من الهدي النبوي عند الغضب أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يغضب لنفسه، وما كان ينتصر لها، بل كان غضبه لله وحينما تنتهك حرماته.

يحدثنا هند ابن أبي هالة رضي الله عنه عن صفات النبي صلى الله عليه وسلم فيذكر من صفاته صلى الله عليه وسلم أنه: ” … لا تغضبه الدنيا، وما كان لها وإذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له، ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها … ” (1).

وإليكم نماذج من مواقف النبي صلى الله عليه وسلم في غضبه عندما تنتهك حرمات الله، وعن ذلك تحكي لنا عائشة رضي الله عنها موقفاً حصل لها مع النبي صلى الله عليه وسلم فتقول: – ” دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وفي البيت قرام فيه صور فتلون وجهه ثم تناول الستر فهتكه وقالت قال النبي صلى الله عليه وسلم من أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يصورون هذه الصور” (2).

وعن أبي مسعود، رضي الله عنه، قال: ” أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان مما يطيل بنا قال فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قط أشد غضبا في موعظة منه يومئذ قال فقال يا أيها الناس إن منكم منفرين فأيكم ما صلى بالناس فليتجوز فإن فيهم المريض والكبير وذا الحاجة” (3).

وعن عبد الله، رضي الله عنه، قال: ” بينا النبي صلى الله عليه وسلم يصلي رأى في قبلة المسجد نخامة فحكها بيده فتغيظ ثم قال إن أحدكم إذا كان في الصلاة فإن الله حيال وجهه فلا يتنخمن حيال وجهه في الصلاة” (4).

وعن زيد بن خالد الجهني أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن اللقطة فقال: “عرفها سنة ثم اعرف وكاءها وعفاصها ثم استنفق بها فإن جاء ربها فأدها إليه قال يا رسول الله فضالة الغنم قال خذها فإنما هي لك، أو لأخيك، أو للذئب قال يا رسول الله فضالة الإبل قال فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمرت وجنتاه، أو احمر وجهه، ثم قال مالك ولها معها حذاؤها وسقاؤها حتى يلقاها ربها” (5).

وعن زيد بن ثابت، رضي الله عنه، قال: ” احتجر رسول الله صلى الله عليه وسلم حجيرة مخصفة، أو حصيرا فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيها فتتبع إليه رجال وجاؤوا يصلون بصلاته ثم جاؤوا ليلة فحضروا وأبطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم فلم يخرج إليهم فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب فخرج إليهم مغضبا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم فعليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة” (6)

وعن البراء بن عازب قال: “خرج رسول الله  وأصحابه قال: فأحرمنا بالحج فلما قدمنا مكة قال: اجعلوا حجكم عمرة. قال: فقال الناس: يا رسول الله قد أحرمنا بالحج كيف نجعلها عمرة؟ قال: انظروا ما آمركم به فافعلوا. فردوا عليه القول فغضب ثم انطلق حتى دخل على عائشة وهو غضبان فرأت الغضب في وجهه فقالت: من أغضبك أغضبه الله؟ فقال: وما لي لا أغضب وأنا آمر بالأمر فلا أتبع)) (7).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه قال: ” بينما يهوديّ يعرض سلعة له أعطي بها شيئا، كرهه أو لم يرضه، قال: لا: والّذي اصطفى موسى- عليه السّلام- على البشر، فسمعه رجل من الأنصار فلطم وجهه. قال: تقول: والّذي اصطفى موسى- عليه السّلام-، على البشر ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين أظهرنا؟ قال: فذهب اليهوديّ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: يا أبا القاسم،. إنّ لي ذمّة وعهدا، وقال: فلان لطم وجهي. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لم لطمت وجهه؟ قال: قال: (يا رسول الله): والّذي اصطفى موسى- عليه السّلام- على البشر وأنت بين أظهرنا؛ قال: فغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حتّى عرف الغضب في وجهه.ثمّ قال: لا تفضّلوا بين أنبياء الله، فإنّه ينفخ في الصّور فيصعق من في السّموات ومن في الأرض إلّا من شاء الله، ثمّ ينفخ فيه أخرى. فأكون أوّل من بعث: أو في أوّل من بعث. فإذا موسى- عليه السّلام- آخذ بالعرش. فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطّور. أو بعث قبلي. ولا أقول: إنّ أحدا أفضل من يونس بن متّى عليه السّلام” (8).

وعن عائشة رضي الله عنها “أنّها قالت: ” رخّص رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أمر فتنزّه عنه ناس من النّاس. فبلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فغضب حتّى بان الغضب في وجهه. ثمّ قال: ما بال أقوام يرغبون عمّا رخّص لي فيه. فو الله لأنا أعلمهم بالله وأشدّهم له خشية ” (9).

وعن أبي قتادة رضي الله عنه أنّه قال: “رجل أتى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: كيف تصوم؟ فغضب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا رأى عمر- رضي الله عنه غضبه. قال: رضينا بالله ربّا، وبالإسلام دينا، وبمحمّد نبيّا. نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله. فجعل عمر- رضي الله عنه- يردّد هذا الكلام حتّى سكن غضبه” (10).

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ” كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أشدَّ حياءً من العذراءِ في خِدْرها، فإذا رأى شيئاً يكرهه، عرفناه في وجهه، ولما بلَّغَه ابنُ مسعودٍ قَولَ القائل: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، شقَّ عليه صلى الله عليه وسلم، وتَغيَّر وجهه، وغَضِبَ، ولم يَزِدْ على أنْ قال: قد أوذِيَ موسى بأكثر من هذا فصبر” (11).


الهوامش :

(1) رواه الطبراني في ((الكبير)) (٢٢/ ١٥٥)، والآجري في ((الشريعة)) (١٠٢٢)، والبيهقي في ((الشعب)) (٣/ ٢٤) (١٣٦٢)

(2) رواه البخاري (٦١٠٩)، ومسلم (٢١٠٧).

(3) رواه البخاري (٦١١٠)، ومسلم (٤٦٦).

(4) رواه البخاري (٦١١١).

(5) رواه البخاري (٢٤٣٦)، ومسلم (١٧٢٢).

(6) رواه البخاري (٦١١٣)، ومسلم (٧٨١).

(7) رواه ابن ماجه (٢٩٨٢)، وأحمد (٤/ ٢٨٦) (١٨٥٤٦)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (٩/ ٨٢) (٩٩٤٦). قال البوصيري في ((مصباح الزجاجة)) (٣/ ١٩٩): هذا إسناد رجاله ثقات إلا أن فيه أبا إسحاق واسمه عمرو بن عبد الله اختلط بآخرة ولم أدر حال أبي بكر بن عياش هل روى عنه قبل الاختلاط أو بعده فيوقف حديثه حتى يتبين حاله. وضعف إسناده الألباني في ((السلسلة الضعيفة)) (٤٧٥٣).

(8) رواه البخاري (٣٤١٤)، ومسلم (٢٣٧٣).

(9) رواه مسلم (٢٣٥٦).

(10) رواه مسلم (١١٦٢).

(11) رواه البخاري (٦١٠٢)، ومسلم (١٠٦٢).