المقصود بالواجب هو ما أمر به الشارع على وجه الإلزام، وهو مرادف للفرض الذي هو الركن عند جمهور الفقهاء ويستعمل اللفظان ويدلان على معنى واحد، وبناء عليه فإن حد واجبات الصلاة لا يختلف عن فرائض الصلاة، فمن ترك عملا من فرائض الصلاة فقد ترك واجبا من واجباتها، وتبطل الصلاة بهذا الترك وعليه الإعادة. هذا ما تقرر عند جمهور الفقهاء لذلك كل ما سيذكر في هذا الفصل بناء على رأي الجمهور تكرر ذكره في فرائض الصلاة.
حد الواجب عند الحنفية
فرق الحنفية بين المقصود بالفرض والواجب، حيث ميزوا الواجب بأنه ما طلب الشارع فعله طلبًا جازمًا بدليل ظني الثبوت أو ظني الدلالة، مثل صدقة الفطر والأضحية وقراءة الفاتحة وصلاة الوتر ومسح ربع الرأس، وحكمه وجوب إقامته كالفرض، ولكنه لا يكفر جاحده، ويفسق تاركه إذا تركه استخفافًا.
أما الفرض فهو ما طلب الشارع فعله على وجه اللزوم بدليل قطعي واتفقوا مع الجمهور على هذا التعريف.
وبناء على هذا التفريق فإن المكلف إذا ترك الفرض بطل عمله، عند الحنفية، كما لو ترك المصلي الركوع أو السجود، ولا تبرأ ذمته إلا بالإعادة، أما إذا ترك الواجب فإن عمله صحيح ولكنه ناقص، وعليه الإعادة، فإن لم يعد برئت ذمته مع الإثم[1].
واجبات الصلاة عند الحنفية
ولما كانت الواجبات عند الجمهور تؤدي تمام المقصود بفرائض وأركان الصلاة ركز المقال على الواجبات عند الحنفية حيث لم يقل بواجبات الصلاة سوى الحنفية والحنابلة مع وجود الاختلاف في هذه الواجبات في المذهبين، دون غيرهم من الفقهاء.
وحد واجبات الصلاة عند الحنفية أنه ما تبطل الصلاة بتركه عمدًا ويسقط جهلًا ويجبر به سجود السهو سهوًا.
والواجب عندهم ما ثبت بدليل فيه شبهة، وحكمه: استحقاق العقاب بتركه عمداً، لكن لا تفسد الصلاة بتركه، ويلزم سجود السهو لنقص الصلاة بترك الواجب سهواً، ويجب إعادة الصلاة بترك الواجب عمداً، أو سهواً إن لم يسجد سجود السهو له. وإن لم يعدها، يكون فاسقاً آثماً، كما هو الحكم في كل صلاة أديت مع كراهة التحريم.
وعدد واجبات الصلاة عند الحنفية ثمانية عشر وهي:
- افتتاح الصلاة بلفظ (الله أكبر) لا في صلاة العيدين فقط.
- قراءة الفاتحة: لقوله ﷺ: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» (1) وهذا عندهم لنفي الكمال؛ لأنه خبر آحاد، لا ينسخ قوله تعالى: {فاقرؤوا ما تيسر من القرآن} [المزمل:20/ 73]، فوجب العمل به. ويسجد للسهو بترك أكثرها، لا أقلها؛ لأن الواجب عند أبي حنيفة وأبي يوسف أكثرها، لا كلها.
وقال الجمهور (غير الحنفية): إن قراءة الفاتحة ركن في كل ركعة من ركعات الصلاة. إلا أن الشافعية قالوا: هي ركن مطلقاً، وقال المالكية: هي فرض لغير المأموم في صلاة جهرية.
- قراءة سور ة بعد الفاتحة: يجب قراءة سورة قصيرة كالكوثر ونحوها.
- يجب قراءة السورة في الركعتين الأوليين من الفرض على المذهب، لمواظبة النبي ﷺ على القراءة فيهما.
- تقديم الفاتحة على قراءة السورة، لمواظبة النبي ﷺ على ذلك. فلو بدأ بالسورة قبل الفاتحة سهواً، ثم تذكر، قطع القراءة، وقرأ الفاتحة، ثم السورة، ويسجد للسهو.
- ضم الأنف للجبهة في السجود، لمواظبة النبي ﷺ عليه. ولا تجوز الصلاة بالاقتصار على الأنف في السجود، على الصحيح.
- رعاية الترتيب بين القراءة والركوع، وفيما يتكرر في كل ركعة، فيأتي بالسجدة الثانية قبل الانتقال لغيرها من أفعال الصلاة، بدليل المواظبة منه ﷺ على مراعاة الترتيب.
- الاطمئنان في الأركان: بتسكين الجوارح في الركوع والسجود ونحوهما من الرفع والاعتدال، حتى تطمئن مفاصله قدر تسبيحة في الركوع والسجود والرفع منهما.
- القعود الأول في صلاة ثلاثية أو رباعية: لمواظبة النبي ﷺ عليه، وسجوده للسهو لما تركه وقام ساهياً.
- قراءة التشهد في القعود الأول، في الصحيح، لقوله ﷺ: «إذا قعدتم في كل ركعتين، فقولوا: التحيات لله … » والأمر للوجوب.
وقال غير الحنفية عن هذين الأمرين: إنهما سنة؛ لأن عدم تداركه من النبي يدل على عدم وجوبه.
- قراءة التشهد في الجلوس الأخير، لمواظبة النبي ﷺ عليه. أما الجلوس الأخير فهو فريضة. ويسجد للسهو بترك بعض أو كل من التشهدين: الأول والأخير.
- القيام إلى الركعة الثالثة من غير تراخ بعد قراءة التشهد الأول: فلو زاد عليه بمقدار أداء ركن ساهياً، وأقل الزيادة المفوتة للواجب عن التشهد الأول مقدار (اللهم صل على محمد) فقط على المذهب، سجد للسهو، لتأخير واجب القيام للثالثة.
- لفظ (السلام) دون (عليكم) مرتين في آخر الصلاة، عن اليمين واليسار، لمواظبة النبي ﷺ، وأما (عليكم ورحمة الله) فهو سنة. وكل من التسليمة الأولى، والثانية واجب في الأصح، فلو فرغ المقتدي قبل فراغ الإمام، فتكلم أو أكل، فصلاته تامة.
وليس السلام فرضاً، لحديث ابن مسعود: «أن النبي ﷺ كان يسلم عن يمينه وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله، حتى يُرى بياض خدِّه» وهو يدل على مشروعية التسليمتين.
وقال غير الحنفية: السلام للخروج من الصلاة فرض.
- جهر الإمام بالقراءة في ركعتي الفجر والركعتين الأوليين من المغرب والعشاء، ولو قضاء، وفي صلاة الجمعة والعيدين، والتراويح، والوتر في رمضان، لفعله ومواظبته ﷺ. أما المنفرد: فهو مخير بين الجهر والإسرار، والأفضل الجهر، ليكون الأداء على هيئة الجماعة.
- إسرار الإمام والمنفرد في صلاتي الظهر والعصر، وفيما عدا الركعتين الأوليين من المغرب والعشاء، وفي صلاة النفل بالنهار.
- قنوت الوتر
- وتكبيرات العيدين (وهي ثلاث في كل ركعة)
- إنصات المقتدي، ومتابعة الإمام، في صلاة الجماعة.