولا بالقليل من الأعمال همم تُناطح القمم، عرفوا الوقت وثمّنوه فلكلّ دقيقة منه لها شأن عندهم، استنشقوا بقلوبهم عبق سير أسلافهم فشحذوا بها الهمم وتنافسوا . فيا تُرى ما هي أحوال أسلافهم مع الوقت ؟ وكيف كانوا يقضونه ؟ وما هي نضرتهم للفراغ ؟

يقول ابن مسعود رضي الله عنه : إني لأكره أن أرى الرجل فارغا، لا في عمل الدنيا، ولا في عمل الآخرة .

كان ابن الجوزي رحمه الله من شدة حرصه على الوقت يجعل بريَ الأقلام في أوقات مجالسة من يزوره، وقد أوصى يوماً ابنه فقال :واعلم يا بني أنّ الأيام تبسط ساعات، والساعات تبسط أنفاساً، وكل نَفَسٍ خِزانة، فاحذر أن يذهب نَفَسٌ بغير شيء، فتَرى في القيامةِ خزانةً فارغة فتندم .

والوقتُ أنفسُ ما عُنيتَ بحفظه وأراه أسهل ما عليك يضيعُ

قال الحسن البصري رحمه الله : أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشدّ منكم على دراهمكم ودنانيركم .

عامر بن عبد قيس – أحد التابعين – قال له رجل مرة : كلّمني . فقال له : أمسك الشمس ! وما ذلك إلا ليشعره بقيمة الوقت.

قال موسى بن إسماعيل : لو قلت لكم إني ما رأيت حماد بن سلمة ضاحكا قط صدقتكم ، كان مشغولا بنفسه ؛ إما أن يُحدِّث ، وإما أن يقرأ ، وإما أن يسبح ، وإما أن يصلي . كان قد قسم النهار على هذه الأعمال.

فماذا عسانا أن نقول نحن بعد هذا ، وفينا من يتفنّن في تضييع الأوقات بتوافه الأمور والأشياء ، بل وبما يُغضب الله ، والله يقول : { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ } (الشرح : 7 – 8)

قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره : أي إذا فرغت من أمور الدنيا وأشغالها وقطعت علائقها ، فانصب إلى العبادة وقم إليها نشيطا فارغ البال وأخلص لربك النية والرغبة .

وقال صلى الله عليه وسلم : ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة ، والفراغ ) . رواه البخاري .

فهاهما النعمتان قد اجتمعتا في هذه الأيام عند الكثيرين ، فأروا الله يا عباد الله من أنفسكم خيراً ، واعلموا أنه سيأتي يوم يندم المُحسن على ساعةٍ لم يزدد فيها إحسانا ، هذا حال المُحسن في تفريطه لساعة فما ظنّك بحال من أمضى سنيناً يبارز الله بشتى أنواع المعاصي ، { يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } (الفجر : 23-24)، فإلى متى التسويف يا هذا،  وماذا تنتظر إلا غناً مطغياً أو فقراً منسياً أو مرضاً مفسداً أو هرماً مفنداً أو موت مجهزاً ، أو الدجال فالدجال شرّ غائب يُنتظر أو الساعة والساعة أدهى وأمر .

يا من يعد غداً لتوبته أعلى يقين من بلوغ غدِ ؟
المرء في زللٍ على أملٍ ومنية الإنسان بالرصدِ
أيام عمرك كلها عدد ولعلّ يومك آخر العددِ