طبيعة الإسلام في عالمية الرسالة وعالمية التوجه والعلاقات، وأسسه قائمة على تحقيق المنافع وجلب المصالح للبشر أجمع، ودرء المعاناة والمفاسد، وقد اشتق الإسلام اسمه من السلام، ومن ثم كانت مقاصده ودعوته: السلامة والرحمة، وحيثما وجد مسلم وثمة السلامة والرحمة، ولذا حملت الشريعة الإسلامية السمحة في طياتها: التطيبق الحقيقي للعدل المبين في مبادئ العلاقات بين الجميع، وقمع الظلم ومحاربته في جميع المستويات، فرديا أو جماعيا، بغض النظر عن جوهر الاعتقاد والأديان، مما يؤكد ازدهار الإسلام لكرامة الإنسانية بلا ازدراء.
من الأسس التي قررها الإسلام في بناء العلاقات الشمولية بين الناس منذ قدومه:
المساواة بين جميع الخلق
قاعدة الشريعة الإسلامية تقول: لا أفضلية لأحد على آخر، ولا قومية ولا عنصرية بالألوان ولا تفخر بالجنسية والأنساب والوطنية، وكل ذلك منتنة يجب نبذها ومحاربتها، وإنما الذي يجب أن يتسابق الناس دوما إليه، وينال فيه الأفضلية التقوى كما جاء في قوله عز وجل: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13].
العدالة المطلقة
العدالة سمة حميدة بارزة في قواعد الإسلام وجميع نواحيه، وهي مراعاة في الإنسان المسلم مع نفسه، ومع غيره: سواء الحبيب منهم أو العدو، مسلمهم وكافرهم، ومن ثم حرم الإسلام الظلم بجميع أنواعه، ولا يسمح مثقال ذرة من التظلم شيئا، وربنا سبحانه يقول: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8].
التعايش والتعارف
من مبادئ العلاقات الواضحة في دين الإسلام الدعوة إلى حسن التعايش مع الناس {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83] وحسن الجوار {لاَ يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8] ومن أغراض التعايش: التعارف والتقرب {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] ومن خلال التعارف والمعايشة تتبين للناس محاسن الدين وأهدافه.
الحرية العقدية أو الاعتقادية
وعلى مر تاريخ الأمة؛ فإن أهل الديانة الأخرى في الدولة الإسلامية ممنوحون حرية التدين بلا التضييق ولا القسوة بل بالرفق والتسامح، ولا أحد يجبر بالقوة على اعتناق دين الإسلام لأنه {لَا إِكْرَاه فِي الدّين}. وتفتح عالمية الرسالة الإسلامية أبوابها وترحب بالعلاقات بمجالاتها المختلفة وتعقد المعاهدات وفق المبادئ الإسلامية السمحة.
وهذا نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام كان من هديه: مراسلة ملوك زمانه، وبعث الوفود إلى الآفاق، وفي أيام مكة يرى عليه الصلاة والسلام مواسم الحج انتهاز الفرص لتأسيس العلاقات مع الوفود وتوسيع دائرة تبليغ الدعوة إلى عموم الناس، وكذا حاول إيجاد النجدة من أهل الطائف، وعلى صعيد المستوى الخارجي نرى توجيهه عليه الصلاة والسلام لأصحابه بالخروج من مكة إلى الحبشة:” لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن فيها مليكاً لا يظل عنده أحد، وهي أرض صِدق حتى يجعل الله لكم فرجاً[1] وهذا الصنيع يؤكد على مدى التعاون الدولى الذى فكر فيه ﷺ في تلك الظروف الصعبة.
ثم لما قدم – عليه الصلاة والسلام- المدينة بادر في أوليات اهتمامه إلى وضع الدستور: الوثيقة الشهيرة بـ(صحيفة المدينة) التى عقدها مع غير المسلمين اليهود وغيرهم، وتضمنت تلك الوثيقة بنودا تفصلية عدة، تمثل النظام الإسلامي في بيان الواجبات الأساسية، وحفظ الحقوق الاجتماعية، ورعاية المصالح المشتركة بين جميع طوائف المجتمع.
وبهذا الواقع التاريخي الإسلامي يتبين بأن الإسلام قد سبق الأمم في إنشاء أصول ومبادئ تبنى عليها العلاقات مع الدول والجماعات والأفراد.
قيم وعلاقات
يقول ابن عمر رضي الله عنهما: بعث أبو بكرٍ الصديق يزيد بن أبي سفيان على جيشٍ، فخرج معه يمشي وهو يوصيه، فقال: يا خليفة رسول الله! أنا الراكب وأنت الماشي؛ فإمّا أن تركب وإمّا أن أنزل، فقال أبو بكر رضي الله عنه: ما أنا بالذي أركب ولا أنت بالذي تنزل؛ إني أحتسب خُطاي هذه في سبيل الله، ثمَّ قال: إني موصيك بعشرٍ فاحفظهنَّ:
1 ـ إنك ستلقى أقواماً زعموا أنهم قد فرَّغوا أنفسهم لله في الصوامع، فَذَرْهُمْ وما فرَّغوا أنفسهم له.
2 ـ وستلقى أقواماً قد حلقوا أوساط رؤوسهم من الشَّعر، فافلقوها بالسيف.
3 ـ ولا تَقْتُلَنَّ مولوداً.
4 ـ ولا امرأة.
5 ـ ولا شيخاً كبيراً (هَرِماً) .
6 ـ ولا تَقْطَعَنَّ شجراً بدا ثمره إلا لنفع، إلا شجراً يمنعكم قتالاً، أو يحجز بينكم وبين المشركين.
7 ـ ولا تَحْرِقَنَّ نحلاً.
8 ـ ولا تخربنّ عامراً، ولا تغرقن نخلاً ولا تحرقنَّه.
9 ـ ولا تَذْبحنَّ بعيراً أو بقرة ولا شاة، ولا ما سوى ذلك من المواشي إلا لأكلٍ.
10 – ولا تهدموا بيعة.[2]
احترام العهود والوفاء
للعهود في الإسلام مكانة عالية يتعين احترامها والوفاء بها كأداء فرائض العبادات، وليس من هدي دين الإسلام الغدر والخيانة، ولم يثبت في صفحات تاريخ المسلمين نقض العهد أو نكث المواثيق، وإنما عرفوا على مد العصور بالوفاء والالتزام بالمعاهدات والعهود، لأنهم جعلوا نصب أعينهم أوامر الله الواردة في هذه الآيات: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} [المائدة:01] وقوله تعالى {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: 91] وقوله سبحانه: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [الإِسراء: 34]. ومتمسكين بقاعدة الإسلام الشهيرة «وفاء بعهد من غير غدر خير من غدر بغدر»
وهذه نبذة يسيرة جدا من أخلاقنا النبيلة من حيث لو قورنت بأخلاق أقوام أخرى لترى بونا شاسعا بين السلوكين، لأن مرجع الأخلاق في الإسلام من الوحيين لا محض العقل البشري.
[1] ـ السيرة النبوية، لابن هشام 1/321.
[2] رواه البيهقي في السنن (18152)