اقرأ أيضا:
والكاتب النقدي من هذا المثال، قد يبدو بعيدا عن هذا المعنى بحسب المقام، ولكن عند التدقيق والتحقيق سيقع في نفس المطب شاء أم أبى ،لأن النفس البشرية واحدة والغرائز هي نفسها والبواعث كذلك لكن الأحوال تختلف بحسب الموضوع والمتولد ما بين المقدمات والنتائج.
ولم يتساءل أحد يوما ما ، وكاتب هذه السطور من بين هذه الجموع، وممن وقع في هذا المطب، عما هو مقامي الأخلاقي وأهليتي العلمية والفكرية حتى يتسنى لي أن انتقد غيري وأهاجم أفكاره وأحللها ، وأعين عيوبه ونقصه وما يعتريها من خلل ومطابقة وغير مطابقة للحال والحقيقة؟
هل لأنني أعلم من الآخر ، أم أنني أعمق فكرا من الآخر ، أم أنني أملك للحقيقة من الآخر؟
ثم ما هي الضرورة لممارسة هذا النقد وإفراغ الجهد فيه كما ما هي الثمرة والنتائج المتوقعة من هذا العمل المضني والمكلف نفسيا وعصبيا وزمنيا ولم لا نقديا؟ فهل هذا من واجب العلم وحتميته أم هو فضول وخوض فيما لا يعني، فلا يجر خيرا إن على مستوى الفرد أو المجتمع والوطن ككل؟
ثم ما هو البديل عن هذا النقد الذي هو عبارة عن هدم لرأي وفعل وتوجه الآخر، والذي بالطبع سيولد غضبا وبالمقابل سيرد عليه بنفس الأسلوب؟
وأيضا ما الفرق بين الناقد العلمي زعما وبين بعض الأحزاب المتصارعة عند فترة الانتخابات ، كل يهدم برنامج الآخر ولكن من غير بديل متميز.
كل هذه الأسئلة وغيرها لم تخطر يوما على البال ولم تراجع فيها النفس على أي حال ، وإنما ستكون هناك سكرة الكتابة طاغية والنزعة نحو قمع المخالف حاضرة، ومن وراء ذلك وهم التشجيع من المحيط بأنك رائد وأنك صاحب الحجج القوية واللجاج المفحم، فتزداد حينذاك الرغبة في تعميق النقد واقتفاء كل شاذة وفادة واستخراج كل نقيصة وما دونها ، ليس لذلك من باعث سوى إفحام الغير والظهور بمظهر المنتصر والمفكر الذي لا يطاول ولا يقاوم .ناسيا المسكين أنه غارق في باب المراء الممقوت شرعا وأخلاقا ، ومنغمس في الجدل العقيم الذي لا ينبت كلأ ولا يبقي أرضا !كما قد يغفل عن قاعدة فيزيائية بسيطة وهي أن مواجهة النار بالنار لا تولد ولا تسعر سوى النار.
ولربما قد يكون هذا النقد مرتبطا في البداية بالموضوع كموضوع لكنه سرعان ما ينتقل إلى الشخص بزعم أن كل فكر يعبر عن سلوك صاحبه واعتقاده ومذهبه فيتسلسل الأمر من قضية إلى قضايا ومن أعراض إلى أمراض ومن حياد إلى أحقاد وهكذا دواليك.
وهنا قد تلعب المذهبية والطائفية والحزبية الضيقة دورا كبيرا في إذكاء هذه النزعة النقدية ، إلى أن تجر صاحبها العاقل ذي اللب نحو العنف الكتابي والشفوي ولم لا اليدوي ، فيفقد حينها الكاتب همته وهيبته وقيمته الأخلاقية والإصلاحية سواء عند العامة أو الخاصة لأنه هو من سيصبح المتفرج عليه من خارج وبعيد وهو من ستراقب أفعاله وأقواله وحركاته، فيتصيد الكل نقائصه ومن ثم تكشف عوراته ، وما أكثر العورات عند الإنسان وما أشدها إيلاما حينما تكون مكشوفة عن كاتب وعالم ومفكر قد كان بالأمس مثالا للانضباط والفضيلة ! و “من تتبع عورة أخيه المسلم، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته، يفضحه ولو في جوف بيته” كما قال سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
المواد المنشورة في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي إسلام أون لاين