تمثل أقسام اللغة العربية أهمية بالغة؛ كونها من علوم الآلة في دراسات الشريعة الإسلامية، من نحوها وصرفها وبلاغتها، ودراسات تحليل النصوص، بل ودراسات الشعر الجاهلي وآدابها؛ لأن دراسات إعجاز القرآن في أسلوبه وبلاغته، والاستنباط الفقهي لدى الأصوليين والفقهاء، والتفسير البياني لدى المفسرين؛ يتكئ ضرورة على اللغة العربية وعلومها، فهي اللسان الناطق المفصح عن الدلالات والفهم.

وقد قال الإمام الشافعي – رحمه الله- ” من تبحَّر في النحو اهتدى إلى كل العلوم” ..

 وقال: “لا أُسأل عن مسألة من مسائل الفقه إلا أجبت عنها من قواعد النحو”.

 وقال -أيضًا – : “ما أردت بها – يعني العربية – إلا الاستعانة على الفقه”.

ولقد حرص دعاة التغريب، ورواده وتلاميذه، على فصل علوم العربية عن الشريعة فصلا نكدا مقصودا؛ في جامعاتنا العربية والإسلامية؛ وكان الأولى أن تكون أقسام اللغة العربية ضمن كليات الشريعة وأقسامها، وتحصل التوأمة الروحية والعلمية المكينة بين اللسان والشريعة؛ فإن شواهد العربية في الاحتجاج لاتخرج في ذلك عن نصوص القرآن والحديث وشعر عصر الاحتجاج الذي هو عمدة المفسرين والفقهاء أيضا، فلا انفكاك بينها في الوسيلة والهدف والغاية.

 وقد أدى هذا التباعد في التقسيم والتصنيف في التعليم الجامعي، إلى إخراج حملة لسان بعيدين عن الارتباط بنصوص الوحيين، وضاع الهدف المنشود، فبدلا من أن تكون العربية من علوم الآلة أصبحت لديهم في ذاتها غاية!

 وبالمقابل  تخرج طلاب شريعة يعانون ضعفا بينا في معرفة دقائق اللغة و اللسان؛ فتاهت بوصلة الاستنباط والتأويل.

إن بذل الطاقات التأويلية المبالغ فيها لدى متخصصي العربية، في تحليل قصيدة أو رواية أو نص بشري مهما كان؛ إهدار للطاقات العقلية التأويلية، وخروج عن الهدف المنشود من معرفة دقائق هذا اللسان!

لقد حرصت توجهات فكرية في عالمنا العربي على تغريب اللسان العربي، بصرف وجهته عن علوم الشريعة إلى الدراسات الاستشراقية والغربية ونظرياتها، والتأثر بها غاية التأثر، في الفهم والفكر واللسان، يكاد يصدق فيها وصف متنبي العربية:

وَلَكِنَّ الفَتى العَرَبِيَّ فيها غَريبُ الوَجهِ وَاليَدِ وَاللِسانِ

 وهذا انحراف واضح للبوصلة عن الوجهة الحقيقية والهدف المنشود، من تعلم العربية والتعمق فيها، والوقوف على دقائقها، ومعرفة أسرار ألفاظها وتراكيبها.

كفى عبثا باللسان العربي، وكفى تغريبا وبعدا وابتعادا عن البيان العالي، الذي تفجرت علوم العربية، وانهمرت من معينه العذب النمير، وانبنت حضارة وقف لها التاريخ في إعجاب كبير! حتى عشق العربية غير أهلها، ممن تأثر بهذا الدين العظيم.

العربية هي لسان الإسلام، وبوابة فهم الوحيين، وبراق التأويل، ومعراج التنزيل.

وعلى الأمة أن تعود إلى نهوضها الحضاري العلمي المعرفي، من بوابة لغتها وعلوم شريعتها، وفهم واقعها، وتوظيف طاقات عقول أفرادها؛ لما يخدم حضارة الأمة، ولاتسلب عقول أبنائها، وتهدر طاقاتهم، بعيدا عن الهدف المنشود.