في خطوة تؤكد على التزام دولة قطر بدورها المحوري في إثراء الحوار العالمي وصنع السلام، شارك مركز مناظرات قطر، عضو مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، بفاعلية في أعمال الدورة الثامنة لمنتدى باريس للسلام. وقد سلط المركز، خلال ندوة بارزة عُقدت في الموقع التاريخي “متحف الإنسان” و “متحف البحرية” بالعاصمة الفرنسية، الضوء على إحدى القضايا الأكثر إلحاحاً وتعقيداً في العصر الحديث: الدور المزدوج والـمُتناقض لوسائل الإعلام الرقمية في النزاعات العالمية.
ندوة الإعلام الرقمي في”متحف الإنسان”، التي حملت عنوان “الإعلام كوسيط أم كمُشعل للنزاع؟ الدور المزدوج لوسائل الإعلام (الرقمية) في حل النزاعات”، جمعت نخبة من الخبراء العالميين لفتح نقاش صريح حول تحديات وفرص الفضاء الإلكتروني في جهود بناء السلام
من الدوحة إلى باريس .. حوار قطري حول الإعلام والسلام
جاءت مشاركة مركز مناظرات قطر لتتكامل مع الأهداف الأوسع لمنتدى باريس للسلام في دورته الثامنة، الذي انعقد تحت شعار “تحالفات جديدة من أجل السلام، والشعوب، والكوكب”. المنتدى، الذي احتفل بذكراه العاشرة وتزامن مع الذكرى العاشرة لاتفاق باريس للمناخ، ركّز على الضرورة المُلحّة للتعاون متعدّد الأطراف لمواجهة التحديات العالمية المشتركة، من العمل المناخي إلى بناء السلام الدولي.
في هذا السياق، أكدت الندوة المشتركة التي نظمها “مناظرات قطر” على أن فعالية الحوار والتعاون لا يمكن أن تتحقق دون فهم معمّق للأدوات التي تشكل الوعي العالمي وتوجهه، وفي مقدمتها الإعلام الرقمي. وبذلك، عززت مشاركة المركز الرؤية القطرية الداعمة للشمولية والحوار المستنير كأدوات أساسية لإيجاد حلول مستدامة.
لم يكن اختيار “متحف الإنسان” و”متحف البحرية” لاستضافة الندوة مجرد مصادفة، بل حمل دلالة رمزية عميقة. “متحف الإنسان” هو فضاء مخصص لدراسة التاريخ البشري، والمجتمعات، والتنوع الثقافي. إن عقد نقاش حول دور الإعلام الرقمي في خلق الاستقطاب أو المصالحة في هذا الموقع بالتحديد، يضع التحدي التكنولوجي في إطاره الإنساني والتاريخي الأوسع، مذكراً المشاركين بأن التأثيرات الرقمية تلامس صميم الوجود والهوية البشرية.
أحمد النعيمي .. إدارة قطرية للنقاش ودعوة للمساءلة والتعاون العالمي
أدار الندوة أحمد النعيمي، المبعوث الخاص لمركز مناظرات قطر، والذي يمتلك سجلاً حافلاً في تمثيل دولة قطر في المحافل الدولية الكبرى، بما في ذلك الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومنتدى الشباب التابع للمجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة، والمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس.

وقد ساهمت هذه الخلفية الغنية بالخبرة في العلاقات الدولية واستراتيجيات السياسات في توجيه النقاش نحو الأبعاد العملية والجيو-سياسية للقضية.
سلّط النعيمي الضوء على التناقض الجوهري للإعلام الرقمي، واصفاً إياه بأنه: “أداة فعّالة لبناء السلام، وساحة معركة للتلاعب بالحقائق في الوقت عينه”. وشدد على أن التحدي العالمي يكمن في كيفية ضمان أن يتحول هذا الإعلام إلى “قوة للحل، وليس للتفرقة”.
1- الوجه الإيجابي (الوسيط)
الإشارة إلى قدرة المنصات الرقمية على كشف الحقائق المخفية، وتمكين الأصوات المهمَّشة، وجعل “الخفي مرئياً”، وهو ما يدعم الشفافية والمساءلة.
2- الوجه السلبي (المُشعل)
: التحذير من استغلال المنصات في بثّ المعلومات المُضلِّلة (Disinformation)، وتعزيز التحيز، وقمع حرية التعبير، مما يؤدي إلى زيادة الفرقة والاستقطاب.
استناداً إلى تجربته الدولية، ركّز النعيمي في ختام مداخلته على الأهمية القصوى للتعاون العالمي لحماية الحقيقة والمساءلة في الفضاء الإلكتروني. وقد انصبت المناقشات على ابتكار آليات تكفل أن يظلّ الإعلام الرقمي قوةً داعمة للسلام وحلّ النزاعات، بدلاً من أن يكون مُحفّزاً لمزيد من الاستقطاب.
سوسن شبلي .. شريان وجودي وظلال الحجب
من جهتها، أثرت مشاركة سوسن شبلي، المفوض السابق لبرلين لدى الحكومة الاتحادية ومفوض الشؤون المجتمعية في العاصمة الألمانية، الندوة بتجربة فريدة تجمع بين الخلفية السياسية الأوروبية والجذور العربية. أكدت شبلي أن الوسائط الرقمية أصبحت اليوم الأداة الأشد تأثيراً في تشكيل السرديات، وتحريك الجماهير، وإثارة التعاطف.
قدمت شبلي رؤية ثنائية الأبعاد للدور الرقمي من خلال إبراز أهميته كـ “وسيلة للبقاء، وأداة لحفظ القصص الإنسانية حيّة حين يغيب عنها اهتمام العالم”. واستشهدت بالوضع في غزة كـ “وجهين معاً” لحقيقة الإعلام الرقمي في النزاعات المعاصرة:
- الشريان الإنساني: حيث يعمل الإعلام الاجتماعي كـ “نبض وجودي” و “قوة محركة أيقظت الوعي العالمي وحشدت الملايين” لدعم القضايا الإنسانية.
- قمع الأصوات: وفي المقابل، نرى كيف “تُكتم الأصوات، ويُخفَّض تصنيف المحتوى، وتُمارَس عليه ظلال الحجب والتقييد”.
واختتمت شبلي حديثها بعبارة مؤثرة : “يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تكون فضاءً للحوار والمصالحة، لكنها أيضًا من تقرّر أيّ الحزن يُرى، وأيّ الألم يتم تجاهله”، داعية إلى وضع النقاش في سياقه الأخلاقي والإنساني العميق.
التزام مناظرات قطر تجاه الحوار والشباب
تأتي هذه الندوة الدولية لتؤكد على التزام مركز مناظرات قطر، الذي تأسس عام 2008 بهدف نشر ثقافة المناظرة والحوار، برؤيته التي تتبلور في شعار: “إثراء الحوار، تمكين العقول” . فتنظيم مثل هذه الفعاليات على مستوى عالمي هو امتداد طبيعي لجهود المركز في بناء جسور التعاون مع مؤسسات في آسيا وأوروبا وأمريكا لترسيخ ثقافة النقاش الواعي.
في هذا الإطار، أكد عبد الرحمن السبيعي، مدير البرامج في مركز مناظرات قطر، على الأهمية الاستراتيجية لهذه المشاركات، مشيراً إلى أن “مثل هذه الفعاليات تُعلي أصوات الشباب وتفتح أمام قادة الغد فرصًا للتفاعل مع الخبراء، لإيجاد حلول للتحديات الأكثر إلحاحًا” .

وبذلك، لا يقتصر دور المركز على تنظيم المناظرات، بل يمتد إلى إعداد الشباب للقيادة العالمية من خلال إشراكهم في حوارات استراتيجية حول القضايا المحورية مثل السلام والإعلام الرقمي.
وقد أبرزت الجلسة قدرة الإعلام الرقمي على ردم الفجوات، ورفع أصوات الممثلين تمثيلاً ناقصاً، ودفع مسارات السلام والاستقرار على مستوى العالم، مؤكدة على أن الحوار المستنير هو الأداة المثلى لمعالجة القضايا العالمية بأسلوب مسؤول وبنّاء.
ريادة قطرية في تقاطع التكنولوجيا والسلام
تُعد مشاركة مركز مناظرات قطر في منتدى باريس للسلام نموذجاً للريادة القطرية في توظيف القوة الناعمة والدبلوماسية الثقافية لإثراء النقاشات العالمية. من خلال استعراض الدور المُعقد للإعلام الرقمي كـ “سيف ذي حدين” يُمكّن ويقيّد في آن واحد، نجح المركز في وضع أجندة عالمية تهدف إلى تعزيز “الحوكمة الرقمية” التي تدعم السلام والعدالة.
كما تؤكد هذه المشاركة أن مركز مناظرات قطر لا يكتفي بترسيخ ثقافة الحوار محلياً وإقليمياً، بل يواصل ريادته على الساحة الدولية، مستخدماً منصات مثل منتدى باريس للسلام ومنتدى الدوحة لدمج صوت الشباب ورؤى الخبراء في سبيل تحقيق التزام دولة قطر بتعزيز التعاون متعدد الأطراف وإيجاد حلول مستدامة لتحديات العصر.
للإشارة،مركز مناظرات قطر- من إنشاء مؤسسة قطر- هو المنظمة الوطنية الوحيدة للمناظرات في دولة قطر، وقد تأسس في عام 2008 بهدف نشر ثقافة المناظرة في دولة قطر والوطن العربي وعلى مستوى العالم، إضافة لتطوير ودعم معايير الحوار والمناقشات المفتوحة والمناظرات في دولة قطر والعالم والارتقاء بها، من خلال تحقيق رؤية منسجمة مع شعار المركز: “إثراء الحوار، تمكين العقول”.
جهود مركز مناظرات قطر في نشر ثقافة المناظرة والحوار المفتوح تشهد توسعاً وانتشاراً من خلال بناء جسور التعاون مع مؤسسات عديدة لدعم ونشر فن المناظرات والحوار في عدة دول مثل الكويت وسلطنة عمان والسودان والأردن ودول المغرب العربي وشرق آسيا وأوروبا والولايات المتحدّة الأمريكية، وفي هذا الإطار أطلق المركز برامج فريدة تهدف بشكل رئيسي إلى نشر رسالة المركز في جميع أنحاء العالم مثل برنامج السفراء وبرنامج أكاديمية النخبة والتي تضم نخبة من الشباب حول العالم يحملون رسالة المركز.
ويقوم المركز محليّاً أيضاً بتدريب ورعاية الفريق الوطني للمناظرات باللغة العربية واللغة الإنجليزية– الفريق الممثل لدولة قطر في المحافل الدولية للمناظرات- بمشاركات في بطولات دولية منذ 2008، إضافة إلى تنظيم ورعاية العديد من الفعاليات والبطولات التي تشارك فيها غالبية المدارس والجامعات في دولة قطر، وأنجز المركز تطوير منهج دراسي للمناظرة باللغة العربية يتم تدريسه في عدد من الجامعات.
