هل اللغة العربية مستعدة لقيادة المستقبل الرقمي؟ في عالمٍ يتسارع فيه تطوّر التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، تبرز مبادرة (بالعربي) من مؤسسة قطر كمنصة رائدة تعيد الاعتبار للغة العربية، ليس فقط كلغة تواصل، بل كلغة ابتكار وتفكير معرفي.
من خلال قمّتها الافتتاحية التي جمعت أكثر من 800 مفكر وخبير وصانع محتوى، وضعت “بالعربي” اللغة العربية على خريطة التحول الرقمي وريادة الأعمال، مع الحفاظ على هويتها الثقافية وجمالها التعبيري.
إن هذا الحراك الثقافي الملهم يعيد رسم مكانة اللغة العربية عالميًا، ويمنح الناطقين بها صوتًا وصدى في فضاء رقمي مليء بالتحديات والفرص، ليصبح المحتوى العربي منبرًا للتأثير والإبداع لا يقل عن أي لغة عالمية.
اكتشف كيف تساهم مبادرة (بالعربي) في تعزيز الهوية الثقافية وتمكين اللغة العربية في المستقبل الرقمي – وانضم إلى المسيرة نحو بناء محتوى عربي مؤثر وإبداعي.
800 مشارك من خبراء ومفكرين ورواد الأعمال ومؤثرين
سلّطت القمة الافتتاحية لمبادرة (بالعربي)، من مبادرات مؤسسة قطر التي عُقدت مؤخرًا في الدوحة الضوء على سُبل تعزيز حضور اللغة العربية في المشهد الرقمي، حيث جمعت أبرز الأصوات التي تؤمن بأن للغة العربية دورٌ أساسي في رسم ملامح المستقبل الرقمي، وعلى مدار يومين، شملت جلسات ثرية ومشاركات ملهمة ناقشت سبل تجذير اللغة العربية في ميادين الذكاء الاصطناعي وريادة الأعمال، مع الحفاظ على أصالتها وجمالها في ظل مشهد التطور التكنولوجي المتسارع.

استقطبت القمّة أكثر من 800 مشارك، وشهدت سلسلة من الجلسات الحوارية والورش التفاعلية والنقاشات الاستكشافية، بمشاركة نخبة من خبراء التكنولوجيا، ورواد الأعمال، والمفكّرين، ممن سعوا جميعًا لاستكشاف آفاق جديدة تعزّز حضور العربية لغة حيّة في عالم عصري متغيّر. وأسفر هذا الحوار البناء بين الخبراء والمبدعين عن رؤى متكاملة أعادت للعربية رونقها كلغة قادرة على التعبير بصدق عن تحديات العصر وابتكاراته.
مبادرة (بالعربي) .. حراك نابض بالتاريخ والحضارة
مبادرة (بالعربي) مبادرة جديدة أطلقتها مؤسسة قطر تحت شعار “للأفكار صوتٌ وصدى”. ومن خلالها يتم الاحتفاء بجمال لغتنا العربية، وتنوع ثقافتها وأفكارها، وتعزيز أصوات الناطقين بلغة الضاد، وتسليط الضوء على قصصهم وإبداعاتهم، كما يتم إثراء العقول من أجل بناء مجتمعات متفاعلة تنهض بالقيم الإنسانية.
وتعتبر مبادرة (بالعربي) بمثابة حراكٍ نابضٍ يستلهم قوته من التاريخ والهوية المشتركة، وتهدف إلى استكشاف الأفكار الملهمة، والتشجيع على التفكير الإبداعي، وإحياء التفاعل الثقافي وتعميق الحوار الفكري، عبر تقديم محتوى متنوّع ومُلهم يعكس ما تتمتع به اللغة العربية من ثراء حضاري.
تعتبر قمة “بالعربي” ملتقى سنوي يعزز الأصوات الناطقة باللغة العربية، ويشجع التبادل الفكري، ويحتفي بالإبداع والابتكار العربي. تجمع القمة بين قادة الفكر والمبتكرين والمبدعين ورواد التغيير الاجتماعي في فضاء حيوي يشجع على التبادل المعرفي والثقافي والحوار البناء.
تنطلق القمة من رؤية مؤسسة قطر الطموحة في إطار مبادرة (بالعربي)، التي تسعى إلى إعادة تأصيل اللغة العربية كمحرك للابتكار والإبداع في عصرنا الحاضر. من خلال برنامج ثري يشمل محاضرات ملهمة، وحلقات نقاش تفاعلية، وورشات عمل متخصصة، تتناول القمة التحديات الملحة التي تواجه مجتمعاتنا العربية وتستكشف الفرص الواعدة التي تسهم في بناء مستقبل أكثر إشراقًا لمنطقتنا.
دفع الله: تجاوزنا حدود التنظير في أهمية العربية
يقول الدكتور أنور دفع الله، استشاري الترجمة في مبادرة (بالعربي): “ما يميز هذه القمّة أنها تجاوزت حدود التنظير حول أهمية اللغة العربية، لتقدم نماذج واقعية تثبت جدارتها كلغة للعلم والمعرفة”.
وشارك الدكتور أنور في جلسة استكشافية بعنوان “ترجمة محتوى ‘بالعربي’: جسر للتواصل العالمي”، حيث تبنى “مشروع الترجمة المفتوح” الخاص بالمبادرة لتحويل المحتوى العربي إلى اللغات المختلفة، لتعزيز وصوله إلى جمهور أوسع.
وأشار إلى أن هذا المشروع “يهدف إلى إتاحة جلسات متحدثي ‘بالعربي’ للعالم من خلال ترجمتها إلى لغات متعددة، ونشر المعرفة، ودعم التوسع الرقمي للغة العربية، بالإضافة إلى تعزيز الاعتراف العالمي بالهوية العربية وإحداث تأثير مجتمعي عبر نقل الأفكار الملهمة إلى الناطقين بمختلف اللغات”.
للأفكار صوتٌ وصدى
وفي ظل النجاح اللافت الذي حققته القمة الافتتاحية، تستعد المبادرة لإطلاق النسخة الثانية من قمة “بالعربي”، إلى جانب مجموعة من الفعاليات الإقليمية التي ستُقام في دول المنطقة. وقد انعقدت القمة الأولى تحت شعار “للأفكار صوتٌ وصدى”، فألهمت المُبتكرين الناطقين باللغة العربية لاستكشاف آفاق جديدة، ومشاركة أفكار وقصص تجارب تثري المشهد الرقمي العربي.

وفي هذا السياق، يقول فيصل العقل، المنتج التنفيذي لمجموعة “سرد” الإعلامية من الكويت: “لاحظنا في السنوات الأخيرة عودة لسؤال الهوية واللغة في مجتمعنا العربي، وبدأت مع هذه العودة مرحلة جديدة من مراجعة القِيم التي نعيش بها واللغة التي نفكر ونتحدث بها، فيما بيننا ومع أطفالنا، ونُنتج من خلالها العلوم والفنون. وجاءت قمة “بالعربي” كفرصة للحوار وتبادل التجارب والخبرات مع صنّاع المحتوى وأصحاب الاهتمام والخبرة في الوطن العربي”.
وتابع قائلًا: “نحن نستند إلى إرثٍ طويل وملهم من التراث العربي والإسلامي الأصيل، ومن المهم تحويل هذا التراث إلى مصدرٍ للإلهام في يومنا الحاضر، وألّا نركن إلى استيراد جميع معارفنا وأفكارنا من الغرب أو اللجوء إلى التغني بالماضي والعيش من خلاله هروبًا من مسؤوليتنا في إكمال المسيرة وما تتطلبه هذه المسؤولية من عملٍ دؤوب مستمر. وختم العقل بالتأكيد على أهمية مثل هذه اللقاءات التي تجمع أصحاب الاهتمام والشأن في العالم العربي.
نظام دوام لتناغم الإيقاع الكوني مع الإيقاع الوجودي
تجلّى ذلك الزخم في القصص الملهمة التي شاركها المتحدّثون، وأبرزت الدور المحوري للغة العربية في مختلف المجالات، من التكنولوجيا إلى ريادة الأعمال، مرورًا بالفنون وعلوم الفضاء. ومن بين تلك المشاركات، طرح عبد الرحمن سيدي من موريتانيا رؤيته لإعادة النظر في أنظمة العمل التقليدية.
وبصفته باحثًا في إدارة الأعمال، اقترح نظام دوام يتناغم فيه الإيقاع الكوني مع الإيقاع الوجودي. وشرح رؤيته التي تجمع بين الفلسفة والعلم نموذجًا جديدًا لنظام العمل، حيث يصبح الزمن عاملًا مساعدًا للإنسان بدلًا من أن يكون مصدرًا لاستنزافه.
قال عبد الرحمن سيدي: “نحن بحاجة إلى أنظمة مرنة تتناغم مع إيقاعاتنا الطبيعية، وتجعل العمل جزءًا من حياتنا، لا كل حياتنا”، مضيفًا: “يجب أن يكون العمل تعبيرًا عن الذات، لا عبئًا عليها. لذلك نحتاج إلى أنظمة عمل مرنة تتناغم مع الإيقاعات الكونية وتُحقّق التوازن بين الإنتاجية وجوهر الوجود الإنساني”.
أما المهندس المصري تيمور الحديدي، فقد شارك الجمهور رحلة بحثه عن سكن مريح، التي تحولت إلى مشروع استثنائي، حيث بنى المهندس بالفطرة قصرًا من المواد المعاد تدويرها. كما نقلتنا إلى الفضاء المهندسة ديانا السندي، العراقية التي انضمت إلى وكالة ناسا، على الرغم من أنها لم تحلم بالفضاء قبل بلوغها سن السادسة عشرة، ثم جعلت الفضاء مغامرة مفتوحة ومتاحة للجميع. ومن جهتها، أخرجت المؤثرة الأردنية سلام قطناني العلوم من المختبرات إلى رحاب المغامرة والإثارة.
ومع إسدال الستار على القمة الافتتاحية لمبادرة (بالعربي)، يظل الأثر الذي أطلقته حاضرًا، شاهدًا على أهمية رسالتها في دعم المحتوى العربي وتعزيزه في مختلف المجالات.
مؤسّسة قطر: 30 عاما من إطلاق قدرات الإنسان
الحديث عن مبادرة (بالعربي) يقودنا للحديث عن دور مؤسسة قطر في هذا المجال، فمؤسّسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع هي مؤسّسةٌ غير ربحية تدعم استدامة التنمية البشريّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة في دولة قطر منذ ثلاثين عامًا، وذلك خلال الكيانات والمراكز التابعة لها ومبادراتها وبرامجها التي تتمحور حول التعليم، والعلوم والبحوث وتنمية المجتمع.

تأسّست مؤسّسة قطر عام 1995 بناءً على رؤيةٍ حكيمةٍ تشاركها صاحب السموّ الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وصاحبة السموّ الشيخة موزا بنت ناصر، تهدف إلى توفير تعليم نوعي للجميع في قطر.
تطوّرت هذه الرؤية على مدار العقود الثلاثة الماضية، لتُصبح منظومة متكاملة وفريدة من نوعها على مستوى العالم، تتيح فرص التعلّم مدى الحياة، وتُعزّز مسيرة الابتكار، وتُمكّن الأفراد من الإسهام في إحداث التغيير الإيجابي الفاعل في مجتمعاتهم.
تتميز منظومة مؤسّسة قطر بتنوّعها وتكاملها بالتعليم النوعيّ الذي تقدّمه في كافّة المراحل التعليمية، بدءًا من الروضة وصولًا إلى ما بعد الدكتوراة، ومراكز البحوث والابتكار والسياسات التي تعمل على ابتكار الحلول لأبرز التحديات المعاصرة، فضلًا عن المرافق المجتمعيّة التي توفر مصادر المعرفة لمختلف الفئات العمريّة، وتشجيعهم على تبني أنماط حياةٍ صحيّة، وتوسيع آفاق التعلّم لديهم في بيئةٍ مفتوحةٍ وجاذبةٍ؛ تحتضنها المدينة التعليمية الممتدّة على مساحة 12 كيلومترًا بالدوحة، قطر.
تُركّز مؤسسة قطر في مساعيها على خمسة محاور رئيسة: التعليم التقدّميّ، والاستدامة، والذكاء الاصطناعيّ، والرعاية الصحيّة الدقيقة، والتقدّم الاجتماعيّ، مع التزامها المستمرّ- منذ ثلاثين عامًا- بالاستثمار في قطر وشعبها من أجل بناء عالم أفضل للجميع.