ياأيتها النفس المؤمنة؛ إن ثقل عليك الوضوء فتذكري ما قاله ربك الرحيم في كتابه الحكيم في ختام آية الوضوء: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } (المائدة:٦)

ياأيتها النفس المؤمنة؛ إن ثقل عليك الوضوء فتذكري أن الوضوء “له ظاهر وباطن، وظاهره طهارة البدن وأعضاء العبادة، وباطنه وسره طهارة القلب من أوساخه وأدرانه بالتوبة؛ ولهذا يقرن – سبحانه – بين التوبة والطهارة في قوله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (البقرة:222)، وشرع النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – للمتطهر بعد فراغه من الوضوء أن يتشهد ثم يقول: ((اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين)). فكمل له مراتب الطهارة باطناً وظاهراً. فإنه بالشهادة يتطهر من الشرك، وبالتوبة يتطهر من الذنوب، وبالماء يتطهر من الأوساخ الظاهرة، فشرع أكمل مراتب الطهارة قبل الدخول على الله والوقوف بين يديه، فلما طهر ظاهراً وباطناً أُذن له بالدخول عليه بالقيام بين يديه”، كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله.

ياأيتها النفس المؤمنة؛ إن ثقل عليك الوضوء فتذكري أن الوضوء فيه طهارة لك من الخطايا التي ارتكبتها جوارحك، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ أَوِ الْمُؤْمِنُ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ؛ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ المَاء، أو مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ؛ خرجت من يَدَيْهِ كل خَطِيئَة بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ؛ خَرَجَ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ، حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوب)) رواه مسلم في صحيحه.

ياأيتها النفس المؤمنة؛ إن ثقل عليك الوضوء فتذكري ما قاله نبيك نبي المرحمة صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه: ((ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات: قالوا: بلى يا رسول الله قال: إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط))، فالحديث عد أول الأعمال الصالحة التي تكون سبباً في غفران الذنوب وإعلاء المنازل في الجنة “إسباغ الوضوء على المكاره” وهو إتمامه في الحالات الشديدة على النفس مثل أوقات البرد والتعب ونحو ذلك.

ياأيتها النفس المؤمنة؛ إن ثقل عليك الوضوء فتذكري أن الواجب في غسل الأعضاء في الوضوء مرة مرة سابغة، وأن الثلاث سنة. فقد “جاءت الأحاديث الصحيحة بالغسل مرة مرة ومرتين مرتين وثلاثا ثلاثا، وبعض الأعضاء ثلاثا وبعضها مرتين، والاختلاف دليل على جواز ذلك كله، وأن الثلاث هي الكمال والواحدة تجزئ”، كما قال الإمام النووي رحمه الله.

ياأيتها النفس المؤمنة؛ إن ثقل عليك الوضوء فتذكري أن الشريعة السمحة رخصت لك المسح على الخفين، يوم وليلة في حال الإقامة، وثلاثة أيام بلياليها في السفر، ويقاس عليه المسح على الجوربين، فقد ثبت عن جماعة من الصحابة أنهم مسحوا على الجوربين.

ياأيتها النفس المؤمنة؛ إن ثقل عليك الوضوء فتذكري أن ربك الكريم قد رخص لك التيمم بالصعيد الطيب – من التراب ونحوه – في حال كان الماء يضرك، كما في حال المرض أو الجرح الذي يضر معه استعمال الماء أو يشق، فالحكم هنا حكم من لم يجد الماء، كما قال الله تبارك وتعالى: {وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ۚ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (المائدة:٦).

وختاماً؛ ياأيتها النفس المؤمنة؛ إن ثقل عليك الوضوء فتذكري بشارة النبي عليه الصلاة والسلام لأمته: ((إنَّ أُمَّتي يُدْعَوْنَ يَومَ القِيامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِن آثارِ الوُضُوءِ)) كما جاء في صحيح البخاري، “والغُرَّةُ: بَياضٌ في الجَبهةِ، والمرادُ بها هنا النُّورُ الكائنُ في وُجوهِ أُمَّةِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والتَّحجيلُ: بَياضٌ في السَّاق، والمرادُ به هنا أيضًا النُّورُ؛ فإنَّ الوُضوءَ يَترُكُ أثرًا في الوجْهِ والسَّاقِ واليَدينِ يكونُ بَياضًا ونُورًا يومَ القِيامةِ، تَختصُّ به هذه الأُمَّةُ مْن بيْن الأُمَمِ” كما جاء في شرح الحديث في الدرر السنية.